نبيل محمد
يمكن لأيمن زيدان، النجم السوري التلفزيوني ذي الخبرة الطويلة والجماهيرية المعروفة، أن يقدم آراء متّزنة في كل شيء، في الحياة والأخلاق والدين والفن والعمل. يمكنه إكساء نفسه ثوبًا ملونًا بكل أشكال القيم، إلى أن يأتي دور الحديث في السياسية والوطن، حينها يتهاوى كل ما سبق الحديث عنه، جراء كلمات معدودة، يعود فيها إلى الشكل الحقيقي الواضح.
حديثه في الفن، والمجتمع، والحياة العامة، يمرره في ذاكرة من يتابع الحديث على شكل شخصيات تلفزيونية مؤثّرة لعبها في الدراما السورية، ليأتي الحديث السياسي فيعيده إلى مكان آخر، إلى قالب التبعية، بل أقدم من ذلك، يعيده أيضًا إلى صورة عضو مجلس الشعب، المقرّب من أصحاب القرار، ينتقدهم فيما خفّ من الحديث، ويقف كجدار مدافع عنهم عند الكلام الفصل.
في لقائه مؤخرًا، على “صوت بيروت” ضمن برنامج “المجهول”، التقط أيمن زيدان شخصية الحكيم بقوة. عفّت نفسه عن الخلافات الفنية السخيفة، وعن أحاديث “السوشيال ميديا” المملة. “نحن نعاني من قضايا درامية كبرى، فكيف يمكن أن تصبح قضية تعويم الممثلين السوريين لبنانيًا، أو اللبنانيين سوريًا، قضية تستحق الوقوف عندها؟”. كان منطقه مترفعًا عن كل تلك الصغائر، قريبًا من الحكمة، لا يتكلّم إلا باختصاصه، ولا يصدر حكمًا، فهو ليس بقاضٍ، إنه صاحب رأي يمكن الأخذ به ويمكن إهماله. بهذا الكمال ظهر الفنان، ثم ما إن قال إنه ليس محللًا سياسيًا، حتى بدأ كل شيء يختلف، فهذه الجملة بالتحديد، عادة ما تحمل خلفها تحليلات سياسية عفا عليها الزمن، وموقفًا يختلف قيميًا بشكل جذري عن كل ما قيل قبله، بدءًا من إقراره بأن عودة اللاجئين السوريين من لبنان إلى سوريا هي أفضل من بقائهم في لبنان، فظروف البلدين باتت متقاربة، ووصولًا إلى الموقف الحاسم من روسيا، ومرورًا بمشاريع “سايكس- بيكو” التي تُصاغ بشكل جديد لمنطقة، وتستهدف تقسيمها، وبالتالي تستهدف سوريا، سوريا التي خذلتهم وما زالت صامدة. سرد الفنان كل ما لديه من تلك المفاهيم، بنطق سليم لغويًا، ومصطلحات رنّانة، كانت أكثر ما أتقنه الفنان.
لا يمكن لزيدان أن يرى بين اللاجئين السوريين من هو عائد بلا شك للموت أو للسجن أو للحرب، ولا يمكنه أن يرى بلده محترقًا ممزقًا والمسؤولين عمّا حدث هم من ساندهم خلال سنوات طويلة بصوته وموقفه. تلك أمور لن يراها من هم في موقف زيدان بالتأكيد. لكن أن يكون نادمًا على تجربة خوضه العمل السياسي من بوابة مجلس الشعب، وأنه يرفض تكرار تلك التجربة كي لا يكره وطنه، هو ما يمكن الوقوف عنده. إن كان الحضور في موقع مسؤولية عليا يجعل زيدان كارهًا لبلاده، فهذا يعني بلا شك أن ذلك الموقع أتاح له الرؤية عن قرب، رؤية من يجدهم اليوم قد حافظوا على صمود بلاده.
على الرغم من كره زيدان لتجربته تلك، فإنه لا بد من القول، إن طريقته في الحديث، ومنطقه القيمي، ولغة الأخلاق والتسامح الفائض، مضافًا إليه قليل من الوطنية البعثية و”مكافحة الإمبريالية”، تؤهّله مرة أخرى ليحتل ذلك المكان من جديد. يناسبه ذلك المكان تبعًا للمنطق الذي يتحدّث فيه اليوم، أكثر مما تناسبه خشبة المسرح لا شك.
عندما عُرضت صور الفنانين السوريين المعارضين والمقيمين خارج سوريا، تسامح زيدان معهم، وعبّر عن محبّته لهم، وعن أن الخلاف معهم هو خلاف بالرأي، وهو موقف بات شائعًا في أوساط مجموعة كبيرة من الفنانين السوريين في الداخل، موقف ينظر فيه الفنان كبير القلب في دمشق إلى زملائه في الخارج وكأنهم أخطؤوا والمسامح كريم. ولعله موقف لا حساب عليه، فدوائر النظام ذاتها، تحاول الظهور بالمظهر ذاته، وتدعو معارضيها للعودة إلى بلادهم.
في جلسة المحاكمات تلك، التي منحت زيدان خيارات إصدار أحكام على أشخاص تمر صورهم من أمامه، منح الفنان الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، حكم براءة. جاء ذلك لأن بوتين “قدّم لسوريا الغالي والرّخيص في سنوات أزمتها، ولأنه يحاول القضاء على سلطة القطب الواحد في العالم، واستعادة المنظومة السوفييتية”، التي كانت هوس شباب زيدان في يوم ما. يستحق بهذا زيدان بلا شك كرسيًا في مجلس الشعب الذي يكرهه، غريب أن يكره مجلس الشعب السوري ويحب بوتين.