بدأ استهلاك التبغ، وفق ما سجّله التاريخ، في القرن الأول قبل الميلاد، لدى شعوب المايا، في أمريكا الوسطى والجنوبية، إذ اعتبرت هذه الشعوب التبغ نباتًا مقدّسًا يتواصل به السحرة مع الآلهة.
كما استخدمته بعض القبائل كدواء يعالج آلام الأسنان ويرفع نسبة الخصوبة، من خلال شربه وتدخينه ومضغه ومصّه أيضًا.
ومع تطور أساليب الاستهلاك، استخدم المدخنون “البايب” واللف اليدوي، حتى اختراع ماكينة لف السجائر عام 1880، ما حوّله إلى صناعة عملاقة.
وكان التبغ رمزًا ثقافيًا واجتماعيًا وعادة أرستقراطية حتى القرن الـ20، حين اتجهت شركات التبغ لتوسيع سوقه، مستهدفة الجنود في الحرب العالمية الثانية بملايين السجائر المجانية، ليعودوا بعد الحرب منتصرين على الألمان ومدمنين التدخين.
مديح لا ينقطع
134 دولة حول العالم تضع شعارات وصورًا تحذيرية وتنفيرية من السجائر، وملايين الوفيات سنويًا بسبب التبغ، لكن تعلقًا وولعًا بالسجائر يبديه المدخنون ويعبّر عنه كل منهم بطريقته ومكانته.
كما كوّنت شركات الإنتاج السينمائي خلال القرن الـ20 صورة بهيّة للسيجارة ومدخّنها أيضًا، ما دفع شركات التبغ للاتفاق مع الممثلين في سبيل إيصال منتجاتها لقبول المشاهد، عبر الإعلان “غير المقصود”.
ومع تفاوت معايير الرقابة على المحتوى بين البلدان، تواصل الأفلام والمسلسلات زج السجائر في المشاهد، وربما تقديم أبطال وشخصيات محبوبة لدى الجمهور كشخصيات ليست مدخنة فقط، بل ومدخنة بشراهة.
ومن الأمثلة العربية لهذه الحالة، شخصية “صافي الديب” التي جسّدها الممثل السوري قصي خولي في مسلسل “2020”، وتقمّص فيها صورة البطل المدخّن قبل وبعد وخلال المشكلات التي تواجهه ويحاول حلّها، وخلال المشاهد العاطفية واللحظات الجادة، وفي ساعات الغضب أيضًا.
كما يقدّم مسلسل الجريمة البريطاني “بيكي بلايندرز” شخصية “توماس شيلبي” التي أداها الممثل كيليان مورفي، بصورة رجل لا يكاد يطفئ سيجارته ليشعل غيرها، وهو رجل عصابات وكبير عائلة “شيلبي” الذي يحاول الانتصار على مشكلات العائلة.
تميمة فنية
الكتّاب والرسامون، والفنانون على اختلاف انتماءاتهم ومهنم الإبداعية والمناخات الثقافية التي تجمعهم، بالإضافة إلى ذوي النفوذ (يدخنون السيجار)، كل هؤلاء تقدمهم الدراما بكثير من محتواها كمدخين، إلى جانب رجال الأمن والمحققين الذين يغرون المشتبه به بسيجارة قبل الاستجواب، وربما خلاله إن أبدى تمنعًا عن إجابة ما.
وفي مقطوعة موسيقية عزفها على “البيانو”، بشكل مصّور (فيديو كليب) قبل 11 عامًا، وحملت اسم “valse”، ظهر الموسيقار الروسي يفغيني غرينكو يعزف على “البيانو” في الطبيعة، محتضنًا سيجارة بين شفتيه، وحقق نحو 39 مليون مشاهدة حتى إعداد هذه المادة.
كما أن الشاعر السوري الراحل نزار قباني قدّم ضمن إرثه الشعري قصيدة بعنوان “صديقتي وسجائري”، بدأها وختمها ممتدحًا تدخين الحبيب للسجائر.
https://www.youtube.com/watch?v=NNtErgCi5m8
سامي عامري، المؤلف والمحاضر التونسي، الحاصل على دكتوراة في مقارنة الأديان، وفي كتابه القصصي الشعري “النهر الأول قبل الميلاد”، الصادر عام 2010، وصف السيجارة بأنها “إصبعه الحادي عشر”.
وإلى جانب ذلك، حلّ “التتن” (وهو اسم شعبي للتبغ الخارج عن نظام السجائر المعلّبة) ضيفًا على الموروث الغنائي لبعض المناطق، كما تناوله البعض بأغنيات حملت طابع الفكاهة ومعايشة الواقع بأسلوب كوميدي.
تحصي منظمة الصحة العالمية وجود ما يقدّر بـ1.3 مليار شخص يستخدمون منتجات التبغ حول العالم، 80% منهم في البلدان المنخفضة والمتوسطة الدخل.
ويسبب النيكوتين الموجود في التبغ الإدمان، ويعتبر تعاطي التبغ عامل خطر رئيسًا لأمراض القلب والأوعية الدموية والجهاز التنفسي، وأكثر من 20 نوعًا مختلفًا أو فرعيًا من السرطان، وحالات صحية منهكة أخرى، وفق المنظمة.
–