عنب بلدي – عفرين
“46 دولارًا مبلغ مرتفع لتنكة زيت في منطقة تعتبر نبع الزيتون في سوريا”، كلمات لخّص بها الشاب محمد الحسن أسباب اقتصار عائلته المكوّنة من خمسة أفراد (ثلاثة أطفال وزوجة) على تنكة زيت زيتون واحدة خلال العام في مدينة عفرين شمالي حلب، واعتمادها على الزيت النباتي كبديل معظم الأيام.
وتعتبر شجرة الزيتون أحد أهم الموارد الأساسية التي يعتمد عليها السكان في الشمال السوري، ومصدر رزق لمالك المحصول وللعمال أيضًا، وتشتهر مدينة عفرين بكثرة أشجار الزيتون التي تغطي معظم المساحات الزراعية، واحتلت هذه الزراعة المرتبة الأولى في المنطقة، من حيث المساحة والإنتاج.
موسم منتظر
ينتظر السكان في مدينة عفرين موسم قطاف الزيتون وعصره باعتباره فرصة لتأمين مؤونتهم من الزيت، مترقبين انخفاض أسعاره كونه سلعة متوفرة في المنطقة.
ويبلغ عدد أشجار الزيتون في مدينة عفرين ونواحيها 14 مليونًا و225 ألف شجرة زيتون، وفق ما قاله مدير مكتب رئيس المجلس المحلي في عفرين، أحمد حماحر، لعنب بلدي.
وتقسم منطقة عفرين إلى سبع نواحٍ هي: عفرين، شيخ الحديد، معبطلي، شران، بلبل، جنديرس، راجو.
وبدأ موسم قطاف الزيتون في مدينة عفرين ونواحيها، منذ تشرين الأول الماضي، كحال معظم المناطق في سوريا، بأسعار اعتبرها الأهالي مرتفعة، واعتبرها المزارعون منخفضة مقارنة بالتكاليف وبالظروف التي تفرضها بعض الفصائل في المنطقة.
سعر لا يناسب المعيشة
اشترى الشاب محمد الحسن المهجّر من ريف دمشق والمقيم في عفرين تنكة زيت زيتون مؤخرًا، بوزن 16 كيلوغرامًا (وزن صافٍ) للزيت، معتبرًا أن سعرها مرتفع في المدينة التي تشتهر بإنتاج الزيت من جهة، ومقارنة بالوضع المعيشي والاقتصادي المتردي الذي تشهده المنطقة من جهة أخرى.
شكوى محمد الحسن الذي يعمل بأجر يومي بما هو متاح من أعمال، مشابهة لشكوى فادي سمو أحد أهالي مدينة عفرين، الذي يحتاج إلى أكثر من خمس تنكات زيت زيتون خلال العام.
لا يستطيع سمو مع عائلته المكونة من أربعة أطفال وزوجته شراء مؤونته السنوية دفعة واحدة، لأن سعرها مرتفع بالنسبة لمدخوله الشهري (عامل مياومة أيضًا)، لذلك يضطر لشراء الزيت كلما احتاج.
وتتراوح أسعار تنكة زيت الزيتون بين 42 و47 دولارًا (875 ليرة تركية)، في حين يباع كيلو الزيت في المحال أو في الأسواق الشعبية بسعر أربعة دولارات أمريكية (حوالي 75 ليرة تركية)، إذ يرتفع في حال البيع بالمفرّق.
وتتفاوت احتياجات زيت الزيتون بين العائلات بحسب الاستخدام وعدد الأفراد وإمكانية العائلة المادية لدفع التكلفة، إذ ارتفعت قيمة تنكة الزيت عن العام الماضي حوالي سبعة دولارات.
وتُحدد الأسعار بحسب الجودة وكمية الأسيد ونوع الزيتون من “الخلخالي” و”الصوراني” و”الكردي” الذي يعتبر أفضلها في المنطقة، ويتم بيعه للتجار وسكان الشمال، وتصديره إلى خارج سوريا أيضًا.
وتتراوح رواتب اليد العاملة بشكل عام في المنطقة بأجور يومية (مياومة) بين 30 و50 ليرة تركية بمعدل وسطي ألف و200 ليرة تركية شهريًا، في الوقت الذي حدّدت فيه منظمات عاملة في المنطقة حدّ الفقر للعائلة الواحدة بـ228 دولارًا أمريكيًا (ما يعادل 4244 ليرة تركية)، وحدّ الفقر المدقع بـ2542 ليرة تركية.
ماذا عن المزارع؟
أحمد حمو، صاحب أرض وتاجر زيتون في عفرين، اعتبر أن سعر الزيت رخيص جدًا بالنسبة لتكاليف إنتاجه، من حيث العناية والأسمدة وأجور العمال ونقل المحصول.
وأوضح أحمد لعنب بلدي، أن موسم الزيتون غير مستقر في عملية الإنتاج، فالإنتاج يكون جيدًا لعام وضعيفًا في العام الذي يليه.
يعتقد مزارعون في عفرين التقتهم عنب بلدي، أن موسم الزيتون هذا العام مبشر وذو إنتاج وفير مقارنة بالعام الماضي.
وتضاف تكاليف أخرى على المزارعين في مدينة عفرين ونواحيها مع بداية موسم قطاف الزيتون، متمثلة بدفع إتاوات تحت مسمى رسوم وضرائب، فرضتها فصائل تابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، بحسب شهادات حصلت عليها عنب بلدي من مزارعين وأصحاب معاصر.
فصائل بأسماء متعددة ورايات مختلفة تفرض إتاوات تتفاوت من منطقة لأخرى، وتقاسم المزارعين أرزاقهم، وتصادر أملاك بعضهم منذ أربع سنوات، ورغم وجود مؤسسات ولجان محاسبة، فإن المخاوف تطغى وسط حالة من “الفلتان الأمني” في المنطقة.
وتتفاوت الإتاوات المفروضة على الأراضي باختلاف المنطقة والفصيل المسيطر عليها، ووصل بعضها إلى فرض إتاوات على كل مرحلة من مراحل جني المحصول، وصولًا إلى مرحلة العصر وبعضها يفرض على الشجرة الواحدة.
الناشط الإعلامي شيرو علو، وهو من أبناء مدينة عفرين (غير مقيم) قال لعنب بلدي، إن الانتهاكات لم تتوقف منذ دخول فصائل “الجيش الوطني” إلى المنطقة، فهي مستمرة بوتيرة متفاوتة، لكنها عادت مؤخرًا بشكل واضح خاصة مع بدء موسم الزيتون.
ورجّح الناشط المطّلع على وضع منطقة عفرين ازدياد تلك الانتهاكات، لغاية تحصيل مبالغ من المزارعين كما يحصل في كل سنة، لافتًا إلى أن المخاوف الكبرى هي عمليات الخطف لتحصيل الفدية بعد جني المحصول.
ولا يقتصر الأمر على فرض الإتاوات، فمع اقتراب فصل الشتاء تتجدد قضية قطع و”احتطاب” الأحراش والأشجار الحرجية من قبل بعض عناصر “الجيش الوطني”، كما ظهرت مؤخرًا في أحراش ناحية شران.
وأشرف على عملية قطع الأشجار، في آب وأيلول الماضيين، عناصر في فصيل “لواء شهداء السفيرة” التابع لـ”فرقة السلطان مراد” في “الجيش الوطني”، بحسب تقرير سابق أعدته عنب بلدي استندت فيه إلى شهادات من أبناء المنطقة ومصدر من الفصيل نفسه.
الإتاوات ليست جديدة على مزارعي المنطقة، إذ فرضتها فصائل “الجيش الوطني” منذ سيطرت مدعومة بالجيش التركي في عملية “غصن الزيتون” على مدينة عفرين ومحيطها، بعد معارك خاضها ضد “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، انتهت في 18 من آذار عام 2018.
ومنذ سيطرة “الجيش الوطني” على عفرين، وثّقت منظمات حقوقية وإنسانية قضايا الإتاوات، كما حذرت العديد من الجهات المحلية وحتى المؤسسات العسكرية من عمليات قطع الأشجار الحرجية في المنطقة وريفها، تحت طائلة المحاسبة ومصادرة أي سيارة محمّلة بالأشجار، وتوقيف الجهة المسؤولة ومحاسبتها، لكن قرارات المنع لم تكن رادعة، وقوبلت بنفي الفصائل ارتكابها لهذه التجاوزات.
شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في عفرين أمير خربوطلي