النظام مع الأتراك أم بصفّ "قسد"
شمال شرقي سوريا بانتظار خارطة تحالفات جديدة
عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أُطلقت، مطلع العام الحالي، سلسلة من التصريحات على لسان مسؤولين أتراك، حول نية تركيا التقارب مع النظام السوري بغرض محاربة المنظمات المصنّفة على قوائم الإرهاب لديها، والمنتشرة في الشمال السوري.
ومع أن من مصلحة النظام السوري إعادة السيطرة على مناطق جديدة في سوريا، جاءت معلومات نقلتها وكالة “رويترز” للأنباء عن رفض النظام لهذا التقارب.
تعزيز هذا الغموض حول موقف النظام من التقارب زاده حديث قائد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، مظلوم عبدي، عن نيته التحالف مع النظام للوقوف بوجه تركيا في المنطقة.
تحاول عنب بلدي من خلال هذه المادة تشريح خارطة التحالفات المتعلقة بعلاقة تركيا والنظام السوري، ومكان “قسد” وروسيا منها، بناء على آراء خبراء ومختصين.
تحالفات النظام مرتبطة بالتطورات
قالت وكالة “رويترز” للأنباء، في 2 من كانون الأول الحالي، إن النظام السوري “يقاوم الجهود الروسية للتوسط في قمة مع الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان”، بعد أكثر من عقد من العداء بين الطرفين.
ونقلت الوكالة عن ثلاثة مصادر سورية لم تسمِّها قولها، إن تركيا هي التي “دعمت الإرهاب” من خلال دعم مجموعة من المقاتلين بينهم يتبعون لفصائل إسلامية، إضافة إلى توغلات عسكرية متكررة شمالي سوريا، وهو ما يدفع النظام لرفض فكرة هذا التقارب.
سبق ذلك تصريحات روسية تحدثت عن طرح “الكرملين” خطة التقارب بين الطرفين، باعتبارها “الخيار الأكثر صوابًا” فيما بتعلق بالملف السوري.
الباحث في مركز “عمران للدراسات” معن طلاع، قال لعنب بلدي، إن تغيّر وجه التحالفات على الخريطة السورية مرتبط بالمقام الأول بالتغييرات التي طرأت على المشهد في سوريا.
ولندرك آلية التحول في هذه التحالفات، يرى طلاع أن هذه التحولات تفرضها “اللحظات التكتيكية” في الملف السوري، وبالتالي لا يمكن التحدث عن توفر مؤشرات على تحالف أو علاقة “مستدامة” بين بعض الأطراف الفاعلة على الخريطة السورية.
وبناء على ما سبق، ورغم انتكاسات للنظام السوري في مجالات عدة أبرزها الاقتصادي، يدرك اليوم أن الموقف الروسي يوفر له جملة من التكتيكات التي يمكن أن يناور بموجبها.
وبالنسبة للنظام، فإنه لا ينظر إلى العلاقة مع تركيا على أنها تحالف، بقدر ما يتبع سياسة “حذرة” من التقارب معها، باعتبار أن هذا التقارب فعليًا تربطه محددات بالشأن التركي، أكثر من كونه متعلقًا بتحسين العلاقة مع دول الجوار.
وبالتالي، فإن هذه المحددات تفرض على النظام التعامل مع التقارب مع تركيا على الصعيد الأمني، وفي هذا الإطار، لا يمكن أن يتغير تعامل النظام في هذه الزاوية، كون القضايا الأمنية لا يمكن أن ترتقي للمجال السياسي.
أما على الصعيد السياسي، بحسب طلاع، فيتبع “مرونة سياسية” دون تقديم فعل حقيقي تماهيًا مع رغبة موسكو في جعل منصة “أستانة” مصدرًا للتوافق الأمني بالمقام الأول، ثم التوافق السياسي تاليًا، بحسب الباحث.
وفي 15 من أيلول الماضي، ذكرت وكالة “رويترز” أن رئيس جهاز المخابرات التركي، هاكان فيدان، التقى مدير مكتب “الأمن الوطني” لدى النظام السوري، علي مملوك، في العاصمة السورية، دمشق، وفق “مصدر إقليمي موالٍ لدمشق”.
ووفق ما نقلته الوكالة عن أربعة مصادر لم تسمِّها، فإن فيدان عقد عدة اجتماعات مع مملوك خلال الشهر نفسه، ما اعتبرته مؤشرًا على جهود روسية لتشجيع “ذوبان الجليد” بين الدول التي تقف على طرفي نقيض في الملف السوري.
علاقة النظام بـ”قسد”
لا تعتبر المرة الأولى التي تلوّح فيها تركيا بعملية عسكرية ضد “قسد” في الشمال السوري، إذ سبق وحشدت إعلاميًا عبر حديث مسؤوليها عن اقتراب موعد عمليتها في سوريا، ناهيك عن العمليات التي نفذتها بالفعل.
وما لبثت أن تصاعدت حدة الحديث التركي، منتصف العام الحالي، عن عمليتها المحتملة في سوريا، حتى بدأت قوات النظام بالدفع بتعزيزات عسكرية من جنود وآليات لتقف بجانب “قسد” على جبهات القتال في مناطق عين العرب/كوباني، وتل رفعت، ومنبج، بأرياف محافظة حلب.
الباحث معن طلاع يرى أن النظام يدرك تمامًا مدى تحوّل علاقته بـ”قسد” منذ تموضع القواعد الأمريكية داخل الجغرافيا السورية.
وأضاف أن الوجود الأمريكي وضع النظام السوري أمام واقع أن المجموعات الكردية في الشمال السوري لم تعد نفسها الذي استخدمها سابقًا لسد فراغ أمني أو عسكري، أو حتى لاستفزاز تركيا على حدودها الجنوبية.
وبالتالي، فإن علاقة “قسد” بالنظام اليوم هي أشبه بـ”علاقة ندّية” محكومة بعدة مسارات، أولها هو أن يتقارب النظام مع أمريكا من خلال “قسد”، لكن لم يظهر حتى الآن أي مؤشر على هذا المسار في المرحلة الراهنة، أو أن يكون هناك تقارب مع “قسد” نفسها، لكن بشروط النظام، وهو ما لا تتوفر فيه الشروط أيضًا في الوضع الراهن، بحسب طلاع.
وفي منتصف تموز الماضي، قال عضو هيئة الرئاسة المشتركة في حزب “الاتحاد الديمقراطي” (PYD) آلدار خليل، إن “سيادة سوريا ومسؤولية حمايتها تقع على عاتق حكومةِ دمشق”، التي تدّعي أنها تمثّل سوريا في الأمم المتحدة، معتبرًا أن هذه إحدى نقاط الخلاف حول اتفاق بين الطرفين، إضافة إلى أن النظام لم يقتنع بعد “بترك المركزية التي يحكم بها، لأنه يخاف من أنها ستكون سببًا في سقوطه عن الحكم في حال تخلى عنها”، وهو ما يسبب عائقًا أمام أي اتفاق.
العقل التركي السياسي
بدت السياسة التركية الجديد واضحة منذ توجه حكومتها لتحسين علاقتها ببلدان سبق وكانت بينها وبين أنقرة مشكلات عديدة، واستمرت عدة سنوات، من بينها الإمارات، والسعودية، ومصر.
الباحث السياسي معن طلاع قال إن استراتيجية تركيا في حل خلافاتها انقسمت إلى ثلاثة مسارات، أولها استراتيجية باتت واضحة في العقل التركي السياسي، وتقتصر هذه الاستراتيجية على ترتيب العلاقة مع الحلفاء في الإقليم، وتحويل البيئة الإقليمية المحيطة به إلى بيئة “غير مصدرة للمشكلات داخل البنية التركية”.
المسار الثاني مبنيّ على ما تفرزه الحرب الروسية- الأوكرانية، التي تدفع تركيا في هذا السياق خصوصًا مع تقاطع العلاقات في الملفين بين تركيا وروسيا، وبالتالي تبني تركيا تحالفاتها ضمن استراتيجية حددتها سابقًا تحقق لها أكبر قدر ممكن من المكاسب، خصوصًا في علاقتها مع أمريكا أيضًا فيما يتعلق بالملف السوري.
والمسار الثالث الانتخابات التركية، التي تعتبر عاملًا بارزًا في تشكيل سياستها الحالية، خصوصًا مع لعب قضية اللاجئين السوريين في البلاد دورًا مهمًا بالترويج للبرامج الانتخابية.
ويعتبر ملف اللاجئين السوريين في تركيا أحد أكثر الملفات الحاضرة خلال الترويج للحملات الانتخابية الرئاسية في تركيا، وهو ما أدى مع مرور الوقت إلى تضييق قانوني على حياتهم، مسببًا حالة عدم استقرار.
هذا الخطاب السياسي بات موسميًا، يتصاعد وينخفض مع أي انتخابات تشهدها البلاد حتى على مستوى انتخابات البلديات فيها.
وتعتمد بعض الحملات الانتخابية لأحزاب سياسية في تركيا على مشروع ترحيل اللاجئين السوريين لا شيء سواه، وهو ما انعكس على حالة الشعور بعدم الاستقرار بالنسبة للاجئين.
وفي 17 من تشرين الثاني الماضي، ترك أردوغان الباب مفتوحًا أمام قضية التقارب مع النظام السوري، متحدثًا عن إمكانية إعادة النظر في علاقات بلاده مع كل من مصر وسوريا بعد الانتخابات المقبلة في حزيران 2023.
تبع ذلك حديث الرئيس التركي المتكرر عن أن “لا خصومة دائمة في السياسة”، تعليقًا على احتمالية التقارب بين تركيا والنظام السوري، بحسب وكالة “الأناضول“.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :