عروة قنواتي
مع نهاية دور المجموعات في المونديال وبداية الدور الثاني، تبقى آمالي قوية بمنافسة أشد، وبمتعة كروية تخلط الأوراق بين المنتخبات الكبرى ومنتخبات الصف الثاني، كما يحلو الوصف في كرة القدم.
وتطير دعواتي مع أسراب الطيور إلى القارب المغربي في بحر المونديال، وإلى الشراع المرفوع بأيدي أسود الأطلس نحو دور الثمانية لأول مرة في تاريخ العرب موندياليًا، وفي كتاب الكرة المغربية خصوصًا، فإنها تستحق هذه المكانة بعد الأداء الطيب والإمكانيات التي ظهرت في الدور الأول.
وإذا كان الدور الأول قد أغلق كتابه بخروج المنتخب الألماني والبلجيكي من البطولة، وبانتصارات آسيوية وإفريقية على البرازيل وفرنسا وإسبانيا والبرتغال، فإن تقارب المستوى داخل الإقصائيات قد يبدو خداعًا، وهذا لا يعني أن تتوقف عجلة الأحلام والأمنيات للكرة اليابانية والكورية والسنغالية مثلًا، لا أبدًا، وإنما الاعتماد على صورة التأهل في كل المجموعات، فأن لا يحصد أي متصدّر فيها النقاط الكاملة لا يعني بالضرورة أن التانغو أوالسامبا في خطر، ولا يؤكد أن الديك الفرنسي مأزوم، ولا أن الطواحين الهولندية بحاجة إلى “عزقات” وتشحيم. الاجتهاد والأداء التاريخي لبعض المنتخبات في المونديال دخل ضمن بوابة الحسابات في التأهل، وهذا طبيعي، ودخل مع الإجهاد والتعب الذي نال من المنتخبات حتى قبل بداية المونديال، بسبب ضغط الرزنامة الكروية في أوروبا والعالم، أما في الإقصائيات فحديث آخر ينتظرنا جميعًا.
وإن كانت مواجهة منتخبنا المغربي الشقيق للماتادور الإسباني، الثلاثاء 6 من كانون الأول الحالي، تحاكي أكثر من محور في قضية المونديال، فإن أبرز هذه المحاور يحمل عنوان الوصول الأول إلى دور الثمانية وبعدها فليحصل ما يحصل.
إسبانيا لويس أنريكي المنتصرة على كوستاريكا بسباعية والمتعادلة مع ألمانيا بهدف لمثله والخاسرة أمام الساموراي الياباني بهدفين لهدف، خرجت في المونديال الماضي من الدور الثاني يوم تبدلت الأوراق بين لوبيتيغي وفيرناندو هيرو في الساعة الأخيرة قبل المونديال، ويومها تقابل المغرب مع إسبانيا في الدور الأول، ورغم أن تلك المباراة كانت مهمة فقط لإسبانيا وتحصيل حاصل للأشقاء، فإنها كانت صعبة جدًا على إسبانيا، وكان التعادل الإيجابي بشق الأنفس لرفاق راموس وبيكيه، ويومها كان المغرب سيئ الحظ في النهايات، فخسر بشكل صادم أمام إيران بهدف وأمام البرتغال بهدف وتعادل مع إسبانيا.
يوم الثلاثاء يحمل عنوانًا عريضًا للأشقاء ولنا وللكرة العربية: عندما تعيد اكتشاف نفسك. صحيح أن مجموعة أسود الأطلسي ومنتخباتها لم تكن ضمن الصراع القوي على البطاقات، فالمنتخب الكرواتي لا يشبه كرواتيا المونديال الماضي أبدًا، وبلجيكا انتهى جيلها بحزن شديد، وكندا تحضّر منتخبها لمشروع 2026، إلا أن المغرب وركراكي ومن معه بصموا بقوة ولم يُخرجوا كل أسلحتهم في المونديال، وهذا أمر مهم.
وإن كان المغاربة في الأشواط الثانية يحتاجون إلى عامل بدني مساعد وجهد إضافي، فإن فرصة التأهل لدور الثمانية كفيلة ببث الروح وضخ المعنويات، إلى جانب الحالة الفنية الطيبة والثبات الدفاعي.
هذه العوامل نفسها التي منحتنا فرصة رؤية اليابان وكوريا وأستراليا ضمن الدور الثاني، وجعلتنا نشاهد مرة جديدة انتكاسة ألمانية وانتصارات على منتخبات مرشحة للقب في الدور الأول.
علينا ألا نستعجل بتقييم الأمور ونقاط القوة والضعف، فلكل مباراة ظروفها، والإقصائيات تعطي كل المنتخبات أكثر من فرصة في 90 دقيقة وشوطين إضافيين وركلات ترجيح، ولكنها في كل مباراة تصعد بفائز وترمي بخاسر، وهذا منطق كرة القدم.
في الزاوية الماضية توقعت خروج منتخب تونس وتأهل السعودية والمغرب. المنتخب السعودي لم يتأهل لعدة أسباب، أهمها نقص اللاعبين المهمين في تشكيلة رينارد بسبب الإصابة والإيقاف، وأيضًا دخول المنتخب إلى لقاء المكسيك بما لا يشبه ما تم تقديمه أمام الأرجنتين وبولندا إطلاقًا، إلا أن الخضر يستحقون التصفيق والاحترام والإعجاب، لأنهم مع هيرفي رينارد أعادوا اكتشاف الهوية السعودية الكروية في المونديال، وقدموا أشواطًا طيبة ومفاجئة أحرجت الأرجنتين، وكادت أن تحقق المأمول أمام بولندا.. ما علينا!
المغرب، عندما تكتشف نفسك من جديد، لتتخطى إنجازًا فريدًا في مونديال المكسيك 1986، حين كان المجد على بعد خطورة فتوقف بركلة حرة من لوثر ماتيوس سكنت شباك بادو الزاكي في الدور الثاني. اليوم ماتيوس على المدرجات يتابع مباريات المونديال، وقد تقدم به العمر، ولكنه ما زال أنيقًا، والعملاق بادو الزاكي عميد اللاعبين المغاربة يتابع عبر الشاشات مع ثقته بتصريحاته الأخيرة بأن المنتخب المغربي بات جاهزًا للتأهل والتقدم أكثر… والثلاثاء يحجز ركراكي مع بوخلال وزياش ونصيري ومزراوي وبونو وسايس بطاقات السفر إلى دور الثمانية.
بالتوفيق يا منتخبنا.