“ليس لدي ما يخيفني، مات شباب جراء الحادث ولن أسكت حتى لا يضيع حقهم”، بهذه الكلمات يبدي الشاب عبد القادر دركوشي، أحد المصابين جرّاء انقلاب حافلة ترحيل للاجئين “غير القانونيين” في تركيا، إصراره على المضي قدمًا في قضية حقوقية على خلفية الحادثة.
في قاعة صغيرة بمنطقة تقسيم في مقر منظمة “IHD”، نهاية تشرين الثاني الماضي، روى الشابان عبد القادر دركوشي (24 عامًا) ومحمد إبراهيم (19 عامًا) تفاصيل الحادثة بصوتين مترددين يظهر عليهما أثر الصدمة، وبحضور ممثلين عن منظمات حقوقية تركية ووسائل إعلام، بالإضافة إلى ممثلين عن نقابة المحامين الأتراك.
وقال عبد القادر لعنب بلدي على هامش المؤتمر، بلهجته الإدلبية العامية وعلى يمين وجهه أثر الجرح الناتج عن الحادثة، “حتى في حال ما طلعلي شي بكفي ما يضيع حق الشباب اللي ماتوا”.
لجأ الشاب إلى تركيا قبل نحو ست سنوات، وحصل على بطاقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) من مدينة إزمير، لكنه اضطر للانتقال إلى اسطنبول، بسبب عدم توفر فرص العمل.
انتهاكات بـ”الجملة”
في 7 من تشرين الأول الماضي، وخلال نقل 45 شخصًا، بينهم 38 لاجئًا سوريًا، إلى إدارة الهجرة في ولاية ديار بكر، في سبيل ترحيلهم، انقلبت الحافلة التي تقلهم ما أدى إلى مقتل لاجئين سوريين وإصابة 36 آخرين، بعضهم بجروح خطرة.
وبحسب ما قاله الشابان خلال المؤتمر، كُبّلت أيادي اللاجئين قبل نقلهم إلى الحافلة، وأخبرهم عناصر من “الجندرما” التركية و”أمن” مركز الاحتجاز بأنهم لن يستطيعوا الحصول على الطعام والشراب أو النزول لقضاء الحاجة خلال الطريق الذي يستغرق حوالي 15 ساعة.
وتحدث الشابان عن سوء المعاملة والإهمال الطبي قبل وبعد نقلهم إلى المستشفى، ما جعل حالتهم الصحية تسوء.
وقال عبد القادر، “بعد عودتي إلى اسطنبول، أخبرني الأطباء أن الخياطة للجرح في وجهي كانت خاطئة، ما أسفر عن تشوه دائم بوجهي”.
“أجبرونا على الخروج من المستشفى قبل انتهاء علاجنا من أجل إغلاق القضية”، تابع الشاب الذي أصيب في يده اليمنى وبكسر في أضلاع الصدر ورضّ في ركبته، بالإضافة إلى الجرح في وجهه.
كما تعرض محمد إبراهيم لكسر في ساعد يده وخلع في الكتف، واضطر لإجراء عمليتين في يده.
من جهته، قال الناشط في قضايا حقوق اللاجئين والمسؤول عن تنظيم المؤتمر طه الغازي، لعنب بلدي، إن العديد من الانتهاكات ارتُكبت منذ لحظة القبض على اللاجئين، إذ مُنعوا من التواصل مع عائلاتهم.
كما انتُهكت حقوقهم بمنعهم من الحصول على احتياجاتهم الأساسية خلال الطريق إلى مركز الترحيل، بالإضافة إلى تركهم بعد إخراجهم من المستشفى في الطريق دون تقديم أي مساعدة لهم، وفق ما قاله الغازي.
وأضاف الغازي أن هناك انتهاكات فردية لحقوق اللاجئين، في إشارة إلى الإهمال الطبي الذي تعرض له الشاب عبد القادر.
محاولات للمحاسبة
يحاول عبد القادر رفع دعوى بشكل فردي بعد أن عرض أحد المحامين استعداده للتوكل عن الشاب، لكنه لم يستطع الحصول على “إذن سفر” حتى لحظة نشر هذا التقرير، ليستطيع تجهيز الأوراق اللازمة للدعوى.
وأضاف أن إصاباته جعلته عاجزًا عن العمل خلال هذه الفترة، وهو المعيل الوحيد لعائلته، مطالبًا بتعويض عن ذلك.
ولا تختلف حال محمد، الذي لن يستطيع العمل لمدة يمكن أن تطول لأشهر بسبب الإصابة، ما سيتركه وعائلته المقيمة في شمال غربي سوريا دون مصدر دخل.
الناشط في قضايا حقوق اللاجئين طه الغازي، قال إن العدالة تجاه القضية ستنقسم إلى قسمين، أولهما محاسبة المسؤولين عن ارتكاب الانتهاكات، وعلى رأسهم سائق الحافلة والشركة التي تدير حافلات الترحيل، بالإضافة إلى دائرة الهجرة التي خالفت قانون “الحماية المؤقتة”.
وأوضح الغازي أن القانون ينص على أن اللاجئ الذي يُعثر عليه في ولاية غير الولاية التي أصدر منها “الكملك” يُنقل إلى ولايته ولا يُرحّل إلى بلده.
والقسم الثاني تعويض الناجين من الحادثة بعد أن صار معظمهم عاجزين عن العمل، إلى جانب تعويض أسر الشابين اللذين فقدا حياتهما.
وبحسب الناشط الحقوقي، تكفل المحامون الأتراك الذي حضروا المؤتمر والمنظمات التركية ونقابة المحامين بمتابعة القضية، ودعم المتضررين لتحقيق العدالة.
وستتابع القضية بشكل أساسي من قبل منظمتي “ÖHD” و”İHD”.
الجانب السوري غائب
رغم توجيه الدعوة إلى وسائل الإعلام والجهات الفاعلة السورية، اقتصر الحضور على المنظمات التركية، ووسيلتي إعلام سوريتين.
ومنذ وقوع الحادث لم تتوجه الجهات الفاعلة السورية لمساندة الضحايا، وفق ما قاله الناشط الحقوقي طه الغاي، منتقدًا تغيّب السوريين وتغييب القضايا المشابهة من قبلهم.
وأثار هذا الغياب تساؤل الجهات التركية، باعتبار الحادثة “مأساوية” وتخص السوريين بالدرجة الأولى.
وأضاف الغازي أن جهود الجهات الفاعلة السورية تقتصر على القضايا الإدارية، لكنها تغيب عن حوادث القتل والانتهاكات المشابهة للحادثة.
ويرى الغازي أن عدم تدخل الجهات السورية بهذه القضايا يظهر السوريين، حتى الحاصلين على الجنسية التركية منهم، بصورة “ضعف”، محمّلًا مسؤولية تغيير هذه الصورة لجميع الجهات السورية القادرة على دعم السوريين في تركيا.
واقتصر موقف “الائتلاف الوطني السوري” و”اللجنة السورية- التركية المشتركة” على بيان تعزية.
وواجه السوريون خلال العامين الماضيين ارتفاعًا بحدة الخطاب العنصري، كما تعرّضوا لانتهاكات عديدة تفاوتت حدتها.
ويُحتجز السوريون قبل ترحيلهم في مراكز احتجاز “غير صحية” يواجهون فيها صعوبات عدة، منها نقص في الطعام والوصول إلى دورات المياه وغيرها، وتعرّض بعضهم في مراكز الترحيل للضرب بالركل أو بهراوات خشبية أو بلاستيكية، بحسب تقرير صادر عن منظمة “هيومن رايتس ووتش” في تشرين الأول الماضي.
وأضاف التقرير، نقلًا عن سوريين مرحّلين، أن المسؤولين الأتراك اعتقلوهم من منازلهم وأماكن عملهم وفي الشوارع، واحتجزوهم في ظروف سيئة.
وأُجبر نحو 16 ألفًا و173 شخصًا على العودة إلى سوريا عبر معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا منذ مطلع العام الحالي وحتى نهاية تشرين الأول الماضي، من غير العائدين عبر المعابر الأخرى، بحسب ما أحصته عنب بلدي.
–