منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في 24 من شباط الماضي، عمل الحلفاء على تزويد كييف بالأسلحة والمعدات العسكرية، لمساعدة البلاد في مواجهة موسكو، ما أدى إلى استنفاد مخزوناتهم الخاصة.
بالمقابل، ازدادت صناعة الأسلحة في أوروبا الشرقية، متمثلة في إنتاج البنادق وقذائف المدفعية والإمدادات العسكرية الأخرى بوتيرة غير مسبوقة منذ الحرب الباردة (1947- 1953).
وقدم الصراع فرصًا جديدة لصناعة الأسلحة في المنطقة، وفقًا لـ12 مسؤولًا حكوميًا وشركات صناعة دفاعية، تحدثوا لوكالة “رويترز“.
كانت الولايات المتحدة وبريطانيا الداعم الأكبر بالمساعدات العسكرية المباشرة لأوكرانيا، واحتلت بولندا المركز الثالث، بينما جاءت جمهورية التشيك في المركز التاسع، وفقًا لمعهد “كييل” لتتبع الاقتصاد العالمي.
ولا تزال بعض دول حلف “وارسو” السابقة التي تضم سبع جمهوريات اشتراكية من أوروبا الشرقية، حذرة من روسيا التي تجمعها معها معاهدة أمن مشترك، وترى أن مساعدة أوكرانيا مسألة تتعلق بالأمن الإقليمي.
الاستثمار في الموت
بعد الهجوم الروسي مباشرة، بدأت بعض جيوش أوروبا الشرقية إفراغ مستودعاتها من الأسلحة والذخيرة، التي تعود إلى الحقبة السوفييتية، وكان الأوكرانيون على دراية بها.
ومع تضاؤل هذه المخزونات، عزز صانعو الأسلحة إنتاج كل من المعدات القديمة والحديثة للحفاظ على تدفق الإمدادات، التي ساعدت أوكرانيا على التصدي للقوات الروسية واستعادة بعض الأراضي التي استحوذوا عليها سابقًا.
تخطط مجموعة الأسلحة البولندية القابضة (PGZ) لاستثمار ما يصل إلى 1.8 مليار دولار أمريكي على مدى العقد المقبل، أي أكثر من ضعف هدفها قبل الغزو.
وبحسب الرئيس التنفيذي للشركة المملوكة للدولة، سيباستيان تشوالك، يشمل الاستثمار منشآت جديدة تقع على مسافة أبعد من الحدود مع بيلاروسيا الحليفة لروسيا لأسباب أمنية.
واعتبر تشوالك أن “هناك فرصة حقيقية لدخول أسواق جديدة وزيادة عائدات الصادرات في السنوات المقبلة، بهدف زيادة الإنفاق في مجال ميزانيات الدفاع، بالنظر إلى حقائق الحرب الجارية”.
وقال إن الشركة ستنتج الآن ألف نظام دفاع جوي محمول من طراز “Piorun” في 2023، وسيعطى بعضها لأوكرانيا، مقارنة بـ600 نظام أُنتج في 2022، و300 إلى 350 في السنوات السابقة.
تعد الشركة البولندية أكبر مؤسسة أنشأتها الحكومة لتوحيد شركات الصناعات الدفاعية، وتسيطر على أكثر من 50 شركة تصنع الأسلحة والذخيرة من ناقلات مدرعة إلى أنظمة جوية متقدمة.
وسلمت المجموعة لأوكرانيا أنظمة مدفعية وقذائف هاون ومدافع “هاوتزر” وسترات واقية من الرصاص وأسلحة صغيرة وذخيرة، وفقًا لتشوالك.
وتعمل الشركات المصنعة الأخرى في كل من سلوفاكيا وجمهورية التشيك على زيادة الطاقة الإنتاجية، والتسابق على توظيف عمال جدد، وفقًا لمسؤولين حكوميين فيها تحدثوا لوكالة “رويترز“.
فرصة القرن
يعود تاريخ صناعة الأسلحة في أوروبا الشرقية إلى القرن الـ19، عندما بدأ المهندس الميكانيكي والسياسي التشيكي إميل سكودا، صاحب علامة “سكودا”، بتصنيع الأسلحة للإمبراطورية النمساوية المجرية.
ودفع انهيار الاتحاد السوفييتي عام 1991 وتوسع “الناتو” في المنطقة شركات السلاح إلى التحديث، لكن “لا يزال بإمكانهم إنتاج أشياء مثل الذخيرة التي تناسب الأنظمة السوفييتية”، وفقًا للباحث في معهد “ستوكهولم الدولي لأبحاث السلام” سيمون ويزمان.
حصلت أوكرانيا على أسلحة ومعدات من خلال تبرعات وعقود تجارية مباشرة بين كييف والشركات المصنعة، تضمنت طلقات مدفعية من عيارات “شرقية” مثل قذائف “هاوتزر” عيار 152 ملم وصواريخ 122 ملم لم تنتجها شركات غربية.
وكانت التشيك أرسلت ما يقرب من 2.1 مليار دولار أمريكي من الأسلحة والمعدات من شركات تشيكية، حوالي 95% منها كانت شحنات تجارية، بحسب نائب وزير الدفاع التشيكي، توماس كوبيشني.
وأكد كوبيشني أن صادرات الأسلحة التشيكية هذا العام ستكون الأعلى منذ 1989، إذ تضيف العديد من الشركات في هذا القطاع وظائف وقدرات.
وأضاف، “بالنسبة لصناعة الدفاع التشيكية، فإن الصراع في أوكرانيا والمساعدات التي نقدمها هي بوضوح دفعة لم نشهدها في السنوات الـ30 الماضية”.
من جهته، قال مفوض التشيك في “الناتو”، ياكوب لاندوفسكي، إن “جمهورية التشيك كانت إحدى القوى الكبرى لمصدري الأسلحة، ولدينا الأفراد والقاعدة المادية وخطوط الإنتاج اللازمة لزيادة الطاقة”.
وقال لاندوفسكي، إن “هذه فرصة عظيمة للتشيك لزيادة ما نحتاج إليه بعد إعطاء الأوكرانيين مخزونات الحقبة السوفييتية القديمة، ويمكن أن يظهر لدول أخرى أنه يمكننا أن نكون شريكًا موثوقًا به في صناعة الأسلحة”.
ويرى الأستاذ في معهد “كيل” كريستوف تريبيش، أن “دول أوروبا الشرقية تدعم أوكرانيا بشكل كبير. في الوقت نفسه إنها فرصة لها لبناء صناعة الإنتاج الحربي”.
السلاح من أجل السلام؟
قال الرئيس التنفيذي لمجموعة التشيك الدفاعية “STV” (أكبر منتج للذخيرة في جمهورية التشيك)، ديفيد هاك، إن لدى الشركة خططًا لإضافة خطوط إنتاج جديدة للذخيرة ذات العيار الصغير، إلى جانب توسيع قدراتها ذات العيار الكبير.
ساعدت مبيعات الدفاع المجموعة التشيكوسلوفاكية، التي تمتلك شركات مثل “Excalibur Army” و”Tatra Trucks” و”Tatra Defense”، على دعم ما يقرب من ضعف إيرادات النصف الأول من 2021.
بدوره، قال المتحدث باسم الشركة، أندريه سيرتيك، إن “الشركة تعمل على زيادة إنتاج طلقات عيار 155 ملم من عيار (الناتو) و152 ملم من العيار الشرقي، وتجديد مركبات المشاة القتالية ودبابات (T-72) التي تعود إلى الحقبة السوفييتية.
ولفت إلى أن إمداد أوكرانيا كان أكثر من مجرد عمل جيد، إذ تضاعفت شحنات بلاده للجيش الأوكراني بعد بدء العدوان الروسي، بحسب تعبيره.
وقال سيرتيك، “لا يزال أغلبية سكان التشيك يتذكرون أوقات الاحتلال الروسي لبلدنا قبل 1990، ولا نريد أن تكون القوات الروسية أقرب إلى حدودنا”.
منذ بدء الغزو الروسي الذي دخل شهره العاشر، عزز “الناتو” دفاعات الحلفاء المجاورين لأوكرانيا وروسيا، مع تجنب التدخل المباشر والانجرار إلى حرب أوسع.
ولم يمارس الحلف أي ضغوط على أوكرانيا للدخول في محادثات سلام مع روسيا، لكن الأمين العام للحلف، ينس ستولتنبرغ، أشار سابقًا إلى أن “معظم الحروب تنتهي بالمفاوضات”.
وفي 25 من تشرين الثاني الحالي، أكد أنه سيطالب الدول بتقديم المزيد من الدعم، مشيرًا إلى “مساعدة أوكرانيا على الانتقال من معدات الحقبة السوفييتية إلى معايير وعقيدة (الناتو) الحديثة”.
وقال، “ما يحدث على طاولة المفاوضات يعتمد على ما يحدث في ساحة المعركة، لذلك فإن أفضل طريقة لزيادة فرص التوصل إلى حل سلمي هي دعم أوكرانيا”.
ماذا عن روسيا؟
تطلق روسيا ما يصل إلى 20 ألف طلقة في اليوم، تتراوح من الرصاص للبنادق الآلية، إلى صواريخ “كروز” بحجم شاحنة.
بالمقابل، ترد أوكرانيا بما يصل إلى سبعة آلاف طلقة في اليوم، بإطلاق قذائف “هاوتزر” عيار 155 ملم، وصواريخ “ستينغر” الأمريكية المضادة للطائرات، وصواريخ “سام” النرويجية المتقدمة (NASAMS) للدفاع الجوي.
ذكر تحديث استخباراتي من وزارة الدفاع البريطانية، السبت 26 من تشرين الثاني، أن روسيا تطلق صواريخ “كروز” قديمة جُردت من رؤوسها النووية على أهداف أوكرانية، ما يسلّط الضوء على نفاد المخزونات الروسية من الصواريخ البعيدة المدى.
والدليل الذي استشهد به، هو صور لصواريخ كروز الجوية من طراز “AS-15 Kent”، التي صُممت في الثمانينيات كنظام توصيل نووي، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية.
وأشار التحديث إلى أن الارتجال اليائس من قبل قوات الرئيس الروسي المتصارعة “من غير المرجح أن يحقق تأثيرات موثوقة”.
بالمقابل، يستمر الدعم الأمريكي لأوكرانيا، إذ أعلنت إدارة الرئيس الأمريكي، جو بايدن، في 24 من تشرين الثاني الحالي، عن حزمة إضافية من المساعدات ستوفر 20 مليون طلقة أخرى من ذخيرة الأسلحة الصغيرة.
رغم ذلك، تحدث العديد من المسؤولين الأمريكيين عن نفاد في احتياطيات الأسلحة، وكان مراقب حسابات “البنتاغون”، مايكل ماكورد، قال للصحفيين في الشهر الحالي، “لم نكن في موقف لم يتبقَّ فيه سوى القليل من الذخيرة المهمة، لكننا ندعم الآن شريكًا”.
حتى الآن، قدمت أمريكا 19 مليار دولار تقريبًا من المساعدات العسكرية، شملت 924 ألف طلقة مدفعية لمدافع “هاوتزر” عيار 155 ملم، وأكثر من 8500 نظام “جافلين” المضاد للدبابات، بالإضافة إلى 1600 نظام “ستينغر” المضاد للطائرات، والمئات من المركبات والطائرات دون طيار، إلى جانب انظمة دفاع جوي متطورة، وقاذفات صواريخ من طراز “38 HIMARS”.
أمريكا.. مخزونات لا تكفي الحروب
لم توسع الولايات المتحدة خطوط الإنتاج الدفاعية لتزويد حرب برية كبرى، وكان بعضها أغلق سابقًا مثل خطوط إنتاج صواريخ “ستينغر”.
يضغط ذلك على الاحتياطيات الأمريكية، ويدفع المسؤولين الأمريكيين للتساؤل عن جاهزية البلاد للرد على صراع كبير مثل “غزو” الصين لتايوان.
ليست للولايات المتحدة علاقات دبلوماسية مع تايوان، بعد أن حوّلت واشنطن اعترافها الدبلوماسي إلى بكين عام 1979، ولكنها تحتفظ بعلاقات غير رسمية معها، كما أنها ملزمة بموجب القانون الفيدرالي بتزويد الجزيرة بوسائل الدفاع عن نفسها.
تساءل أكبر مشترٍ للسلاح في “البنتاغون”، بيل لابلانت، عن استعداد بلاده بحال حدوث صراع في المحيطين الهندي والهادئ قائلًا، ماذا لو حدث ذلك خلال الزمن الحالي، وليس على بعد خمس أو عشر سنوات.
وقال لابلانت في مؤتمر الاستحواذ الدفاعي هذا الشهر في ولاية فرجينيا الأمريكية، “ما الكمية التي لدينا وستكون فعالة في الواقع؟ هذه هي الأسئلة التي نطرحها هذه اللحظة”.
تعد حزم المساعدات العسكرية التي ترسلها الولايات المتحدة سحبًا من المخزونات أو تمويل العقود مع شركات لزيادة الإنتاج، وفقًا لوكالة “أسوشيتد برس“.
بناء على تحليل لوثائق ميزانية الجيش السابقة، يقدّر كبير مستشاري مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مارك كانسيان، أن 1600 نظام “ستينغر” التي قدمتها الولايات المتحدة لأوكرانيا تمثّل حوالي ربع إجمالي ترسانتها.
وقال لابلانت إن نظام “HIMARS”، الذي استخدمته أوكرانيا بفعالية كبيرة في هجومها المضاد، يواجه بعض التحديات نفسها، مضيفًا أن “الشيء الذي ينقذ أوكرانيا الآن، والذي يريده الجميع في أنحاء العالم، أوقفنا إنتاجه”.
وأشار المحلل في مركز القوة العسكرية والسياسية بمؤسسة الدفاع عن الديمقراطيات، رايان بروبست، إلى أن “هذا الصراع كشف أن إنتاج الذخائر في الولايات المتحدة ومع حلفائنا غير كافٍ على الأرجح للحروب البرية الكبرى”.
–