انتقل “جيش التوحيد” من كونه أكبر فصيل معارض للنظام في ريف حمص، إلى مجموعة تابعة للروس، بعد “تسوية” عام 2018، ثم تفكك شيئًا فشيئًا إلى أفراد مشتتين، خاصة بعد اعتقال قائد الفصيل، منهل الضحيك، على يد النظام السوري عام 2019.
وأقيمت صلاة الغائب على الضحيك بعد ورود أنباء عن مقتله تحت التعذيب في سجن “صيدنايا”، في أيلول الماضي.
وقُتل، الاثنين 28 من تشرين الثاني، قياديان سابقان في المعارضة برصاص مجهولين، أحدهما كان يعتبر قياديًا بارزًا في “جيش التوحيد”، ثم انتقل كلاهما للعمل في تجارة المخدرات بحمص عقب “التسوية” كمجموعات مقربة من قوات النظام السوري.
ويُعرف عن القتيلين أنهما من قياديي الصف الثاني في “جيش التوحيد”، وهما ليسا الوحيدين اللذين قُتلا هنا أو هناك، ما يعكس نجاح الروس والنظام السوري في تفكيكه، وتحويل قيادييه إلى مسارات جديدة غير العمل العسكري.
قبل انخراط “جيش التوحيد” أو أفراد منه في العمل لمصلحة النظام السوري، مر بمجموعة من المتغيرات التي طرأت على مجموعته بدءًا من “كتائب الفاروق” وحتى “حركة حزم” ثم “التوحيد”.
كتائب “الفاروق” في حمص
مطلع عام 2012، انتقل الحراك المعارض السوري إلى العمل المسلح، وشُكّلت مجموعات مسلحة معارضة حملت راية “الجيش السوري الحر” كان أبرزها “كتائب الفاروق” التي لمع نجمها في المنطقة الوسطى من سوريا حينها.
“كتيبة الفاروق” في تلبيسة، كان قائدها ومؤسسها تامر الضحيك الملقب بـ”أبو حاتم”، وتصدّرت العمل العسكري في المدينة ومحيطها عام 2012، أعلنت عن استقلالها عن “كتائب الفاروق” وحملت اسم “لواء الإيمان بالله” الذي صار لاحقًا النواة الرئيسة لـ”جيش التوحيد”.
وفي حزيران 2012، تمكنت “كتائب الفاروق” من السيطرة على كتيبة الدفاع الجوي بالقرب من قرية الغنطو غرب مدينة تلبيسة، وكانت تضم مستودعات تحوي كميات كبيرة من السلاح الذي شكّل مصدر التسليح الأول لـ”جيش التوحيد”.
ومع سيطرة المعارضة على ريف حمص الشمالي في العام نفسه، وفي بداية تشرين الثاني، أعلن الضحيك عن تشكيل “لواء الإيمان بالله” الذي بسط سيطرته على مدينة تلبيسة وما حولها.
وفي أواخر عام 2013، شهدت الخارطة الميدانية السورية بداية نهاية “كتائب الفاروق” في سوريا، عندما انشقت مجموعات “الفاروق الإسلامي” عنها معلنة بيعتها لتنظيم “الدولة الإسلامية”، بينما فضّلت مجموعات “فاروق حماة” و”فاروق حمص” البقاء تحت مظلة “الجيش الحر” معلنة انخراطها في “حركة حزم” التي كانت تعتبر أحد أبرز الفصائل المدعومة أمريكيًا في سوريا حينها.
تحول باتجاه “حزم”
بعد تشكيل “لواء الإيمان بالله”، بدأ عملياته العسكرية مع بقية فصائل المعارضة بمعارك السيطرة على بقية قرى وبلدات ريف حمص الشمالي، مثل الغصبية وجنان وقرية أم شرشوح والدوير الملاصقة لمدينة حمص.
وشكّل “اللواء” عاملًا مهمًا في حسم أي معركة تُفتح في جبهات حمص، لامتلاكه أكبر كمية من السلاح الثقيل في المنطقة، التي سبق أن استولى عليها من كتيبة الدفاع الجوي في الغنطو.
وبعد إعلان تشكيل “حركة حزم” التي حظيت بدعم أمريكي، تسلّم “أبو حاتم الضحيك” قيادة القطاع الجنوبي، واتخذ من مدينة تلبيسة مقرًا لعملياته، وشرع بعمل عسكري استهدف معسكر “ملوك” جنوب تلبيسة لكسر الحصار عن حمص.
وكانت مجموعة من أحياء حمص تشهد حصارًا خانقًا من قبل النظام السوري، وفشلت فصائل المعارضة حينها بفك الحصار عن المنطقة بعد سلسلة معارك أطلقتها حملت أبرزها اسم “معركة قادمون”.
العملية التي أطلقها الضحيك فشلت كما سابقاتها، ما أثار النقمة عليه بين فصائل الريف والمدينة المحاصرة على حد سواء.
تشكيل “جيش التوحيد”
في 17 من أيلول 2014، استهدفت طائرة حربية سورية مدينة تلبيسة بـ17 غارة جوية، قتل إثرها 38 شخصًا بينهم أطفال ونساء، وكان من بينهم “أبو حاتم الضحيك” وأفراد من أسرته وقياديون في فصيله، لتنتهي حقبة الضحيك ويفسح المجال أمام قيادات الصف الثاني لقيادة الفصيل.
عقب ذلك، تسلّم منهل الضحيك الملقب بـ”الصلوح” قيادة “حركة حزم” التي انتهى وجودها في ريف حمص الشمالي بعد سيطرة “جبهة النصرة” (“هيئة تحرير الشام” اليوم) على عتادها في الشمال السوري.
دفع ذلك “الصلوح” لاستقطاب بقية فصائل مدينة تلبيسة وبعض الفصائل في ريف حمص الشمالي، معلنًا عن تشكيل “جيش التوحيد” وذلك في 6 من أيار من عام 2015.
الرائد على أيوب قائد حركة “تحرير وطن” في ريف حمص الشمالي خلال سيطرة قوات المعارضة عليها، قال لعنب بلدي، إن “جيش التوحيد” لطالما أثار الجدل في المنطقة، حيث منع تطبيق قرار “المحكمة الشرعية” على رافد طه المتهم بمبايعته تنظيم “الدولة الإسلامية”، وبقي يراوغ في جميع القرارات التي تخص الريف الشمالي للمحافظة بشكل عام.
واعتمد “جيش التوحيد” على مجموعة من الإعلاميين الذين عملوا على “تلميع صورته وصور قادته” داخل مدينة تلبيسة لضمان ولاء المدينة له، بحسب الرائد.
باسل عز الدين كان يعمل مراسلًا لوكالة “قاسيون” في حمص قبل عام 2018، قال لعنب بلدي، إن “التوحيد” حشد من حوله كادرًا إعلاميًا واسعًا، وأوكل له مهمة الترويج لـ”الجيش” ودعم سياساته وقراراته، وضمان استمرار ولاء الحاضنة الشعبية له.
وهو ما كان السبب الرئيس لتوجيه تهم بالخيانة لـ”الجيش” وقيادييه بعد سيطرة النظام السوري على ريف حمص الشمالي بشكل كامل في أيار 2018.
إلى حضن الروس
مع بدء مسار المفاوضات في “أستانة” وجلوس الفصائل العسكرية على طاولة المفاوضات هناك، بدأت اتفاقية “خفض التصعيد” تلوح في الأفق، ونُقلت طاولة المفاوضات في ملف ريف حمص الشمالي إلى بلدة “الدار الكبيرة” على المتحلق الغربي في مدينة حمص، وشُكّلت “هيئة المفاوضات” من مدنيين ووجهاء وعسكريين من جميع الفصائل.
الرائد علي أيوب، الذي كان ضمن الوفد المفاوض حينها، قال لعنب بلدي، إن “جيش التوحيد” حافظ على موقف متذبذب تجاه بقية الفصائل في ريف حمص الشمالي طوال فترة المفاوضات.
وأضاف أن “الصلوح” فاجأ “هيئة المفاوضات” في آذار 2018، أي قبل شهرين من فرض اتفاق “التسوية” في ريف حمص الشمالي، بالانسحاب منها والتوقيع بشكل منفرد على اتفاقية مع الروس في القاهرة، عن طريق ممثله عبد السلام النجيب.
وما إن بدأت الحملة العسكرية من جانب النظام وروسيا على مدن وبلدات ريف حمص الشمالي، في أيار 2018، حتى أعلن “جيش التوحيد” قبوله باتفاق “تسوية” مع النظام بضمانات روسية ممهدًا لبقائه في المنطقة كذراع لروسيا فيها، بحسب الرائد علي أيوب.
وأشار الرائد إلى حديث سابق جرى بينه وبين قائد “الجيش”، منهل الضحيك، في آخر لقاء جمعهما، عبّر الضحيك خلاله عن عدم خوفه من النظام السوري بسبب الدعم الأمني الذي يتلقاه من روسيا.
الثورة والمخدرات
مع انتهاء المعارك وسيطرة النظام على ريف حمص الشمالي، رفض قادة وعناصر “جيش التوحيد” الخروج إلى الشمال السوري، وفضّلوا البقاء تحت العباءة الروسية في حمص، لكن سرعان ما تورط قائده بتجارة المخدرات، للحصول على تمويل يبقي الفصيل على قيد الحياة، بحسب ما قالته جميع المصادر الذين تواصلت معها عنب بلدي.
أحد مقاتلي “جيش التوحيد” والذي لا يزال في مدينة تلبيسة، تحفظ على اسمه لأسباب أمنية، قال لعنب بلدي، إن الفصيل فقد جميع موارده عقب سيطرة قوات النظام على المنطقة، ما دفع قادته للتوجه إلى تجارة المخدرات للحصول على الأموال، للمحافظة على استمرارية الفصيل.
وأضاف المقاتل أن “الصلوح” اعتقل بالمرة الأولى في آذار 2019 تحت جسر مدينة تلبيسة من قبل ميليشيات موالية لإيران، ليسارع الروس إلى إخراجه خوفًا من التوتر الذي خلّفته حالة الاعتقال.
مع مرور الوقت، بدأ عناصر “الجيش” بالانسلاخ عنه، والانضمام للميليشيات الموالية لإيران المنتشرة بكثرة في المنطقة بحثًا عن المال، وفضّل آخرون الانضمام إلى الخدمة العسكرية، مع زيادة تورط قادة “الجيش” بتجارة المخدرات.
بينما كانت عملية الاعتقال الثانية لمنهل الصلوح من قبل النظام على طريق حلب في تموز 2019، بعد تحميل سيارته بالمخدرات، ولم يتدخل الروس حينها حتى أُبلغت عائلته بأنه توفي في سجن “صيدنايا” ذائع الصيت.
بعد اعتقال الصلوح، بدأ “الجيش” بالتفكك أكثر فأكثر بخروج عدد كبير من عناصره للقتال إلى جانب الروس في ليبيا، وهروب عدد كبير منهم إلى لبنان.
ومع طول فترة اعتقال الصلوح، اندثر “الجيش” ولم يعد له وجود، وإنما تحول إلى بعض المجموعات التي تتحصن في المدينة والتي تنشط في تجارة المخدرات وتصريف العملات (غير قانونية)، إضافة إلى عمليات تهريب وتجارة الأدوات الإلكترونية المهرّبة كالهواتف المحمولة.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي بحمص عروة المنذر
–