الموت تحت سقف المونديال
إبراهيم العلوش
القصف المتبادل في الشمال السوري بين تركيا و”قوات سوريا الديمقراطية” (قسد)، والقصف الإيراني على شمالي العراق، يمضيان تحت سقف مونديال قطر، بالإضافة إلى قصف البرد على اللاجئين السوريين وعلى المحتاجين في الداخل السوري!
معظم الدول تحتفل بالمونديال وتجعله فترة سلام، إلا أن الإيرانيين وقوات النظام و”قسد” وتركيا وإسرائيل جعلوه فرصة للغطاء الإعلامي في أثناء انشغال العالم بتفاصيل المونديال، وهم يصبّون قنابلهم واتهاماتهم على السوريين، وكانت إسرائيل من أبرع من استغل المونديال خاصة في العام 1982، عندما اجتاحت جنوبي لبنان لتصل فيما بعد إلى بيروت وترتكب مجازر صبرا وشاتيلا المروّعة.
وبمناسبة التفاصيل التي تشغل العالم عما يكابده الشعب السوري وغيره من الشعوب المنكوبة، فإن تكاليف المونديال في قطر وصلت حسب المصادر الإعلامية إلى 220 مليار دولار، وهذا هو نفس الرقم الذي خسره الشعب السوري في انتفاضته ضد نظام الأسد حسب مصادر المؤسسات الدولية لدراسة إعادة الإعمار في سوريا، وذلك بسبب تدمير البنية التحتية والمدن والقرى بالبراميل المتفجرة وبالصواريخ الروسية، عدا التكلفة الإنسانية القاسية التي يكابدها المهجّرون والنازحون، والأيتام، والمعتقلون في سجون النظام وفي سجون غيره، بالإضافة إلى معاناة مئات ألوف الأهالي الذين يكابدون الحزن من فقدان ذويهم!
220 مليارًا بنت مدينة جديدة في قطر اسمها مدينة لوسيل تتسع لأكثر من 450 ألف ساكن وموظف وتاجر ومشجّع، وبنت نفق “الدوحة”، وبنت الملاعب الدولية، ووسّعت مطار “الدوحة” ليكون في مصاف المطارات الدولية، حيث صار يستوعب أكثر من 58 مليون مسافر سنويًا، بينما ينحدر مطار “دمشق” الدولي ليكون مجرد محطة لتهريب الأسلحة الإيرانية التي تدمر حياة السوريين!
تخيّلوا هذا الرقم وقد تم توفيره من سرقات نظام عائلة الأسد ومخلوف، وقد تم صرفه على السوريين اعتبارًا من العام 2011، بدلًا من تدمير المدن، وتهجير السكان. وتخيلوا أنه تم تجديد البنية التحتية للمدن والقرى، وتوسيع القطارات والمطارات وبناء الضواحي الجديدة لتفي بحاجات السوريين بدلًا من فتح المعتقلات والمخيمات والحواجز، وانهيار النقل الداخلي، والنقل بين المدن، ودخول الدول المختلفة إلى الساحة السورية ليبقى نظام الأسد متصدرًا المشهد الإعلامي السوري بلا خجل، وبلا أي إحساس بالمسؤولية عما آلت إليه الأمور، واعتبار كل ما جرى مجرد مؤامرة خارجية!
وعلى اعتبار نظام الملالي هو الحامي لنظام الأسد ومثار فخر لمثقفي النظام، فإن الانتفاضة الإيرانية وجدت صداها في المونديال، عندما رفض الفريق الإيراني ترديد النشيد الوطني لبلاده تعاطفًا مع المعتقلين، وتعاطفًا مع نساء إيران اللواتي يطالبن أن يلبسن كما يشأن لا كما يريد الملالي المتحجرون!
ولا تزال خطابات قائد “الحرس الثوري الإيراني”، حسين سلامي، مستمرة، وكان آخرها، في 24 من تشرين الثاني الحالي، مثار سخرية من قبل المحتجين، رغم تغنيه بالأمجاد، وأن قواته تغزو العالم وتسيطر على لبنان والعراق وسوريا، إذ دعا المحتجين الإيرانيين إلى الافتخار بما أنجزه الملالي بدلًا من الاستجابة للمؤامرة التي يحيكها الأعداء.
وكان المجلس العالمي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة أعلن قبل خطابه بساعات أن إيران لا تستجيب لدعوة مجلس حقوق الإنسان لزيارتها والاطلاع على الواقع، ضمن أخبار تشير إلى مقتل أكثر من 350 شخصًا واعتقال أكثر من 14000 منذ بدء الاحتجاجات بعد مقتل مهسا أميني في 16 من أيلول الماضي.
ورغم كل الحزن والمعاناة، فإن السوريين يتداولون أخبار المونديال ويشجعون الفرق التي يحبونها، وخاصة البرازيل التي تكاد أن تكون أيقونة سورية، ربما بسبب الأعداد الكبيرة للمهاجرين السوريين إليها في مطلع القرن الماضي بعد انهيار الدولة العثمانية.
والسوريون فرحوا بانتصار السعودية المشرّف على الأرجنتين، ويتابعون صور المشجعين وهم يلبسون الزي العربي الذي صار عالميًا وليس مجرد زي يستخف به الآخرون ويعتبرونه غير لائق بالتحضر، فالكثير من النخب المثقفة يعتبرونه زيًا بدويًا متخلفًا.
هذا المونديال كما قال يوسف بزي، في موقع “المدن”، أظهر للعالم مدى تفوق الدول الخليجية ومتابعتها للتطور، بينما دول المشرق العربي، التي ظلت نخبها تحتقر الخليجيين، صارت في أردأ حالة، وصارت دولها فاشلة كما يتجلى ذلك في مصر والعراق وسوريا واليمن ولبنان التي تنتقل أنظمتها من خراب إلى آخر.
أما التنظيمات الدينية المتطرفة فقد ألغت اللباس العربي، واعتبرت اللباس الأفغاني هو لباسها المميز. وهذه ظاهرة تستحق الدراسة من قبل المختصين، فالهنود والأفارقة احتفظوا بلباسهم الشعبي، بينما النخب العربية غير الخليجية تنكّر معظمها للزي الشعبي ويعتبرونه مجرد رمز للتخلف!
الطائرات التركية تستمر بالقصف والاستطلاع من خلال عملية “المخلب- السيف”، وتوعد الرئيس، رجب طيب أردوغان، بدخول الجيش التركي إلى الشمال السوري تحت غطاء المونديال، وغطاء العملية الإرهابية في اسطنبول، التي يُتهم بها حزب “العمال الكردستاني” المسيطر في الشمال الشرقي من سوريا وفي بعض أجزاء شمالي العراق، وهكذا يستمر الموت في صفوف السوريين من العرب والكرد، وكذلك في صفوف الأتراك.
نادت قطر الدول إلى وقف الحروب في أثناء المونديال، وقد سعت دبلوماسيتها إلى ترتيب هدنة في اليمن، بينما تجاهلت الشعب السوري من مساعيها، وكذلك القادة الذي اجتمعوا بسلام في الدوحة لم يخطر ببالهم وباسم حقوق الإنسان، إيقاف معاناة الشعب السوري والمطالبة بإغاثة اللاجئين أو إطلاق سراح المعتقلين وخاصة من النساء والأطفال، الذين وصل عددهم الإجمالي إلى 136 ألف معتقل في سجون النظام، وهم مغيّبون ويتطلعون إلى مشاهدة لعبة واحدة على الأقل، هذا إذا وصلت أخبار المونديال إلى كهوف وزنزانات اعتقالهم!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :