“أسطول الظل” والصين.. بدائل روسيا بعد تحديد أسعار النفط
في أكثر الجهود البعيدة المدى ردًا على الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، فرضت أستراليا وبريطانيا وكندا واليابان والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي المكوّن من 27 دولة، حدًا أقصى لسعر برميل النفط الروسي مقابل 60 دولارًا.
ودخل القرار حيز التنفيذ في 5 من كانون الأول الحالي، إلى جانب الحظر الذي يفرضه الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي المشحون عن طريق البحر.
يسمح الإجراء بشحن النفط الروسي إلى دول غير غربية باستخدام ناقلات من دول مجموعة السبع والدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي وشركات التأمين ومؤسسات الائتمان، فقط إذا كانت الشحنة بسعر 60 دولارًا للبرميل أو أقل منه.
بالمقابل، يمنع شركات التأمين أو مالكي السفن، ومعظمهم في الاتحاد الأوروبي أو المملكة المتحدة، من المساعدة في نقل النفط الروسي إلى دول أخرى، ما لم يكن هذا النفط بنفس سعر الحد الأقصى أو أقل منه.
وكانت وزيرة الخزانة الأمريكية، جانيت يلين، اقترحت الحد الأقصى مع حلفاء مجموعة السبع الآخرين كوسيلة للحد من أرباح روسيا مع الحفاظ على تدفق النفط الروسي إلى الاقتصاد العالمي.
وتهدف الاستراتيجية إلى الإضرار بمالية موسكو، وتجنب ارتفاع حاد في أسعار النفط إذا أُخرج النفط الروسي فجأة من السوق العالمية، وفقًا لوكالة “رويترز“.
إضعاف آلة الحرب؟
قالت روسيا إنها لن تلتزم بحد أقصى، وستوقف عمليات التسليم للدول التي تلتزم بذلك، كما يمكن لروسيا أن ترد بإغلاق الشحنات على أمل الاستفادة من ارتفاع حاد في أسعار النفط العالمية.
عقب القرار، باعت روسيا مزيجًا نفطيًا بحوالي 79 دولارًا للبرميل في الأسواق الآسيوية، أي أعلى بمقدار الثلث تقريبًا من سقف السعر، وفقًا لشركة “Refinitiv” المزوّدة لبيانات الأسواق المالية.
من جهته، قال الرئيس التنفيذي ومحلل الاقتصاد الروسي في شركة “Macro-Advisory”، كريس ويفر، إن روسيا ستمتلك على الأرجح ما يكفي من المال، ليس فقط لتمويل جيشها، ولكن لدعم الصناعات الرئيسة والبرامج الاجتماعية.
وأضاف، “عند هذا المستوى من الأسعار، لا تتغير هذه التوقعات كثيرًا، لكن المهم هو الحجم الذي يمكن لروسيا بيعه، وهذا لا يعتمد فقط على استعداد المشترين الآسيويين لمواصلة شراء النفط الروسي، ولكن أيضًا على القدرة المادية لروسيا على تحويل هذا النفط”.
حذر “الكرملين” من أن الحد الأقصى لأسعار النفط سيزعزع استقرار أسواق الطاقة العالمية، لكنه زعم أنه لن يؤثر على غزو أوكرانيا.
وقال المتحدث باسم “الكرملين”، ديمتري بيسكوف، إن روسيا تستعد لردها على تحرك مجموعة السبع وحلفائها، وفقًا لصحيفة “الجارديان” البريطانية.
وأكد بيسكوف أن “اقتصاد الاتحاد الروسي لديه الإمكانات اللازمة لتلبية جميع الاحتياجات والمتطلبات بشكل كامل في إطار العملية العسكرية الخاصة، ولن تؤثر هذه الإجراءات عليها”.
سقف أسفل التوقعات
قال خبير سياسة الطاقة في مركز أبحاث “بروجيل” في بروكسل، سيمون تاجليابيترا، إن تحديد سقف قدره 60 دولارًا لن يكون له تأثير كبير على الشؤون المالية لروسيا.
واعتبر أن ذلك “لن يلاحظه أحد تقريبًا”، لأنه سيكون مقاربًا لمبيعات النفط الروسي الحالية، مشيرًا إلى أن “الحد المفروض ليس رقمًا مُرضيًا، لكنه قد يمنع (الكرملين) من جني الأرباح إذا ارتفعت أسعار النفط فجأة وتقلصت الحدود القصوى”.
وأوضح أن من شأن 50 دولارًا للبرميل التقليل من أرباح روسيا، وأن يجعل من المستحيل عليها موازنة ميزانيتها الحكومية، لافتًا إلى أن موسكو تحتاج من 60 إلى 70 دولارًا للبرميل لتفي بذلك.
وبحال فرض 50 دولارًا للبرميل، يظل ذلك أعلى من تكلفة الإنتاج الروسية التي تتراوح بين 30 و40 دولارًا للبرميل، ما يمنح موسكو حافزًا لمواصلة بيع النفط ببساطة، لتجنب الاضطرار إلى إغلاق الآبار التي قد يكون من الصعب إعادة تشغيلها، بحسب تاجليابيترا.
وكان كبير الاقتصاديين في معهد “التمويل الدولي” بواشنطن، روبن بروكس، قال إن حدًا أقصى قدره 30 دولارًا من شأنه أن “يمنح روسيا الأزمة المالية التي تستحقها”.
سوق جديدة
إلى الآن، حظر الاتحاد الأوروبي واردات الفحم الروسي، وأوقفت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وارداتهما المحدودة من النفط الروسي، لكن هذه الخطوات كان لها تأثير اقتصادي أقل من المتوقع.
ورغم تجنب الدول الغربية شراء النفط الروسي، ساعد ارتفاع الأسعار المدفوع بمخاوف نقص الطاقة على تعويض خسائر مبيعات النفط.
وتمكّنت روسيا، ثاني أكبر منتج للنفط بالعالم، من إعادة توجيه الكثير من شحناتها الأوروبية المنقولة بحرًا إلى الصين والهند وتركيا، في تغيير كبير لتدفقات النفط العالمية.
وكان وزير الخارجية الهندي، سوبرامانيام جايشانكار، أكد بعد الإجراء مباشرة، أن بلاده ستواصل شراء النفط من روسيا لإعطاء الأولوية لاحتياجاتها من الطاقة.
يحتوي الحد الأقصى على فترة سماح للنفط الذي حُمّل قبل القرار، ويصل إلى وجهته قبل 19 من كانون الثاني المقبل، لتقليل الاضطرابات في أسواق النفط.
كما قالت وزارة الخارجية الصينية، إنها ستواصل التعاون في مجال الطاقة مع روسيا بعد تحديد سقف السعر، وأكدت أنها ستستمر على أساس الاحترام والمنفعة المتبادلة.
قد لا يوافق المشترون في الصين والهند على الحد الأقصى، بينما يمكن لروسيا أو الصين محاولة إنشاء شركات تأمين خاصة بهما لاستبدال تلك الممنوعة من قبل الولايات المتحدة والمملكة المتحدة وأوروبا.
وتعني المسافات الكبيرة التي ينطوي عليها شحن النفط إلى آسيا، أن هناك حاجة إلى ما يصل إلى أربعة أضعاف سعة الناقلات الأوروبية، ولن يحصل الجميع على تأمين روسي، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
اقرأ أيضًا: ما هدف الصين من استحواذها على الحصة الكبرى لواردات الطاقة الروسية؟
“أسطول الظل”
يمكن لروسيا استخدام أساليب للتهرب من العقوبات مثل تلك التي تستخدمها إيران وفنزويلا، بما في ذلك استخدام ناقلات “أسطول الظل” ذات الملكية الغامضة، ونقل النفط من سفينة إلى أخرى إلى ناقلات نفط من نوعية مماثلة لإخفاء مصدره.
حشدت روسيا أسطولًا يضم أكثر من 100 ناقلة قديمة للمساعدة في التحايل على القيود الغربية على مبيعات النفط الروسية عقب غزوها لأوكرانيا، وفقًا لصحيفة “Financial Times“.
ووفقًا لتقديرات شركة “Braemar Seascope” لبيع وتأجير السفن الدولية، فإن موسكو التي تعتمد بشكل كبير على ناقلات أجنبية لنقل نفطها الخام، أضافت أكثر من 100 سفينة هذا العام، من خلال عمليات شراء مباشرة أو غير مباشرة.
كما أكدت شركة استشارات الطاقة “Rystad Energ“، أن روسيا أضافت 103 ناقلات في 2022، من خلال عمليات الشراء وإعادة تخصيص السفن التي تخدم إيران وفنزويلا الخاضعتين لحظر نفطي غربي.
يعد مسعى “الكرملين” لتجميع ما تسميه صناعة شحن النفط “أسطول الظل” الروسي، محاولة للتغلب على القيود الدولية الجديدة على نفط البلاد.
خلال العام الحالي، اشترى المشغلون المرتبطون بروسيا ما يصل إلى 29 ناقلة نفط عملاقة، كل منها قادرة على حمل أكثر من مليوني برميل، بحسب تقرير قدمته شركة “Braemar” لوكالة الطاقة الدولية في تشرين الثاني الماضي.
ورجحت الشركة أن تكون روسيا أضافت أيضًا 31 ناقلة بحجم “سويز ماكس”، قادرة على حمل حوالي مليون برميل لكل منها، و49 ناقلة “أفراماكس”، يمكنها نقل حوالي 700 ألف برميل.
يتزامن ذلك مع تصريحات لرئيس بنك “VTB” الروسي المملوك للدولة، أندريه كوستين، في تشرين الأول الماضي، إذ قال إن البلاد بحاجة إلى إنفاق ما لا يقل عن تريليون روبية (16.2 مليار دولار)، من أجل “توسيع أسطول الناقلات”.
خبير النفط الروسي في مركز “ديفيز” بجامعة “هارفارد”، كريج كينيدي، والذي يتتبع تراكم السفن الروسية، قال إن “عدد السفن التي ستحتاج إليها روسيا لنقل كل نفطها أمر مثير للدهشة”.
وأضاف، “شهدنا عددًا كبيرًا من المبيعات لمشترين لم يكشف عن أسمائهم في الأشهر الأخيرة، وبعد أسابيع قليلة من البيع، ظهرت العديد من هذه الناقلات في روسيا لأخذ أول شحنة من النفط الخام”.
وتوقعت “Braemar” أن يكون العجز الروسي بين 700 ألف و1.5 مليون برميل في اليوم، وانخفاض الصادرات البحرية بنحو 200 ألف برميل في اليوم.
وقدّرت “Rystad Energ” أن روسيا سيكون لديها نقص في 60 إلى 70 ناقلة، إذ تحتاج روسيا إلى أكثر من 240 ناقلة للحفاظ على تدفق صادراتها الحالية.
بيئة استبدادية
في مقال رأي بمجلة “فورين أفيرز“، حذر المستشار الألماني، أولاف شولتس، من إثارة حرب باردة جديدة من خلال تقسيم العالم إلى كتل، ودعا إلى بذل كل الجهود لبناء شراكات جديدة.
وأشار شولتس، في مقاله الذي نُشر في 5 من كانون الأول الحالي، إلى الصين وروسيا، باعتبارهما دولتين “تشكّلان تهديدًا لعالم متعدد الأقطاب”.
وقال “إن الشراكة عبر الأطلسي تظل حيوية لمواجهة التحديات التي يفرضها تهديد روسيا بشن هجمات محتملة على أراضي الحلفاء، في حين أن تحوّل الصين نحو العزلة ونهجها تجاه تايوان يتطلبان من أوروبا وأمريكا تشكيل شراكات جديدة وأقوى مع دول حول العالم”.
أدى الاضطراب الاقتصادي والسياسي في أجزاء من منطقة ما بعد الاتحاد السوفييتي في التسعينيات إلى تفاقم الشعور بالخسارة والألم الذي يربطه العديد من المواطنين الروس حتى يومنا هذا بنهاية الاتحاد السوفييتي، بحسب شولتس.
في تلك البيئة، بدأت الطموحات الاستبدادية والإمبريالية بالظهور من جديد، في 2007، ألقى بوتين خطابًا عدوانيًا في مؤتمر “ميونيخ” للأمن، مستهزئًا بالنظام الدولي القائم على القواعد باعتباره مجرد أداة للهيمنة الأمريكية.
بعد ذلك بعام، شنت روسيا حربًا على جورجيا، وفي 2014، احتلت روسيا شبه جزيرة القرم وضمتها، وأرسلت قواتها إلى أجزاء من منطقة دونباس شرقي أوكرانيا، في انتهاك مباشر للقانون الدولي.
وشهدت السنوات التي تلت ذلك، تقويض “الكرملين” معاهدات الحد من التسلح وتوسيع قدراته العسكرية، وتسميم وقتل المعارضين الروس، وقمع المجتمع المدني، وتنفيذ تدخل عسكري وحشي لدعم نظام الأسد في سوريا.
وأضاف شولتس، “خطوة بخطوة، اختارت روسيا بوتين طريقًا أبعدها عن أوروبا وعن نظام تعاوني سلمي”.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :