“سيري ببطء يا حياة لكي أراكِ بكامل النقصان، كم نسيتك في خضمك باحثًا عني وعنك، وكلما أدركت سرًا منكِ قلتِ بقسوة ما أجهلك!”.
بهذه الأبيات القليلة للشاعر الفلسطيني محمود درويش، افتتح الصحفي المصري محمد أبو الغيط مدوّنته الشخصية عام 2010، مفسحًا المجال أمام مفارقة ومقاربة يحددهما اليوم مع القصيدة نفسها.
لم يكن ممكنًا إدراك التشابه والاختلاف في ذلك الوقت، على اعتبار أن بطل قصيدة “الآن في المنفى” كان في الـ60 من عمره، بينما توقف العمر لدى محمد أبو الغيط بعد الـ30 بقليل.
وعلى سبيل التضاد، فالموت الطائش الذي يضل الطريق من فرط الزحام ويؤجل بطل القصيدة، لم يؤجل محمد أبو الغيط، وعلى سبيل التشابه، فالصحفي الشاب توفي في العاصمة البريطانية، والجنازة في لندن والدفن فيها، بعيدًا عن الوطن الذي تجاور جنسيته الاسم، لكنه ينأى بصاحبه.
اليوم، الاثنين 5 من كانون الأول، توفي محمد أبو الغيط، مختتمًا نحو عامين من حرب لم يخرج منها منتصرًا مع مرض السرطان، وفق ما أعلنته زوجته عبر “فيس بوك”.
يعتبر أبو الغيط أحد أبرز الصحفيين الاستقصائيين العرب الشباب، وبدأ مسيرته المهنية عام 2012 طبيبًا في أحد مستشفيات القاهرة، قبل الانتقال إلى العمل في المجال الصحفي.
عمل أبو الغيط في مؤسسات صحفية عربية متعددة، آخرها صحيفة “العربي الجديد” التي كتب فيها مقالات أسبوعية، بعد تنقله بين جريدة “الشروق” وقناة “الحرة” الأمريكية، وشبكة “أريج” للصحافة الاستقصائية.
كما نعاه كثيرون من زملائه الصحفيين السابقين والحاليين.
مؤلم جداً رحيلك يا صديق الوجع. جمعتنا سراييفو عام ٢٠١٨ واكتشفنا كم يجمعنا الوجع. كم ينهش الروح يومياً. في لحظات الهبوط الشديدة كنا نتبادل النصائح حول إدارة الوجع ورفع المعنوبات. كنت أقول لك حاول أن تصمد إلى أن يطوّروا العلاج بالخلايا الجذعية. ولم تصمد! الله يرحمك #محمد_أبو_الغيط pic.twitter.com/7rwjzC7Ogv
— Rawaa Augé روعة أوجيه (@Rawaak) December 5, 2022
في وداع ومحبة الكاتب والإنسان العظيم محمد أبو الغيط والدروس التي تعلمتها منه
على قناتي في اليوتيوب، خالص العزاء لأسرة محمد وأصدقائه وقرائه ومحبيه، ربنا يصبر ويعين على هذا الفراق العصيبhttps://t.co/8sKdRe6bWk— Belal Fadl (@belalfadl) December 5, 2022
يا الله شو حزين هالصباح
رحيل الصحافي محمد أبو الغيط… pic.twitter.com/p5JxzdycMP— layal h (ليال حداد) #CeasefireNOW (@layalhaddad) December 5, 2022
وفي آب 2021، أعلن إصابته بمرض السرطان، وقدّم عبر حسابه الشخصي في “فيس بوك” تدوينات مطولة تحكي قصة معاناته ورحلته مع المرض.
مسيرة غنية
وخلال المشوار الصحفي القصير زمنيًا، حصد محمد أبو الغيط العديد من الجوائز في المجال، ومنها جائزة “سمير قصير” لحرية الصحافة، التي يمنحها الاتحاد الأوروبي في العاصمة اللبنانية، بيروت.
وفي عام 2019، حاز الميدالية الذهبية في جائزة “ريكاردو أورتيغا” للصحافة المرئية والمسموعة المرتبطة بالأمم المتحدة، عن تحقيق مرئي بعنوان “المستخدم الأخير”، وكشف خلاله انتهاكات دول غربية لعقود بيع أسلحة، ما سبب وصولها إلى أطراف الصراع في اليمن.
وكان مقررًا أن يصدر له قريبًا كتاب بعنوان “أنا قادم أيها الضوء”، ويروي فيه تجربته الإنسانية مع المرض بشكل موسع ومعمق، لكن محمد أبو الغيط استعجل إكمال القصيدة التي افتتح بها مدونته قبل نحو 12 عامًا، “قل للغياب نقصتني، وأنا حضرت لأكملك”.
–