تلبيسة.. خاصرة رخوة يستغلها النظام

  • 2022/12/06
  • 1:30 م

لافتة تحمل شعار بطالب بإسقاط النظام بالقرب من مدينة تلبيسة على الطريق الدولي دمشق- حمص - 25 تموز 2017 (عنب بلدي)

شهد ريف حمص الشمالي، ومدينة تلبيسة بالتحديد، اشتباكات “دامية” بين مجموعات من تجار المخدرات والعصابات التي خلّفتها “التسوية الأمنية” في حمص وريفها، عقب سيطرة النظام السوري عليها بالكامل في أيار 2018.

وبدأت المواجهات على خلفية مقتل محمد خليل الدريعي (أبو جنيد)، القيادي السابق في فصائل المعارضة بالمنطقة، وتصاعدت حدتها إثر مقتل عبد الرحمن طه خلال عملية استهداف الدريعي، ما أدخل عائلة “طه” على خط الاشتباكات.

يخيّم التوتر على شوارع تلبيسة، بينما لم تحاول سلطات النظام الأمنية التدخل لحل الأزمة حتى اليوم.

وشهدت تلبيسة سلسلة من الأعمال المسلحة والمواجهات العسكرية، وتحولت إلى ملجأ للمطلوبين للنظام بتهم سياسية وأمنية وحتى جنائية في بعض الحالات، بحسب مراسل عنب بلدي في المنطقة.

تلبيسة.. “الجبهة المتقدمة”

بين عامي 2013 و2018، شكّلت تلبيسة جبهة متقدمة خلال محاولات فصائل المعارضة السورية السيطرة على مدينة حمص.

وكانت تلبيسة منطلقًا لأي عملية عسكرية هدفت لفك الحصار عن أحياء حمص التي طوّقها النظام مبكرًا، وسيطر عليها عام 2014، وضمت المدينة “جيش التوحيد” الذي كان يعتبر أحد أكبر الفصائل المعارضة، وأكثرها عدة وعتادًا خلال تلك الفترة.

ومع دخول اتفاقية “خفض التصعيد” حيّز التنفيذ، بموجب اتفاقية “أستانة” الموقعة بين روسيا وتركيا وإيران، انتقلت طاولة المفاوضات الخاصة بالمنطقة إلى بلدة الدار الكبيرة، شمالي حمص.

وأفرزت القوى المسيطرة على المنطقة حينها مندوبين عن كل فصيل مسلح منها، لتشكيل “هيئة” لإدارة ملف التفاوض مع الروس والنظام في حمص.

وخلال عملية المفاوضات بين هيئة المعارضة في المنطقة والقوات الروسية، أثار مندوبو مدينة تلبيسة الجدل بشكل دائم، ليفاجئوا بقية اللجنة بالانسحاب من هيئة المفاوضات، ويعقدوا اتفاقًا منفردًا مع الجانب الروسي عن طريق مندوبهم في القاهرة.

الاتفاق الذي تفرّد به “جيش التوحيد” الممثل عن تلبيسة حينها، أفضى إلى سيطرة النظام على المنطقة، لكن طموح قيادة الفصيل العسكري بالحفاظ على مركزه في حمص تلاشى مع دخول النظام وروسيا إلى ريف حمص الشمالي، وانقسام “الجيش” إلى نصفين.

وبحسب معلومات حصلت عليها عنب بلدي من أحد العاملين السابقين في الفصيل العسكري، فإن دخول النظام إلى ريف حمص الشمالي كان لحظة فارقة بالنسبة لمقاتليه قبل أن يكون صادمًا للسكان.

وانشق قسم كبير من “جيش التوحيد” ملتحقًا بالقيادي السابق فيه سليمان أبو أحمد، بينما التحق قسم آخر بقوات “الدفاع الوطني”، فيما بقي بعض المقاتلين مع القائد العام للفصيل، منهل الصلوح، الذي توجه للعمل بتجارة المخدرات حتى اعتقاله من قبل النظام عام 2019، وإعلان مقتله تحت التعذيب بسجن “صيدنايا” ذائع الصيت، في العام الحالي.

خاصرة الريف الشمالي

مع بداية الحملة العسكرية لقوات النظام التي هدفت للضغط على بقية أعضاء هيئة التفاوض، ودفعهم لتسليم المدينة للقوات الروسية، تحولت تلبيسة إلى “مكسر عصا” في ريف حمص الشمالي، إذ أُجبر باقي أعضاء الوفد المفاوض (الممثل عن المعارضة) على الرضوخ للشروط الروسية دون أي نقاش، كون “جيش التوحيد” وافق على تسليم المدينة مسبقًا.

الرائد علي أيوب، قائد حركة “تحرير وطن” في ريف حمص الشمالي خلال سيطرة قوات المعارضة عليها، قال في حديث سابق لعنب بلدي، إن “جيش التوحيد” لطالما أثار الجدل في المنطقة، حيث منع تطبيق قرار “المحكمة الشرعية” بحق رافد طه، المتهم بمبايعته تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبقي يراوغ في جميع القرارات التي تخص الريف الشمالي للمحافظة بشكل عام.

وتابع أيوب أن سلوك “جيش التوحيد” كان أحد أسباب توجيه تهم بالخيانة لـ”الجيش” وقيادييه، بعد سيطرة النظام السوري على ريف حمص الشمالي بشكل كامل في أيار 2018.

التمرد على “التسوية”

بعد إخلاء فصائل المعارضة ريف حمص الشمالي، بقي “جيش التوحيد” وحيدًا متربعًا على ركام ما خلّفته المعارك في تلبيسة، وشكّل ذراعًا للقوات الروسية فيها.

ومع أن النظام بسط نفوذه على المنطقة بدعم روسي، بقيت تلبيسة خارج نطاق نفوذه الأمني فعليًا، إذ لم يتمكّن النظام حتى اليوم من دخول المنطقة، كما حدث مع مناطق “التسوية” الأخرى.

يوسف (34 عامًا)، وهو من سكان مدينة تلبيسة وعنصر سابق في “جيش التوحيد”، قال لعنب بلدي، إن المدينة بقيت ولا تزال خارج سيطرة قوات النظام بشكل كامل، “مع أن (جيش التوحيد) تعرض للخيانة من قبل الروس الذين سمحوا للنظام باعتقال قيادييه”.

وأضاف أن مقتل قادة فصيل “التوحيد” حوّل مقاتليه إلى مجموعات، سلكت كل واحدة منها طريقًا مختلفًا، منهم من عاد إلى عمله السابق كمدني، ومنهم من انضم للميليشيات المدعومة من إيران، وهناك مجموعات تعاملت مع مخابرات النظام و”حزب الله” اللبناني.

ومع اختلاف الطرق التي سلكتها هذه المجموعات، فإن ما يجمعها هو التخوف من عودة النظام إلى المنطقة.

مدينة تهريب المخدرات

مع تطور الأحداث عقب اتفاق “التسوية” بريف حمص الشمالي، تحولت المدينة إلى سوق لتجارة المخدرات والسلاح والممنوعات، وتعاملت المجموعات المتبقية مع فروع الأمن و”حزب الله” والميليشيات الإيرانية لتسهيل أعمالها فيها.

عامر (30 عامًا)، تحفظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية، وهو من سكان قرية الفرحانية الملاصقة لمدينة تلبيسة، قال لعنب بلدي، إن المدينة تنهشها تجارة المخدرات والفوضى منذ عام 2018.

وأضاف أن تجارة المخدرات استشرت في المدينة بتغطية من مخابرات النظام السوري، وانتشرت فيها حوادث القتل والخطف والسلب، وصار همّ شريحة واسعة من سكانها “جمع المال بأي طريقة”.

النظام لا يسعى للسيطرة

مع انتشار العصابات الصغيرة في شوارع المدينة، بقيت قوات النظام متمركزة على أطراف تلبيسة في المفارز الأمنية والحواجز، ولم تحرك ساكنًا تجاه ما يحصل فيها، كما أن بعض الحواجز الأمنية ونقاط التفتيش العسكرية التابعة للنظام انسحبت من محيطها، فيما ظهر على أنه ضوء أخضر لاستمرار هذه الأنشطة فيها، بحسب ما أفادت به مصادر محلية من سكان المنطقة.

عبد الله (28 عامًا)، تحفظ على اسمه الكامل لأسباب أمنية، وهو أحد سكان المدينة، قال لعنب بلدي، إن النظام يستطيع السيطرة على المدينة خلال يوم واحد فقط، في ظل حصر عمل المجموعات المسلحة فيها بالتهريب وتجارة الممنوعات.

ويرى عبد الله أن النظام يستفيد من هذه العمليات، ولا يريد وقفها على الأقل في الوقت الحالي، وهو يبقي تلبيسة خارج سيطرته، لتستطيع أفرعه الأمنية و”حزب الله” تجنيد مجموعات تعمل لمصلحتهما في تجارة المخدرات وترويجها.

ومنذ اللحظات الأولى لسيطرة النظام السوري على محافظة حمص، بدأت مكاتب التجنيد لمصلحة القوات الرديفة باستقطاب الشباب، فيما يروّج أعضاء “المصالحة” لفكرة “التسويات” للالتحاق بالخدمة الإلزامية.

وقامت دوريات الشرطة العسكرية بنصب الحواجز واعتقال المطلوبين للخدمة الإلزامية، ما دفع أعدادًا كبيرة من الشباب في الريف الشمالي إلى الالتحاق بقوات النظام طوعًا، على أمل عدم زجهم في جبهات القتال.

بدورها، فتحت الميليشيات المدعومة من إيران في حمص ذراعيها لاستقبال الشبان الفارين من الخدمة الإلزامية في قوات النظام، وأجرت لهم تدريبات عسكرية بسيطة، وزجّت بهم على جبهات القتال لحراسة مصالحها الاقتصادية.

شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في حمص عروة المنذر.

مقالات متعلقة

سوريا

المزيد من سوريا