روسيا تسرع تقارب أنقرة ودمشق على وقع الهجمات التركية

عنب بلدي – حسن إبراهيم

حرّكت تصريحات تركية- روسية المياه الراكدة حول وجود تقارب تركي مع النظام السوري، بعد أسبوع من حديث الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن احتمالية إعادة النظر بعلاقاته مع سوريا عقب انتخابات بلاده الرئاسية والبرلمانية المقرر أن تنعقد في حزيران 2023.

وعاد الحديث عن ذلك في الوقت الذي تتوجه فيه الأنظار نحو شمالي وشمال شرقي سوريا، وترتفع فيه حدة اللهجة التركية عن إمكانية عمل عسكري بري ضد مناطق نفوذ “قوات سوريا الديمقراطية” (قسد) عقب تصعيد جوي مستمر منذ أيام.

هجوم بري حذّرت منه أطراف دولية وإقليمية، من الممكن أن يخلط أوراق المنطقة ويغير خريطة السيطرة العسكرية في سوريا، ويخلق تفاهمات جديدة فيها.

حديث تركي عن تقارب مع النظام

في 17 من تشرين الثاني الحالي، ترك أردوغان الباب مفتوحًا أمام قضية التقارب مع النظام السوري، متحدثًا عن إمكانية إعادة النظر في علاقات بلاده مع كل من مصر وسوريا بعد الانتخابات المقبلة في حزيران 2023

وقال أردوغان، “ليس هناك خلاف أو استياء أبدي في السياسة”، لافتًا إلى أنه يمكن تقييم الوضع عندما يحين الوقت، وتجديده وفقًا لذلك، وجاء ذلك ردًا على سؤال أحد الصحفيين، خلال رحلة عودة أردوغان من اجتماع قادة “مجموعة العشرين” في إندونيسيا.

بعد ثلاثة أيام من كلام أردوغان، بدأت تركيا عملية “المخلب- السيف” ضد مناطق نفوذ “قسد” في سوريا، وحزب “العمال الكردستاني” (PKK) في العراق، في 20 من تشرين الثاني، ردًا على التفجير في شارع الاستقلال المزدحم باسطنبول في 13 من الشهر نفسه.

رئيس حزب “الحركة القومية” التركي، دولت باهتشيلي، الحليف لحزب “العدالة والتنمية”، دعا أردوغان، في 22 من تشرين الثاني الحالي، إلى لقاء رئيس النظام السوري، بشار الأسد، وقال إنه “يجب تشكيل إرادة مشتركة ضد المنظمات الإرهابية”.

وأشار باهتشيلي إلى ضرورة بدء اجتماع “رفيع المستوى” بين أنقرة ودمشق، وطالب البلدين بالتعاون ضد التنظيمات “الإرهابية”، وشدد على أن قنوات الحوار بين الطرفين يجب أن تستمر على “مستوى عالٍ”.

كاتب العمود في صحيفة “حرييت” التركية عبد القادر سلفي قال في مقال نُشر في 24 من تشرين الثاني الحالي، إن لقاء أردوغان بالأسد من المتوقع أن يحدث قبل الانتخابات الرئاسية التركية، وذلك بعد اجتماع حضره سلفي للكتلة النيابية لحزب “العدالة والتنمية”، شارك فيه أردوغان.

وذكر سلفي أن التقارير التي تفيد بأن المراسلات تتم عبر إيران وروسيا غير صحيحة، وأن المفاوضات مع النظام السوري صعدت إلى مستوى فوق أجهزة المخابرات لفترة.

التصعيد ضد “قسد” مستمر

تزامن حديث التقارب بين تركيا والنظام السوري مع تصعيد عسكري تركي جوي على مناطق نفوذ “قسد” متمثلًا بعملية “المخلب- السيف”، التي اعتُبرت الأوسع والأكثر كثافة منذ اعتماد تركيا على العمليات الجوية في سوريا، مقارنة مع عملية “نسر الشتاء” في شباط الماضي، والضربات الجوية التي سبقتها وبدأت منذ آب 2021.

وتخلل التصعيد التركي تصريحات من أردوغان ووزير الداخلية في تركيا، سليمان صويلو، ووزير الدفاع، خلوصي أكار، فحواها استمرار العمل ضد التنظيمات “الإرهابية”، وعدم اقتصارها على الضربات الجوية.

واستبعد أردوغان اقتصار العملية على الضربات الجوية قائلًا، “سنتخذ القرار والخطوة بشأن حجم القوات البرية التي يجب أن تنضم للعملية”، وكرر تهديداته بشأن الهجوم البري متوعدًا بأن الضربات “ما هي إلا البداية”، وتعهّد بـ”اجتثاث (الإرهابيين) من مناطق تل رفعت ومنبج وعين العرب” شمالي سوريا.

وتجاوز الاستهداف التركي مواقع أو قياديين في الأحزاب الكردية التي تعتبرها تركيا “إرهابية”، وتوسع إلى استهداف مواقع نفطية تعتبر أحد المصادر الأساسية لتمويل “قسد”، منها محطة “دجلة للنفط” شمال بلدة الجوادية بريف القامشلي الشرقي، ومعمل “غاز السويدة” في ريف المالكية شرقي الحسكة.

وأعلن أكار، في 25 من تشرين الثاني الحالي، “تحييد” 326 “إرهابيًا” في عملية “المخلب- السيف” شمالي سوريا والعراق.

في حين قُتل ثلاثة أتراك، في 21 من تشرين الثاني الحالي، بمنطقة كركميش الحدودية مع سوريا، إثر قصف بقذائف مصدرها المناطق الخاضعة لسيطرة “قسد”، وقُتل خمسة مدنيين وأصيب خمسة آخرون بقصف تعرضت له مدينة اعزاز بريف حلب الشمالي، في 22 من الشهر نفسه، بصواريخ مصدرها مناطق سيطرة “قسد”.

موسكو تدفع نحو لقاء أردوغان بالأسد

في غضون ذلك، أطلقت موسكو تصريحات أبدت فيها رغبتها واستعدادها لفتح قنوات حوار بين تركيا والنظام السوري، وذلك على لسان مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف.

وقال لافرنتيف، إن روسيا مستعدة للتوسط في تنظيم المفاوضات بين سوريا وتركيا على مستويات مختلفة، وعلى استعداد لتوفير منصة للقاء أردوغان والأسد، مشيرًا إلى أن بوتين حدد قضية التقارب التركي- السوري وتطبيع العلاقات كأولوية، مؤكدًا أن تسوية الصراع السوري نفسه تعتمد إلى حد كبير على هذا الأمر.

وأبدى لافرنتييف استعداد بلاده “لتقديم كل الدعم الممكن لتنظيم مثل هذه المفاوضات، إذا كانت هناك رغبة مشتركة بين الجانبين”، مضيفًا أنه لا يشك في ذلك، وفق مقابلة للمبعوث مع وكالة “سبوتنيك” الروسية، في 24 من تشرين الثاني الحالي.

وأوضح لافرنتييف أن روسيا ترى أن على رؤساء أجهزة المخابرات في تركيا وسوريا مواصلة الاتصالات، رغم تفاقم الوضع، وأن تركيا وسوريا يمكنهما حل الكثير من القضايا من خلال التواصل المباشر مع بعضهما، بما في ذلك على مستوى وزراء الخارجية.

كاتب العمود في صحيفة “حرييت” التركية عبد القادر سلفي ذكر في مقاله أن لقاء أردوغان بالرئيس المصري، عبد الفتاح السيسي، جاء في إطار استخدام دبلوماسية كرة القدم، وذلك على هامش المباراة الافتتاحية لبطولة كأس العالم لكرة القدم التي تجري في قطر، في 20 من تشرين الثاني الحالي، حين التقى الرئيسان لأول مرة منذ وصول السيسي إلى السلطة عام 2014.

وقال سلفي إن لقاء أردوغان مع الأسد متوقع قبل انتخابات الرئاسة التركية، ويمكن أن يتم في إطار “دبلوماسية بوتين”.

المحلل السياسي ديميتري بريجع، المقيم في موسكو، قال لعنب بلدي، إن التصريحات الروسية هي محاولة للضغط على تركيا بما يخص العملية العسكرية البرية، فروسيا ترى أن تركيا قد تخلط الأوراق في الساحة السورية، وهذا قد يضر مصلحة روسيا.

ويعتقد بريجع أن الهدف الأساسي من دفع روسيا تركيا من أجل التقرب دبلوماسيًا من دمشق، هو أن “قسد” وغيرها من التنظيمات الكردية قد تذهب إلى دمشق في نهاية الأمر، وقد تطبع علاقتها مع دمشق ولن يبقى لها حليف.

ويرى بريجع أن الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم القوات الكردية، لن تذهب بعيدًا في دعمها.

ماذا عن “قسد”؟

تصعيد تركيا عسكريًا والتلويح بعملية برية واكبته ردود فعل دولية عديدة، وتحذيرات من تفاقم الوضع، ودعوات لوقف التصعيد، أبرزها من الولايات المتحدة الأمريكية التي تدعم “قسد”، والتي دعت إلى وقف التصعيد من “جميع الأطراف”.

وتوالت التصريحات من قائد “قسد”، مظلوم عبدي، بالتزامن مع التصعيد، أبرزها حين قال إنه يعتقد أن هدف تركيا الحقيقي هو عين العرب (كوباني)، لأنها رمزية للغاية بالنسبة للكرد، وذات أهمية استراتيجية، لأنها ستسمح لتركيا بالانضمام إلى اعزاز، وفق ما نقله موقع “المونيتور“، في 23 من تشرين الثاني الحالي.

ولفت عبدي إلى أنه من دون ضوء أخضر من واشنطن أو موسكو، لا يمكن لتركيا شن هجوم بري ضد القوات الكردية الموجودة في مناطق نفوذها.

وأعلن عبدي في اليوم نفسه تعليق عمليات “قسد” ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”، وسط استمرار تركيا في استهداف مناطق بشمال شرقي سوريا، وقال، “نحن لم نجمّد العمليات المشتركة ضد (داعش) إلى جانب التحالف الدولي عن قصد”، في حين اعتبره محللون أنه تهديد مبطن لأمريكا.

وفي تصريح آخر لوكالة الأنباء الأمريكية “أسوشيتد برس” (AP) قال عبدي، إنهم “يستعدون للتوغل التركي منذ شن هجوم بري في المنطقة عام 2019″، مضيفًا، “نعتقد أننا وصلنا إلى مستوى يمكننا فيه إحباط أي هجوم جديد، على الأقل لن يتمكن الأتراك من احتلال المزيد من مناطقنا وستكون هناك معركة كبيرة”.

وفي تقرير تحليلي لمركز “جسور للدراسات”، ذكر وجود “تنسيق عسكري عالٍ” بين واشنطن وأنقرة قد أتاح وصول الطيران الحربي التركي إلى محافظة دير الزور، وتنسيق بشكل أدنى بين روسيا وتركيا.

وأشار التقرير إلى أن الولايات المتحدة، ورغم مستوى التنسيق المرتفع، أبدت تخوفها من تأثير العملية على الحرب ضد تنظيم “الدولة”، الذي قد يشكّل عائقًا أمام توسيع مستوى التنسيق، ما يجعل شنّ هجوم بري في الوقت الراهن مستبعدًا.

المحلل السياسي ديميتري بريجع أوضح أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت بكل تأكيد تحاول العمل على مشروع للكرد في المنطقة، لكن هذا المشروع “غير ناجح وغير ممكن”، بسبب التغيرات السياسية الدولية، وتأثير الصراع الروسي- الأوكراني على المواقف السياسية الدولية.

تعليق “خجول” للنظام.. هل ينتظر تفاهمًا روسيًا- تركيًا؟

وسط تهديدات تركية وربما تغييرات لخريطة السيطرة العسكرية في سوريا، وردود فعل دولية ومحاولات لاحتواء التصعيد و”ضبط النفس”، اكتفى النظام السوري بنعي عدد من جنوده الموجودين في مناطق في ريف حلب الشمالي وريف الحسكة، نتيجة الاستهداف التركي دون تحديد عددهم، وذلك من خلال وزارة الدفاع.

تأخر التعليق الرسمي من النظام، وجاء في 23 من تشرين الثاني الحالي، على لسان نائب وزير الخارجية، أيمن سوسان، على هامش مشاركته في محادثات “أستانة” حول سوريا برعاية الدول الضامنة (تركيا وروسيا وإيران)، معتبرًا أن “ذرائع الاحتلال التركي لتبرير سياساته في سوريا لم تعد تخدع أحدًا”.

وأضاف سوسان أن ضمان الأمن “لا يكون بالاعتداء والهجمات والغزو، بل بالتعاون، ومسؤولية الأمن لدى الدول المتجاورة مسؤولية مشتركة”.

وذكرت المستشارة الإعلامية لرئيس النظام السوري، بثينة شعبان، أن “الاحتلال التركي يتخذ ذرائع واهية لبقاء (الإرهابيين) الذين يعملون تحت مظلته”، شمال غربي سوريا.

كلام شعبان الذي نقلته الوكالة السورية الرسمية للأنباء (سانا)، غاب عنه الحديث عن الهجوم البري الذي تعتزم شنه تركيا، أو الاستهداف الجوي من خلال عملية “المخلب- السيف”، وأشارت شعبان إلى أن النظام التركي لا “يلتزم بتعهداته مع روسيا، ويختلق الحجج لتنفيذ أطماعه في الأراضي السورية والعراقية”.

مبعوث الرئيس الروسي الخاص إلى سوريا، ألكسندر لافرنتييف، قال، في 24 من تشرين الثاني الحالي، إنه لا توجد حاجة لمراجعة الاتفاقيات الروسية مع تركيا بشأن سوريا فهي تبقى سارية المفعول، فجميع الاتفاقيات “واضحة وصالحة”، مضيفًا، “نحن فقط بحاجة لعزم النية على التوصل إلى النتائج السلمية”.

وقال لافرنتييف، إن “روسيا تبذل كل ما في وسعها للوفاء بالتزاماتها بموجب هذه الاتفاقيات”، التي تنص على أن وحدات الدفاع الذاتي الكردية من الأراضي السورية “يجب ألا تقوم بأي أعمال استفزازية ضد تركيا، وأنه يجب إخراجها جميعها من المنطقة على بعد 30 كيلومترًا”.

وأضاف لافرنتييف أن هناك أيضًا التزامات تقع على عاتق تركيا، وتنطوي على انسحاب الجماعات المسلحة “غير الشرعية” مثل “هيئة تحرير الشام” و”الجيش الوطني السوري” خلف الطريق الدولي السريع “M4” إلى الشمال، وأن تركيا لم تتمكن بعد من الوفاء بهذه الالتزامات.

وجاء كلام لافرنتييف بعد أن قال أردوغان، إن الأطراف الأخرى لم تستطع الوفاء بمتطلبات اتفاقية “سوتشي” عام 2019، ولفت إلى أن القوى التي قدمت ضمانات بعدم صدور أي تهديد ضد تركيا من المناطق الخاضعة لسيطرتها في سوريا، “لم تتمكن من الوفاء بوعودها”، في إشارة إلى روسيا.

وتصنّف تركيا “العمال الكردستاني” على قوائم “الإرهاب”، كما أن الحزب مصنّف على قوائم “الإرهاب” لدى الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي وعدد من الدول الأوروبية.

وتعتبر تركيا “قسد” امتدادًا لـ”العمال الكردستاني”، وهو ما تنفيه “قسد” رغم إقرارها بوجود مقاتلين من الحزب تحت رايتها، وشغلهم مناصب قيادية.