غيث حمّور
“التعفيش” كلمة يعرفها المجتمع السوري، انطلقت مع انطلاق الثورة السورية في 2011، حيث دأبت قوات النظام والميليشيات المحلية والأجنبية الموالية لها على سرقة محتويات المنازل والمحال، خاصة الأثاث، والمواد الكهربائية والإلكترونية، في كل منطقة تدخلها، ليبدأ هذا المصطلح بالتداول بكثرة في الأوساط المحلية، حتى وصل الأمر لوصف جيش النظام، بجيش “التعفيش” أو جيش أبو شحاطة، بعدما انتشرت مئات الصور ترصد هؤلاء العناصر وهم يسرقون وينهبون من كل حدب ووصب، كما وصل الأمر لوصف رأس النظام بـ”المعفّش” الأول، وأيضاً انتشر وسم “#حرامي_الغسالات” في إشارة لسرقة الغسالات من المنازل.
ومع هدوء المعارك بين النظام والمعارضة، وتوقف دخول قوات النظام والميليشيات إلى مناطق جديدة، بعد الاتفاقيات الدولية خاصة بين روسيا وتركيا، وبعد أن أعادت قوات النظام السيطرة على مساحات كبيرة من الجغرافيا السورية خاصة في ريف دمشق وحمص وحماة وإدلب ودير الزور والرقة ودرعا، وبعد ما أجرت “تعفيش” كل الممتلكات الخاصة والعامة، لم تتوقف سلوكيات هذه القوات والميليشيات، بل تطورت، وتحوّل نمطها، وتغيّرت مع تغيّر الوضع على الأرض.
فبعد فراغ البيوت والمحال من محتوياتها من تلفزيونات وغسالات وبرادات وأفران وغرف نوم وغرف جلوس ومكاتب وكمبيوترات وكراسي وطاولات وجرات غاز وغيرها، انتقل “المعفّشون” إلى سرقة أشياء جديدة من المدن والبلدات والقرى المهدمة والتي لم يعد أصحابها إليها، بدأت بالأبواب والنوافذ، وامتدت لتمديدات الصحية والكهرباء، ووصلت إلى تجهيزات الحمامات والمطابخ، ولم تنته بسحب الحديد من أساسات الأبنية.
يعتبر بعض المتابعين والمحللين الأمر انتقامًا من المدنيين الذين خرجوا ضد النظام، ومحاولة لجعل عودتهم إلى منازلهم أصعب، وسعيًا لجعل العودة مستحيلة بالنسبة لهم، بالتزامن مع الإعلانات المستمرة للنظام والتي تدعو المدنيين إلى العودة إلى مناطقهم ومنازلهم والتي أصبحت آمنة، على حد تعبيره.
ولكن في الحقيقة، الأمر أبعد من ذلك، وإن كان جزء منه بغرض الانتقام، فإن “المعفيشن” يسرقون وينهبون كل المنازل والمحال دون تمييز، سواء كانت هذه العقارات للمعارضين أو لموالين، ولا يعنيهم من هو صاحب العقار، ولا يعرفون ولا يريدون أن يعرفوا من هو صاحب العقار، وذلك لكي “يعفّشون” دون مساءلة، وضمان فكرة “الإنكار”، فإن كان أحد العقارات ملكًا لأحد الموالين للنظام والواصلين في الدولة، يكون الجواب ببساطة “لم نعلم أنه لك!”.
ببساطة، الهدف الأول لعمليات “التعفيش” الجديدة والقديمة على حد سواء هو “الترزق”، فهذه القوات والميليشيات اعتادت أن تحصل على دخلها من السرقة والنهب إضافة إلى الراتب المتواضع الذي تتلقاه من النظام، واعتادت نمط حياة معين، ولن تعود ببساطة إلى المعيشة على الراتب فقط.
دخول معظم هؤلاء ضمن قوات النظام والميليشيات الموالية لها كان هدفه الأساسي “التعفيش”، للحصول على أموال إضافية دون محاسبة، فهم الدولة! ولا يوجد بطبيعة الحال من يحاسبهم. بالعكس، من يجب أن يحاسبهم هو من قام بتجنيدهم على أساس “التعفيش” و”الاسترزاق”، وهو من دفعهم لهذه السلوكيات، وشجعهم عليها.