تزداد حدة أزمة المحروقات في مناطق سيطرة النظام السوري منذ أكثر من شهر، رغم وعود حكومية بتحسين الواقع لم تفلح حتى الآن، وفي ظل قرار إيراني برفع كميات الواردات النفطية الخام للنظام السوري إلى ثلاثة ملايين برميل شهريًا، بدلًا من مليونين.
ووسط غياب الإجراءات الحقيقية لتخفيف وطأة الأزمة على المواطنين، اتخذت بعض الإجراءات “التجميلية”، أحدثها قرار صادر عن رئيس “مجلس الشعب”، حمودة صباغ، يقضي بتخفيض الكميات المخصصة حاليًا من مادتي المازوت والبنزين للسيارات السياحية العائدة للمجلس بنسبة 40%.
وسيشمل القرار كلًا من السيارات “المخصصة والخدمة” التابعة لـ”مجلس الشعب” عدا سيارات النقل الجماعي (المبيت).
وقبل يوم واحد، أصدر رئيس حكومة النظام، حسين عرنوس، أيضًا قرارًا يقضي بتخفيض الكميات المخصصة من مادتي البنزين والمازوت للسيارات السياحية الحكومية “مخصصة وخدمة” بنسبة 40%، وذلك حتى نهاية العام الحالي.
وبحسب ما رصدته عنب بلدي، لا تصل رسائل تسلّم البنزين “المدعوم” إلا كل 15 يومًا على الأقل، وبكمية محددة بـ20 ليترًا فقط، ما يجبر المواطنين على شراء البنزين بسعر “حر” يصل لنحو 7500 ليرة سورية لليتر الواحد، في حين يحدد سعر “المدعوم” منه بـ2500 ليرة.
بينما وصلت مدة انتظار تسلّم جرة الغاز إلى أكثر من 100 يوم، وسط وصول سعرها “الحر” لأكثر من 200 ألف ليرة.
كما وصلت نسبة توزيع مازوت التدفئة لنحو 40% في عموم المحافظات الواقعة تحت سيطرة النظام.
ترافقت أزمة المحروقات أيضًا كما يحدث مع كل أزمة نقص، بانخفاض الكميات المسلّمة لوسائل النقل، ما خلق أزمة نقل جديدة في العديد من المحافظات الكبيرة منها العاصمة دمشق.
كما تأثر قطاع الاتصالات بنقص المحروقات أيضًا، إذ أعلنت “الشركة السورية للاتصالات” خروج عدد من مراكزها الهاتفية عن الخدمة، بسبب “صعوبة” تأمين الوقود اللازم لعمل المولدات الكهربائية الضرورية لتأمين استمرارية تشغيل هذه المراكز خلال فترات تقنين التيار الكهربائي، بحسب بيان صادر عنها الثلاثاء 29 من تشرين الثاني.
ويضاف إلى جملة الأزمات السابقة، ارتفاع ساعات التقنين الكهربائي ووصولها لمستويات غير مسبوقة، إذ وصلت بالعاصمة دمشق في بعض الأيام إلى 20 ساعة قطع يقابلها ساعتا وصل على فترات متقطعة.
وعادة ما تلجأ حكومة النظام في هذه الحالة إلى رفع أسعار المحروقات، بحجة “ضمان توفرها، وارتفاع تكاليف استيرادها”.
الوزارة تبرر
وزير النفط في حكومة النظام السوري، بسام طعمة، برر سوء واقع المحروقات مؤخرًا باعتماد الحكومة على التوريدات (التي تحكمها ظروف دولية وبيئية) بنسبة كبيرة، موضحًا أن الأزمة مستمرة منذ نحو 50 يومًا.
وأضاف طعمة في لقاء مع “التلفزيون الرسمي” اليوم، الأربعاء 30 من تشرين الثاني، أن انفراج الأزمة يرتبط بانتظام التوريدات فقط، دون أن يؤكد أن ذلك سيكون قريبًا.
ولا تملك الوزارة، بحسب طعمة، أي كفاية من المحروقات إلى حد يسمح لها بتكوين مخزون استراتيجي، بحيث تلبي فيه انقطاعات المادة الطويلة، لكون أكبر الناقلات التي تصل تكفي لأيام فقط، ولا تسمح بتأمين مخزون منها.
بدوره، نفى وزير التجارة الداخلية وحماية المستهلك، عمرو سالم، في تصريح لصحيفة “تشرين” المحلية، وجود أي نية لرفع أسعار المازوت أو المحروقات بشكل عام “لا في الوزارة ولا حتى في اللجنة الاقتصادية”، بحسب تعبيره.
رفع الأسعار مشروط برفع الدخل
الصحفي السوري والمختص بالشأن الاقتصادي عدنان عبد الرزاق، قال في حديث إلى عنب بلدي، إن أزمة المحروقات قد تكون ناتجة عن عدة أسباب، أبرزها توفر المحروقات بكثرة في “السوق الحرة”، بسبب عمل “تجار الحرب” الذين يعملون في المخدرات والتهريب وغيرهما في قطاع المحروقات أيضًا، فيذهب جزء قليل من وارداتهم إلى القطاع الحكومي، بينما يباع الجزء الأكبر عبر “البسطات الحرة”.
وأكد عبد الرزاق أن الحكومة شريكة بتوفره بالسعر “الحر” وغيابه “رسميًا”، بسبب عدم ممارستها الرقابة على هذا القطاع.
وفي 10 من تشرين الثاني الحالي، رفعت إيران كميات النفط الخام المورد إلى النظام السوري وفق آلية “الخط الائتماني الإيراني”، من مليونين إلى ثلاثة ملايين برميل شهريًا، بحسب ما نقلته صحيفة “الوطن” المحلية عن مصادر إيرانية.
وفي هذا السياق، يعتقد الصحفي عدنان عبد الرزاق، أن إيران لم تفِ حتى الآن بهذه الوعود، ربما بسبب عدم امتلاك النظام سيولة مالية لتسديد سعر النفط الخام.
وحول رفع سعر المحروقات لـ”ضمان توفرها”، الأمر الذي تكرره حكومة النظام على أنه وراء قرار رفع الأسعار، يرى عبد الرزاق أنه قبل أن تفكر الحكومة في رفع الأسعار، عليها أن تفكر بقيمة الدخل الشهري للمواطنين أيضًا.
وأضاف عبد الرزاق أن من الأفضل تأمين السلع للمستهلكين بشكل عام حتى لو كانت بأسعار مرتفعة، لكن هذا الشرط منقوص لأن طرفه الآخر يشترط تحسين دخل المستهلك، وإلا إن كانت الأسعار مرتفعة ومتوفرة “فمن أين للمواطنين أن يقتنوها”، بحسب تعبيره.
–