“أعمل في بيع العطور منذ صغري، بجانب دراستي، لذلك كانت أول مهنة أختارها إلى جانب عملي لزيادة مدخولي المادي”، بهذه الكلمات وصف محمد دلال (32 عامًا) لعنب بلدي حال عمله في بيع العطور إلى جانب بيع الألبسة في محله بولاية كوجالي بتركيا.
ويعمل العديد من السوريين بمهن جانبية إلى جانب أعمالهم، سواء أكانت أعمالًا حرة أو كعمال وموظفين لدى أشخاص آخرين، لزيادة دخلهم المادي في ظل التضخم الاقتصادي في تركيا وارتفاع الأسعار مقارنة بالدخل.
ومع ارتفاع معدل التضخم بشكل شهري، يعد المسؤولون الأتراك بزيادة الحد الأدنى للأجور نهاية العام الحالي، بشكل يتناسب مع غلاء أسعار المواد، وإيجارات المنازل.
وفي 11 من تشرين الثاني الحالي، قال وزير العمل والضمان الاجتماعي التركي، فيدات بيلجين، إن “الهدف الرئيس لسياسات الأجور هو إجراء تدخلات لمنع الانهيار في قيمتها”، مؤكدًا تطبيق الحد الأدنى للأجور المناسب للقضاء على تأثير التضخم الذي يقلل من قيمة المعاشات.
وذكر بيلجين أن اجتماع لجنة تحديد الحد الأدنى للأجور سيكون في الأسبوع الأول من كانون الأول المقبل.
وكان الحد الأدنى للأجور قد ازداد في تموز الماضي بنسبة 30% من قيمة الحد السابق، ليرتفع من أربعة آلاف و250 ليرة تركية إلى خمسة آلاف و500 ليرة، فيما وصل معدل التضخم على أساس سنوي خلال تشرين الأول الماضي إلى 85.51%.
مهنة لا تكفي صاحبها
أوضح محمد دلال، أحد أصحاب محال بيع الألبسة والذي يبيع ويركّب أصنافًا من العطور في محله، أن بيع العطور الجاهزة ليس صعبًا، وإنما تكمن الصعوبة بتعلم المهنة واكتساب الخبرة على مدار السنوات لتلبية طلب الزبائن عند عرضهم لرائحة عطر يرغبونها.
وعلى الرغم من أرباح العطور الجيدة، فإن معظم الذين يبيعون هذه المادة يعتمدون عليها إلى جانب بضائع أخرى.
وحول أسباب هذا النمط قال محمد، “في سوريا كانت توجد محال خاصة ببيع العطور لكثرة الزبائن، في حين أن عدد السوريين المستهلكين الأساسيين للمنتج في الولايات التركية محدود، ولا يكفي لتغطية مصاريف المحل”.
وأشار محمد إلى أن أي محل سوري في تركيا يحتاج إلى تنويع موارده ومنتجاته لزيادة عدد زبائنه ودخله الشهري حتى يستطيع تأمين المتطلبات الحياتية.
محمد الذي يعمل بالمهنة منذ نحو عشرة أعوام، أوضح أنه على الرغم من شهرة أنواع العطور الفرنسية “الفاخرة”، توجد عدة درجات تختلف في جودتها للعطر الفرنسي، في حين يعتبر العطر الصيني من أردأ الأنواع.
وتلتزم الشركات الكبرى المستوردة للعطور بتحديد بلد المنشأ، لكن بحسب خبرة محمد، لا تتعلق عطور التعبئة بالنسبة لجودة العطور بمنشأ المورد بقدر جودة المكوّنات التي تستوردها الشركات في تركيب عطورها، موضحًا أن شركات العطور متعددة، لكن أغلب موردي المكوّنات الأساسية لتركيب العطور فرنسيون.
وبالنسبة لأسعار مستخلص العطور (أصنص)، تتراوح بحسب الشركات الموردة واختلاف العطور وجودتها بين 20 و150 دولارًا للكيلوغرام.
يعمل محمد عوفي (30 عامًا) في بيع وتركيب العطور أيضًا، لزيادة دخله الرئيس الناتج عن عمله كموظف في أحد معامل الخشب باسطنبول.
وقال محمد عوفي لعنب بلدي، إنه اختار هذه المهنة لمحبته لها سابقًا من جهة، ولأنه يمكن العمل بها من المنزل إلى جانب وظيفته من جهة أخرى، كما أن العمل بالعطور غير مجهد وممتع بالنسبة له، ويوجد فيه جانب إبداعي يتعلق بتركيب أنواع وروائح جديدة يتميز بها عن غيره.
وحول مصادر زبائنه، أجاب محمد أنه استفاد من علاقاته العديدة المختلفة بين السوريين والأتراك، وأن إتقانه العمل وطريقة تعامله “السمحة” مع المشتري جلبت له زبائن آخرين.
ويواجه محمد صعوبة في تخصيص وقت كافٍ لتسويق عطوره، بسبب عمله الرئيس الذي تصل مدته إلى عشر ساعات يوميًا.
ومما يغلب مشاهدته عند الحلاقين السوريين دون نظرائهم من الأتراك، تخصيص قسم لتركيب وبيع العطور في المحل، ومحمود شيخ البساتنة (35 عامًا) أحدهم، حيث أوضح أنه توجه لبيع العطور بحسب طلب زبائنه.
وحول بلد منشأ العطور التي يبيعها، قال محمود، إن أصل عطوره إسباني وبريطاني، وهي ذات جودة جيدة، في حين أنه يضيف مواد مثبتة وكحولًا لـ”أصنص” العطر.
ما أثر التضخم؟
سبقت موجة التضخم العالمي حالة الركود التي سببتها جائحة فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، التي أثرت على معظم التجارات سلبيًا بسبب فترة الإغلاق الصحي التي رافقتها، ما نتج عنه انخفاض في مبيعات العطور وغلاء في مكوّناتها.
وبعد الانتعاش الاقتصادي العالمي، جاء الغزو الروسي لأوكرانيا ومعه التضخم الاقتصادي الذي تفاوت بين البلدان، وفي تركيا أدت نسب التضخم العالية إلى انخفاض مبيعات العطور أو انخفاض أرباح بائعيها.
واستغنى العديد من زبائن محمد عوفي عن شراء العطور لاعتبارهم أن العطر من “الكماليات”، وحاجتهم لشراء الأساسيات فقط في ظل الأزمة الاقتصادية المرافقة للتضخم.
في حين أن محمد دلال اختار أن ينقص من نسبة أرباح بيع العطور مع المحافظة على سعر المنتج كما هو، تجنبًا لخسارة زبائنه.
واتّبع الحلاق محمود شيخ البساتنة “تكتيك” العروض التخفيضية لجذب الزبائن الذين تأثروا بالتضخم المالي وارتفاع أسعار المواد، ومن بينها العطور، فبات يبيع ثلاثة أصناف من العطور بسعر اثنين.
ووسط زيادة معدلات التضخم، وانخفاض قيمة الليرة، تشهد الأسواق التركية ارتفاعًا في المستوى العام للأسعار، بالإضافة إلى غلاء المحروقات وأجور المواصلات والمنازل.
وأثّر انخفاض قيمة العملة التركية على المستوى المعيشي للمواطنين الأتراك والسوريين في تركيا.
وفي 5 من أيلول الماضي، نشرت وكالة تخطيط اسطنبول (İPA) في بلدية اسطنبول الكبرى (İBB)، تقريرًا أوضحت فيه زيادة تكلفة المعيشة لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد في مدينة اسطنبول، إذ بلغ متوسط التكلفة نحو 23 ألفًا و586 ليرة شهريًا.
وفي 9 من حزيران الماضي، أصدرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR) تقريرها السنوي لعام 2021، ذكرت فيه أن أكثر من 70% من اللاجئين السوريين يعيشون في فقر، وهم معرضون للاستغلال وسوء المعاملة في بلدان اللجوء.
وبلغ عدد السوريين في تركيا المسجلين ضمن “الحماية المؤقتة” ثلاثة ملايين و585 ألفًا و447 لاجئًا سوريًا، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 17 من تشرين الثاني الحالي.
–