حسام المحمود | جنى العيسى | حسن إبراهيم
ظهرت وسائل الإعلام السورية الرسمية منذ بداية الثورة بصورة متخبطة تحاول التعامل مع الأحداث بإرث رسخته هيكلية مركزية مرتبطة بالقرار السياسي، ولم تفلح محاولات النظام لبعث الروح في ماكينته الإعلامية وتنظيم عملها، رغم تكرار محاولات لا تخرج من رحم المراسيم والقرارات والتشريعات.
وفي 8 من تشرين الثاني الماضي، أقرت حكومة النظام السوري مشروع مرسوم إحداث وزارة إعلام، مستبدلة بذلك بالوزارة القديمة المحدثة بموجب المرسوم “186” لعام 1961، أخرى جديدة تعزز الرقابة على المحتوى وتهيمن على مختلف جوانب وقطاعات العمل الإعلامي في سوريا، وتحمل في بنود مهامها وأهدافها ملامح تضييق أكبر على حرية التعبير.
وبحسب المادة الثانية من المرسوم الجديد، تحل الوزارة الجديدة محل القديمة بما لها وما عليها، مع تحديد أهدافها ومهامها التي تطرقت إلى النشر عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وإحداث مكاتب خارجية لوسائل الإعلام، وتعزيز الرقابة على المحتوى الدرامي، ومتابعة الأداء الإعلامي لجميع المؤسسات والوسائل الإعلامية.
تناقش عنب بلدي في هذا الملف مع مجموعة من الباحثين والمختصين والمطلعين على العمل الوزاري، جدوى هذه الخطوة والغرض منها، ومدى تأثيرها المحتمل على واقع العمل الإعلامي في سوريا، في ظل تعدد منصات نقل المحتوى الإعلامي، عبر بوابات غير رسمية، سواء دراميًا أو عبر وسائل الإعلام أو منصات التواصل الاجتماعي.
مسارات لإحكام القبضة
العمل على إحداث وزارة جديدة لم يكن وليد المصادفة بل جزءًا من مسارات هدفها الأخير إعادة ضبط إيقاع المحتوى الإعلامي في سوريا بجميع أشكاله، ابتداء من نشاط وسائل الإعلام إلى الدراما ومواقع التواصل.
وزارة جديدة؟
لم ينسف مشروع المرسوم الجديد ما ورد كليًا في قانون الإعلام الصادر بموجب المرسوم “108” لعام 2011، لكنه أضاف بنودًا أخرى إلى بعض مواد المبادئ الأساسية الواردة في الفصل الثاني من قانون الإعلام، ومنها رسم السياسة الإعلامية، ووضع استراتيجيات وخطط متوافقة معها، والإشراف على تنفيذها وفق “السياسة العامة للدولة”.
كما تضمّن مشروع المرسوم ترخيص مراكز تدريب إعلامي ومراكز البحوث الإعلامية واستقصاء الرأي وشركات الخدمات الإعلامية، ومتابعة أدائها ونشاطها ومدى التزامها بالقانون، إلى جانب متابعة المحتوى الإعلامي للمطبوعات الدورية وغير الدورية داخل سوريا، والتزامها بالقانون والأنظمة النافذة.
مشروع المرسوم تضمّن أيضًا توجيهًا غير مباشر لعمل وسائل الإعلام العربية والأجنبية التي يمكن أن تزور مناطق سيطرة النظام، من خلال مرافقة الوفود الصحفية والإعلامية الزائرة، وتأمين تنقلاتها، وتوفير الظروف المناسبة لأداء الوفود مهامها وإطلاعها على “سوريا الحضارية”، وفق المادة “4” التي حددت مهام الوزارة، وتصدّرها متابعة الأداء الإعلامي لجميع الوسائل والمؤسسات الإعلامية والتزامها بالقانون.
أهداف الوزارة الجديدة
بموجب نص المسودة
– رسم السياسة الإعلامية العامة، ووضع الاستراتيجيات والخطط المتوافقة معها، والإشراف على تنفيذها وفق السياسة العامة للدولة.
– ضمان حق المواطن بالحصول على الخدمات الإعلامية بأشكالها المختلفة.
– ضمان حرية العمل الإعلامي والتعبير عن الرأي في الوسائل الإعلامية الوطنية وفقًا لأحكام الدستور والقانون.
– تحفيز المنافسة العادلة في قطاع الإعلام وتنظيمها والعمل على منع الممارسات المخلّة بها.
– ربط الإعلام بالمجتمع، بما يعزز الهوية الوطنية والعربية والتنوع الثقافي.
– المشاركة في تعميق الديمقراطية، والتعددية السياسية، وتعزيز قيم المساواة والعدالة الاجتماعية.
– الإسهام في عملية التنمية بأشكالها المختلفة، وتعزيز الوعي لدى المجتمع لحماية الثروات الطبيعية والمنشآت والمؤسسات واحترام القانون.
– إطلاع الرأي العام في سوريا والعالم على حقيقة الأحداث في الجمهورية العربية السورية بجميع المجالات، والتعريف بنهضتها وتراثها الحضاري، ودورها في بناء الحضارة الإنسانية.
– النهوض بالصناعة الإعلانية والترويجية الوطنية داخليًا وخارجيًا.
– الإشراف على الإنتاج الدرامي ودعمه وتوجيهه في خدمة القضايا الوطنية والتنموية من خلال تقييم النصوص الدرامية والوثائقية، وتشجيع تأسيس شركات ومؤسسات ومدن الإنتاج التلفزيوني والسينمائي، وتوسيع مجالات التعاون للإنتاج المشترك.
– التعاون والمشاركة مع القطاع الخاص للاستثمار في قطاع الإعلام.
قانون إعلام دون مشاركة الإعلاميين
وبالتزامن مع مشروع الوزارة الجديدة، وبعد طرحه للنقاش منذ 2017، أقرت حكومة النظام أيضًا الصك التشريعي الذي يتضمّن قانون الإعلام الجديد، وبررت هذه الخطوة بـ”إيجاد قانون عصري يتماشى مع التطورات الحاصلة في مجال الإعلام والاتصال”، خاصة في الأمور المتعلقة بوسائل التواصل الاجتماعي، واعتماد مكاتب إعلامية لوسائل الإعلام غير السورية، ومراكز البحوث الإعلامية واستقصاء الرأي ومراكز التدريب.
القانون الجديد أثار انتقادات الصحفيين والعاملين في الحقل الإعلامي، لعدم إشراكهم في مناقشته ووضع مقترحات تناسب عملهم، وتحفظ حقوقهم فعلًا.
وخلال حديث لإذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في 17 من تشرين الثاني الماضي، اعتبر الصحفي السوري بلال سليطين عدم إشراك الصحفيين في مسودة القانون مؤشرًا على عدم ثقة الوزارة بصحفييها، منتقدًا غياب الشفافية، ولافتًا في الوقت نفسه إلى عدم إتاحة الحصول على نص القانون الحاكم لعمل الوزارة منذ عام 1961، لتحديد الفوارق بينه وبين القانون الجديد.
وبعد موافقة حكومة النظام على الصك التشريعي، ظهرت انتقادات تمحور بعضها حول تشكيل لجنة ثلاثية تضم وزراء الإعلام والاتصالات والسياحة، لدراسة مقترحات اللجنة المكلّفة بصياغة قانون الإعلام.
رئيس تحرير صحيفة “الوطن” المحلية، وعضو لجنة صياغة القانون، وضاح عبد ربه، اعتبر هذه اللجنة “مثيرة للانتباه”، متسائلًا عن هدف وجود وزيرة السياحة ضمنها، وهي بعيدة كل البعد عن هذا الاختصاص، موضحًا أن ذلك لا يخدم سوى الجانب الفني لوسائل الإعلام الإلكتروني فقط.
مكافحة الجريمة المعلوماتية
وسبق الموافقة على مشروع قانون الإعلام إدخال تعديلات، في أيار الماضي، على قانون “مكافحة الجريمة المعلوماتية” في وقت ارتفعت خلاله حدة الانتقادات الموجهة للحكومة، خاصة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، تحت ضغط الواقع الاقتصادي والمعيشي المتدني الذي يحكم الحياة في مناطق سيطرة النظام.
الجريمة المعلوماتية (الإلكترونية) هي التي تُرتكب بواسطة الأجهزة الحاسوبية أو الشبكة، أو تقع على الأنظمة المعلوماتية أو الشبكة.
ومنذ تسريب بعض مواده المعدّلة نهاية 2021، أثار القانون جدلًا واسعًا بين مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي، واعتبره ناشطون “تكميمًا للأفواه”، بينما وجّه حقوقيون انتقادات لما اعتبروها عبارات عامة وغير واضحة، كـ”النيل من هيبة الدولة”، و”النيل من هيبة الموظف العام”.
وفصّل القانون العقوبات والغرامات المفروضة على مرتكبي الجرائم المعلوماتية، وتتضمّن تشديد العقوبة إذا كان الجرم واقعًا على جهة عامة، مع تشديد العقوبات على بعض الجرائم التي زاد انتشارها وارتكابها من خلال الوسائل الإلكترونية، كالذم والقدح الإلكتروني، وجرائم المساس بالحياء، والجرائم “الواقعة على الدستور”.
الدراما تحت المجهر
وضع مشروع المرسوم لإحداث وزارة الإعلام الدراما السورية في قائمة مهام وأهداف عمل الوزارة، إذ منحها دور الإِشراف على المحتوى و”دعمه وتوجيهه في خدمة القضايا الوطنية والتنموية”، من خلال تقييم النصوص الدرامية والوثائقية، إلى جانب تقييم النصوص الدرامية وإجازتها نصًا ومشاهدة، ومنح الإذن بالتصوير للأعمال الفنية والدرامية، بعد التحقق من إجازة نصوصها وعرضها وتصديرها.
ولا تبدو غريبة محاولة النظام “لجم” الصناعة الدرامية، خاصة بعد موسم دراما رمضان 2022، الذي عُرضت خلاله مجموعة أعمال محلية جرى تصويرها في العاصمة دمشق، وتناولت قضايا معاصرة ومستقاة من الواقع السوري، كالواسطة والفساد والمحسوبية والرشى، وتحكّم فئات معيّنة بموارد الدولة واقتصادها وقرارها، وحالة الفوضى التي تبدّت بشكل جليّ خلال السنوات الأخيرة.
هذه الأعمال لاقى بعضها قبولًا وانتشارًا جماهيريًا واسعًا خلال فترة العرض، لم تسلم من انتقادات ومحاولات لـ”إعادة التوجيه” من قبل بعض مسؤولي النظام حينها، إذ أقامت وزارة الإعلام ولجنة صناعة السينما والتلفزيون، في 31 من تموز الماضي، ورشة عمل بعنوان “الدراما السورية.. صناعة فكر ومسؤولية مجتمعية”.
وخلال الورشة، دعا مدير الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، حبيب سليمان، إلى تحصين الدراما ضد التسطيح وتشويه القيم، وتحميلها قيم التسامح والمحبة.
هذه الخطوة سبقها، في أيار من العام نفسه، تصنيف لجنة الإعلام والاتصالات في “مجلس الشعب”، خلال اجتماعها بوزير الإعلام، بطرس حلاق، ومديري مؤسسات إعلامية، الدراما السورية “بالألوان”، إذ نقلت إذاعة “شام إف إم” المحلية عن عضو اللجنة نبيل طعمة، أن الحوارات دارت حول “الدراما السوداء والصفراء والوطنية”، في إشارة إلى الأعمال التي عُرضت خلال الموسم الرمضاني 2022، وتناولت الأوضاع في سوريا، معتبرًا أن بعض تلك الأعمال قدم مواضيع المجتمع بشكل سلبي.
ولا يعتبر هذا الانتقاد الأول للأعمال الدرامية في تلك الفترة، إذ أبدى قبل ذلك الأمين العام المساعد لحزب “البعث”، هلال الهلال، اعتراضه على المنتج الدرامي السوري خلال 2022، معتبرًا أنه يحطم المجتمع في بلد صمد عشر سنوات، ويصوّر سوريا كغابة تعج بالفوضى والفساد، وهذا التصوير غير صحيح بالمطلق، وفق رأيه.
دفن “المجلس”؟
تحت اسم “قانون الإعلام”، صدر المرسوم رقم “108” في 28 من آب 2011، بعد أقل من ستة أشهر على اندلاع الاحتجاجات الشعبية المناهضة للنظام السوري، وإلى جانب تحديد مهام وسائل الإعلام، وحظر نشر كل ما يمس بـ”رموز الدولة”، نص المرسوم على إحداث “المجلس الوطني للإعلام”، ويرتبط بمجلس الوزراء، ويتولى تنظيم قطاع الإعلام وفقًا لأحكام هذا القانون.
وقبل التعديلات التي يضيفها مشروع المرسوم الجديد، تعرّض المرسوم “108” لتعديل آخر جاء في المرسوم “23” لعام 2016، وبموجبه ألغى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، العمل بأحكام الفصل الرابع من المرسوم “108”، ما يعني إيقاف عمل “المجلس الوطني للإعلام” بعد خمس سنوات فقط على تأسيسه، كمؤشر على فشل “المجلس” في تنفيذ المهام المنوطة به من قبل النظام حينها.
المستشار السابق لوزير التعليم العالي، الدكتور أحمد الحسين، أوضح أن إحداث وزارة في ظل وجود أخرى قائمة لنفس الغرض يعني تغيير مهام الوزارة الحالية لتكون أشمل وأوسع استجابة للمتغيرات.
وقال الحسين لعنب بلدي، وفق اطلاعه على عمل الوزارات، إن مشروع المرسوم يشكّل إلغاءً رسميًا لما كان يسمى “المجلس الوطني للإعلام”، كما أن توسيع صلاحيات الوزارة يمنحها بعض صلاحيات مؤسسات أخرى، كاتحاد الصحفيين.
ومن ضمن أهداف الوزارة الجديدة مثلًا، منح وثائق إثبات الهوية للإعلامين، وهي مسألة كانت في السابق بيد اتحاد الصحفيين.
المستشار السابق أشار إلى إمكانية تأويل إحداث الوزارة كعمل إداري يقوم على تغيير المهام وظهور حاجات جديدة تفترض القوانين تلبيتها، دون أن ينفي ذلك وجود بُعد سياسي محتمل يرتكز على تكميم أكثر للأفواه وزيادة جرعة الرقابة.
لقاءات محورها الإعلام
التقى رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في تشرين الثاني الماضي، بعد نحو أسبوعين من إقرار مشروع المرسوم، مجموعة من الإعلاميين والصحفيين العاملين في وسائل الإعلام السورية المحلية، بحضور مستشارته، بثينة شعبان، ووزير الإعلام، بطرس حلاق.
هذا اللقاء لم تنقله حينها وسائل الإعلام الرسمية، كما أن حسابات “رئاسة الجمهورية العربية السورية” المعنية بتغطية ونقل أخبار اللقاءات والأنشطة التي يجريها الأسد، لم تنشر شيئًا حول ذلك، مع إتاحة المجال أمام صحفيين حضروا اللقاء لتناقل صورة جماعية مع الأسد، كما جرى في لقائه إعلاميين آخرين في كانون الثاني 2021.
وعبر موقع “سيرياهوم نيوز” المحلي (مكتب تحريره في طرطوس)، في 20 من تشرين الثاني الماضي، قال يحيى كوسا، إعلامي في إذاعة “دمشق” والإذاعة السورية، وهو ممن حضروا اللقاء مع الأسد، “وكان أكثر ما يهمنا هو فهمنا للقاء باعتباره دعمًا مباشرًا للإعلام من رئاسة الجمهورية، وحرصًا على إيصال المعلومات إلى الإعلاميين السوريين”.
وزير الإعلام، بطرس حلاق، قدّم، في 9 من الشهر نفسه، عرضًا أمام “مجلس الشعب” حول عمل وزارته، وما نفذته منذ بداية العام.
وتمكنت الوزرة، بحسب حلاق، من “تطوير المحتوى والخطاب الإعلامي، والبنية القانونية والإدارية، والنشاط التدريبي، ودعم صناعة الدراما، والعلاقات البينية مع الوزارات، وتوسيع رادار التغطية لخدمات وكالة (سانا)، وتطوير الصحافة الإلكترونية، وإعادة هيكلة مواقع الصحف بهوية بصرية جديدة”، وفق ما نقلته “رئاسة مجلس الوزراء” حينها.
وفي 21 من آب الماضي، نظم اتحاد الصحفيين ندوة إعلامية بعنوان “قانون الإعلام.. تعديل قريب“، وبيّن خلالها معاون وزير الإعلام، أحمد ضوا، أن مشروع قانون الإعلام الجديد نوقش مع الصحفيين والإعلاميين وفئات أخرى من المجتمع، بعد دراسته من قبل لجان اختصاصية في الحكومة، لافتًا إلى الحرص على إصدار قانون “عصري وعملي”، يربط بين حرية الإعلام ومسؤولية الإعلامي.
وبيّن ضوا حينها أن دراسة قانون الإعلام تجريها كل من وزارة الإعلام ورئاسة مجلس الوزراء ولجنة التنمية البشرية، معتبرًا أن “جوهر الموضوع” التركيز على ضمان حرية العمل الإعلامي وإيصال المعلومة، وفق ما نقلته “سانا”.
وبمناسبة الذكرى الـ53 لانطلاق جريدة “الثورة”، قال وزير الإعلام، بطرس حلاق، في تموز الماضي، إن دراسة قانون الإعلام الجديد تجري في إطار التفكير بـ”تشريع حديث مرن”، بالتعاون مع وزارة التنمية الإدارية.
ما التأثير المحتمل؟
الإعلامي السوري محمد علاء الدين، اعتبر مسألة إقرار مشروع مرسوم إحداث الوزارة الجديدة عملية هيكلة لا تعني نسف الوزارة القديمة، مع زيادة صلاحيات الوزارة الجديدة وتغوّلها على وسائل الإعلام، بما فيها الإعلام الرقمي ووسائل التواصل الاجتماعي.
علاء الدين لفت إلى تزامن اتجاه النظام للتضييق على وسائل الإعلام مع تصاعد حريات الإعلام والخطاب الإعلامي، ومنح المزيد من الأريحية لمناقشة مختلف مناحي الحياة في العالم، وهو سلوك مألوف لدى الأنظمة الشمولية التي تحاول في فترات “ترنحها” تشريع تسلّطها حتى على الحالة الاجتماعية.
وفيما يتعلق بمراقبة المحتوى الدرامي، أوضح الإعلامي أن حالة الرقابة من قبل وزارة الإعلام على النص الدرامي والكتب أيضًا موجودة في الأصل، وهناك لجان مراقبة نصوص، ومديرية رقابة، وكل ذلك يتبع للوزارة.
ووفق رأيه، فلا تأثيرات إيجابية مستقبلية قد يثمر عنها إحداث الوزارة، وعلى العكس، قد تشكّل زيادة في إطلاق تبريرات لاعتقال أي صوت يشذّ عن رواية السلطة الرسمية، وليس بالضرورة أن يكون معارضًا.
وكما كانت اتهامات “وهن عزيمة الأمة” و”إضعاف الشعور القومي” ذريعة للاعتقال، فالبنود الواردة في مشروع القرار كفيلة بتضييق الخناق أكثر، ومعاقبة من لا يتماشى مع “التغيير”.
كما ركّز الإعلامي محمد علاء الدين على أن قانون الإعلام الجديد يستهدف تحديدًا وسائل الإعلام الجماهيري “النابع من القاع”، و”المنصات”، وهي عوامل قلق بالنسبة للنظام، بسبب رواجها وقربها من الشارع، كما أنه يصعب ضبطها في الوضع الطبيعي، على خلاف وسائل الإعلام الكبيرة التي تمتلك تنظيمًا وهيئات وإدارات هيكلية واضحة.
وتشهد سوريا مؤخرًا حالة من الغضب الاجتماعي، تعكسها مواقع التواصل، على الظروف الاقتصادية والخدمية المتراجعة، وتصل إلى حد الانتقادات والاتهامات المباشرة للمسؤولين (دون رئيس النظام السوري، بشار الأسد) بالفساد وسوء الإدارة، بينما يعيش 90% من السوريين تحت خط الفقر، بحسب الأرقام الأممية.
وتصنّف منظمة الشفافية الدولية سوريا في المرتبة 178 من أصل 180 دولة، ضمن مؤشر مدركات الفساد لعام 2021.
عديمة القيمة
الإعلامي السوري عبد المعين عبد المجيد، تحدث لعنب بلدي عن محاولة النظام السوري في بداية الثورة حل مشكلات القصور الإعلامي في مؤسساته عبر إحداث “المجلس الأعلى للإعلام”، لكنه فشل في ذلك فأوقفه، رغم أن الأجدى الإبقاء على “المجلس”، ومنح الوزارة دورًا لوجستيًا وإداريًا فقط، لكن وزارة الإعلام غطّت على “المجلس” حينها، ما أفقده فاعليته، وحوّله إلى ما يشبه اللجنة النقابية.
وشكّك عبد المجيد في الوقت نفسه بوجود خبراء إعلام يمكنهم تقديم مقترحات لتغيير أو إحداث أو تعديل قرار أو جزئية معيّنة، باستثناء بعض المتقاعدين، والبعيدين اليوم عن العمل الإعلامي.
من جهة أخرى، اعتبر “رئيس رابطة الصحفيين السوريين”، سمير مطر، التغييرات المرتبطة بوضع قانون إعلام وإحداث وزارة عديمة القيمة، كون الوزارات ككل تحت تصرّف مخابرات النظام.
وقال مطر لعنب بلدي، “لا يمكن القول إن هناك فائدة من أي وزارة إعلام جديدة، طالما أن الصحفيين الذين ينتقدون سياسة النظام مهددون بالسجن والاعتقال خلال زمن قياسي، وطالما يحدث ذلك فالتغييرات وهمية وبلا جدوى”.
التهديدات التي يتلقاها الإعلاميون تمثّلها حالة الإعلامي كنان وقاف، الذي أوقف ثلاث مرات خلال عام واحد أحدثها في شباط الماضي، بحسب ما وثّقته منظمة “مراسلون بلا حدود”، وذلك بعد انتقاده نشاطًا للرئاسة في سوريا باستقبال ممثلة وزوجها، وسط واقع اقتصادي متردٍّ.
وتُصنّف سوريا واحدة من أسوأ دول العالم على مستوى حرية التعبير، إذ احتلت المركز 171 من 180 في التصنيف السنوي لحرية التعبير الصادر عن منظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2021.
وشددت المنظمة على غياب الصحافة الحرة في مناطق سيطرة النظام السوري، مشيرة إلى أن وسائل الإعلام لا تنقل إلا الخطاب الرسمي الذي يوجهه النظام، كما تصدّرت سوريا تصنيف “لجنة حماية الصحفيين” كأكثر البلدان فتكًا بالصحفيين عالميًا خلال عام 2019.
إعلام “استقبل وودع”
خلال اتصال هاتفي مع إذاعة “المدينة إف إم” المحلية، في 17 من تشرين الثاني الماضي، تحدثت الدكتورة في كلية الإعلام نهلة عيسى عن هوّة شاسعة خلال السنوات الأخيرة بين الإعلام السوري والجمهور، وأن هذه العلاقة ليست على ما يرام.
واعتبرت عيسى أن الإعلام السوري على مدار تاريخه لطالما كان أداة سلطوية وصوت سلطة، ولم يلعب دور الوسيط بين الحاكمين والمحكومين، ولهذا لا تلجأ إليه الجماهير إلا حين يكون الخطب جللًا لأنه ينقل الرواية الرسمية.
كما أوضحت أن الناس في الأزمات تلجأ إلى إعلامها الوطني للاطمئنان، لكن أداء الإعلام السوري في “بداية الحرب” كان مهتزًا لم يستطع مواكبة الحدث، وكان مرتجلًا ومتخبطًا.
نفتقد إلى الكثير من الحرفية، وأداؤنا فيه الكثير من التقعّر، ونصوصنا خشبية حتى الآن. الإعلام المعاصر تجاوز ممارساتنا الإعلامية منذ سنوات طويلة، وحتى الآن لا نزال نعمل بعقلية التسعينيات.
نهلة عيسى، دكتورة في كلية الإعلام بجامعة “دمشق” |
وبالنظر إلى آلية تعاطي ونظرة المتلقي السوري لوسائل الإعلام الرسمية، أوضح الإعلامي محمد علاء الدين، أن الوسائل الرسمية ومنذ مرحلة ما قبل الثورة وأسلوبها الإعلامي الراهن، فقدت الكثير من مصداقيتها وانتشارها باعتبارها تهتم بإرضاء السلطة و”استقبل وودع”، دون النظر إلى ما يشكّل هاجسًا حقيقيًا لدى المواطن.
يتضح ذلك ببساطة، بتأطير نشرات الأخبار في التلفزيونات الرسمية أو الموجزات اليومية التي تصدرها وزارة الإعلام، والتي تولي نشاطات وتصريحات رئيس النظام السوري والمسؤولين الأولوية، على حساب ملفات سيادية أو تحمل تغييرًا وتأثيرًا على حياة المواطنين.
عنب بلدي تحدثت إلى صحفية تعمل في إحدى وسائل الإعلام الرسمية بدمشق (تحفظت على ذكر اسمها لمخاوف أمنية)، وقالت إن الشارع السوري لا يصدّق كل ما تقوله وسائل الإعلام الرسمية، ويبدو ذلك بوضوح بمجرد النظر إلى تعليقات الناس عبر وسائل التواصل الاجتماعي حيال القضايا التي تعنيهم.
وأضافت الصحفية أن التصريحات التي تتوالى حول أزمة المحروقات الحالية في سوريا، وما يرتبط بها من تخفيض مخصصات، لا يصدّقها الناس، بل يعتبرونها ذريعة وتمهيدًا لرفع أسعار مستقبلي للسلعة.
وفي السياق نفسه، استبعد الإعلامي عبد المعين عبد المجيد وجود تأثير من أي نوع لوسائل الإعلام الرسمية في سوريا يتعدى كونها “بوقًا” للسلطة، مشيرًا إلى بعض الحالات القليلة لضيوف ظهروا على الشاشة وتحدّثوا بأريحية، باعتبار النظام لم يعد مكترثًا لما يقوله الناس ربما، فيمكن الاكتفاء أحيانًا باستبعاد الضيف وعدم دعوته مجددًا.