سوريون يلاحقون جلاديهم في فرنسا.. 40 ملفًا مفتوحًا

  • 2022/12/04
  • 12:31 م

لاجئات سوريات خلال وقفة احتجاجية في ألمانيا للمطالبة بمحاسبة المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات ومعرفة مصير المختفيين قسريًا وبالخلف بناء لمحكمة فرنسية (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – لجين مراد

يسعى السوريون الموجودون على الأراضي الفرنسية منذ سنوات، للبحث عن سبل لتحقيق العدالة ومحاسبة مرتكبي الانتهاكات الذين تسبّبوا بصنع آلامهم، وكانوا أحد أبرز أسباب لجوئهم.

وفي حين يستمر تدفق اللاجئين السوريين إلى أوروبا منذ 2011، وبينهم مرتكبو انتهاكات من مختلف أطراف الصراع، يلعب القضاء الفرنسي دورًا في تعقبهم ومحاسبتهم بموجب “الولاية القضائية العالمية خارج الحدود الإقليمية”.

وفي 28 من تشرين الثاني الماضي، أجرى “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، ومنظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، وجمعية “التعاون الفرنسي- السوري” (FSE)، ندوة بعنوان “ما سبل العدالة المتاحة للناجين والضحايا السوريين في فرنسا”، لتكون جزءًا من جهود المنظمات لدعم مسار العدالة وزيادة وعي السوريين تجاه هذا المسار.

دور محوري

قدّم العديد من السوريين شهاداتهم لدعم التحقيقات التي تجريها السلطات الفرنسية، كما استطاعوا تأمين الأدلة التي شكّلت فارقًا في العديد من القضايا.

ودعت الندوة السوريين للانخراط بمسار العدالة، وتعزيز جهودهم باعتبار شهاداتهم أحد أبرز مقومات المحاسبة والحد من الإفلات من العقاب.

مبدأ “الولاية القضائية العالمية”: يمكّن فرنسا من محاكمة الجناة بغض النظر عن جنسيتهم أو جنسية ضحاياهم، بشروط معيّنة على رأسها الوجود أو الإقامة على الأراضي الفرنسية.

المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان أويس الدبش، قال لعنب بلدي، إن السوريين يلعبون دورًا محوريًا ورئيسًا في ملاحقة مجرمي الحرب الموجودين على الأراضي الفرنسية.

ويعتمد دور السوريين على انخراطهم بآليات العدالة وتبليغهم عن مرتكبي الانتهاكات بالتنسيق مع المنظمات الحقوقية السورية والجهات المسؤولة، وفق الدبش.

وأضاف الدبش أن شهادات الشهود كانت العامل الرئيس للمضي قدمًا بهذه القضايا، ما يجعل مشاركة السوريين جزءًا أساسيًا في تحقيق العدالة.

واتفق المحامي المتخصص في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني مع أويس الدبش، إذ قال إن للسوريين دورًا أساسيًا في مكافحة الإفلات من العقاب الذي يهدف بكل تأكيد إلى إحلال السلام الكامل غير المنقوص في سوريا.

المنظمات.. المرشد والداعم

تنشط العديد من المنظمات الحقوقية السورية في فرنسا التي تسعى لتحقيق العدالة، وتبحث عن السبل الأفضل لذلك.

وخلال الورشة التي أجرتها المنظمات، ركّز المسؤولون على أهمية توجه السوريين لاستشارتهم، واستعدادهم الدائم لتقديم المشورة والدعم.

ويرى الكيلاني أن المنظمات تتحمل مسؤولية مرافقة الضحايا الراغبين بتقديم الشهادات والوصول إلى شهود لدعم القضايا.

كما تتحمل المنظمات مسؤولية حماية المعلومات المقدمة من قبل الشهود واطلاعهم بشكل مستمر على تطورات الملف، بالإضافة إلى التركيز على أهمية دور السوريين بتحقيق العدالة وإبراز ذلك الدور.

من جهته، قال المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان أويس الدبش، إن إجراءات التقاضي معقدة، وتتطلب خبراء واختصاصيين، وهنا يتركز دور المنظمات السورية.

وأضاف الدبش أن المنظمات تعمل على جمع توثيقات عالية الجودة، لتلبية المعايير الدولية ودعم التحقيقات ضد مجرمي الحرب على الأراضي الفرنسية.

كما يتركز دور المنظمات على تكوين علاقات جيدة وصلات وصل مع الجهات القانونية والحقوقية المحلية في فرنسا، بحسب ما قاله المحامي، لافتًا إلى أن المنظمات تستعين بمحامين فرنسيين محليين قبل الشروع بإجراء التبليغ أو تقديم شكوى لتحقيق الفائدة القصوى من ذلك.

وتسهل المنظمات الأمور اللوجستية والقانونية، وتعمل على دعم الشهادات وتقييمها قبل اتخاذ أي إجراء، بالإضافة إلى إطلاع الضحايا على حقوقهم وواجباتهم خصوصًا بما يتعلق بإجراءات الحماية.

وتجري المنظمات ندوات وتدريبات لإرشاد الضحايا السوريين، كما أصدر “المركز السوري للعدالة والمساءلة” كتيبات عن “الولاية القضائية العالمية” بمختلف الدول، بينها فرنسا.

وتوضح الكتيبات بشكل مبسط بعيدًا عن اللغة القانونية التشريعات المحلية وكيفية الانخراط بسبل العدالة.

عراقيل بوجه المنظمات والضحايا

في ظل وجود آلاف الضالعين بارتكاب الانتهاكات ومحدودية قدرة الولاية القضائية، بالإضافة إلى حالة التشتت التي يعيشها السوريون جرّاء لجوئهم إلى مختلف الدول، نشأت العديد من العراقيل في مسار العدالة.

ومن أبرز العراقيل التي تواجه المنظمات الحقوقية والضحايا الراغبين بمحاسبة مرتكبي الانتهاكات، المخاوف الأمنية لدى الضحية، وفق ما قاله المحامي أويس الدبش.

وأوضح الدبش أن الجهات المرتكبة للانتهاكات ما زالت صاحبة سلطة، تجعلها قادرة على اتخاذ إجراءات بحق ذوي الضحايا الموجودين في مناطق سيطرتها، وهو ما يجعل الهاجس الأمني سببًا بعرقلة العديد من القضايا.

وترتبط المخاوف الأمنية بمحدودية الوصول إلى الشهادات، إذ تجعل الضحايا مترددين بتقديم شهاداتهم والأدلة التي يملكونها.

يزعجنا كما يزعج الضحايا عدم كفاية الأدلة، ونحاول دائمًا الوصول إلى دليل لنظهر الحقيقة ونسهم بتحقيق العدالة.

المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان أويس الدبش

ويلعب عدم القدرة على تقييم الأدلة وتقدير أهميتها دورًا مهمًا بعرقلة القضايا، ما يؤكد ضرورة استشارة الخبراء والمنظمات الحقوقية باستمرار لتجاوز هذه العقبة.

وتابع الدبش أن تداول تسجيلات الانتهاكات المصوّرة بشكل عشوائي يمكن أن يفقدها قيمتها ويعرقل القضية، باعتبارها أدلة جنائية يتطلّب التعامل معها صرامة ودقة.

على سبيل المثال، أسفر تداول تسجيلات لأحد مرتكبي الانتهاكات خلال فترة إجراء تحقيقات حوله عن هروبه خارج الأراضي السويدية، وخسر السوريون بذلك فرصة للعدالة، وفق ما ذكره الدبش.

من جهته، يرى المحامي المتخصص في القانون الجنائي الدولي المعتصم الكيلاني، أن من أبرز العراقيل التي تواجه هذا المسار هو نقص الموارد المالية الداعمة لهذه الآليات.

وأضاف الكيلاني أن بعض أزمات الثقة بين الضحايا وهذا المسار، التي خلقها رفع سقف التوقعات، تعد أبرز العقبات، معتبرًا أن المنظمات السورية لعبت دورًا مهمًا بتجاوز هذه العقبة.

ضبط التوقعات

رفعت المحاكمات الأولى سقف توقعات السوريين، وجعلت الكثير من الضحايا يظنون أن “الولاية القضائية العالمية” قادرة على محاسبة جميع مرتكبي الانتهاكات والحد من الإفلات من العقاب.

واعتبر الكيلاني أن ضبط التوقعات يقع على عاتق المنظمات التي تلعب دورًا مهمًا بنقل الصورة الحقيقية للضحايا والشهود.

يجب أن نوضح للضحايا أن “الولاية القضائية الدولية” ليست محكمة جنائية دولية ولا قضاء وطنيًا سوريًا، بل هي طريق ضيق قابل للحياة لا يحقق العدالة الشاملة.

المحامي ومستشار القانون وحقوق الإنسان أويس الدبش

وعلى سبيل المثال، لا تستطيع “الولاية القضائية” في فرنسا محاكمة أشخاص بمستويات السلطة العليا، فهي محكمة وطنية، ولهؤلاء الأشخاص حصانة من مبدأ سيادة الدول.

وأضاف المحامي الدبش أن على الضحايا معرفة أن القضاء في فرنسا عادل، ويضمن للجاني المزعوم توكيل محامٍ، كما أنه لا يتخذ أي خطوة في حال عدم كفاية الأدلة.

شروط “الولاية القضائية” في فرنسا في حال لم يكن الجاني أو الضحية يحملان الجنسية الفرنسية:

– أن يكون المشتبه به موجودًا أو مقيمًا على الأراضي الفرنسية.

– أن يكون تكييف الجريمة محل القضية، ضمن جرائم الحرب أو الجرائم ضد الإنسانية، فضلًا عن التزام فرنسا بملاحقة مرتكبي هذه الجرائم، بموجب اتفاقية دولية، وهي نظام روما الأساسي المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية.

الجناة قسمان

ينقسم الجناة المزعومون إلى قسمين، الأول من ينتمون إلى جماعات مصنفة على قوائم “الإرهاب”، وهؤلاء لا تتطلّب محاسبتهم سوى دليل يثبت انتماءهم إلى تلك الجماعات.

بينما تتطلّب الإجراءات القضائية بحق أشخاص قاتلوا في صفوف فصائل غير مصنفة على قوائم “الإرهاب” تقديم أدلة تثبت ضلوعهم بالانتهاكات.

وأوضح الدبش أن القتال حق مشروع بالقانون الدولي، ولا يُحاسب عليه القانون إلا في حال ارتكاب انتهاكات لحقوق الإنسان، مؤكدًا ضرورة فهم السوريين لهذه الحالات لضبط سقف توقعاتهم.

وينظر القضاء الفرنسي بموجب “الولاية القضائية العالمية” بأكثر من 40 ملفًا، بحسب ما قاله المحامي أويس الدبش.

ومن أبرز هذه الملفات، قضية مجدي نعمة (المعروف بإسلام علوش)، وهو الناطق السابق باسم فصيل “جيش الإسلام”، المتهم بـ”ارتكاب جرائم دولية ممنهجة” ضد المدنيين الذين عاشوا تحت حكمه، من عام 2013 حتى عام 2018، وما زالت القضايا قيد الدراسة من قبل السلطات الفرنسية.

ومن بين القضايا التي ينظر فيها القضاء الفرنسي، قضية شركة “لافارج” وشركتها الفرعية للأسمنت في سوريا، نتيجة شكوى جنائية في 2016 رفعها ضدها 11 موظفًا سوريًا سابقًا لديها إلى جانب المركز الأوروبي للحقوق الدستورية وحقوق الإنسان.

وفي 18 من أيار الماضي، أقرت محكمة الاستئناف في باريس التهم الموجهة ضد شركة “لافارج”، بسبب التواطؤ بجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

مقالات متعلقة

  1. فرنسا.. محكمة النقض ترفض الطعون بقضيتين مرتبطتين بسوريا
  2. لماذا توصد فرنسا باب قضائها في وجه العدالة لآلام السوريين
  3. إجابات حول تطور قضية إسلام علوش في فرنسا
  4. "إسلام علوش" يطعن بصلاحية القضاء الفرنسي في النظر بجرائم الحرب في سوريا

حقوق الإنسان

المزيد من حقوق الإنسان