مرحّلون سوريون من تركيا.. لا وقت لحزم الأمتعة

  • 2022/11/27
  • 10:14 ص

مجموعة من السوريين في معبر "باب السلامة" الحدودي بعد ترحيلهم من تركيا- 12 تموز 2022 (مكتب اعزاز الاعلامي/ يوتيوب)

عنب بلدي – خالد الجرعتلي

منذ بداية العام الحالي، صار من الشائع رؤية سوريين يبحثون عن شخص خرج من المنزل صباحًا، ولم يعد لعدة أيام، ويترافق هذا البحث مع تنويه بأن “المفقود ذو وضع قانوني غير نظامي”.

مع تطور متسارع في القوانين التي تقرها دائرة الهجرة التركية بين الحين والآخر، ترتفع احتمالية ترحيل أشخاص كان وضعهم القانوني سليمًا، لكنه وجودهم تحول إلى غير قانوني بين ليلة وضحاها.

وينقسم الترحيل القسري إلى قسمين، الترحيل الداخلي (من ولاية إلى أخرى) أو الترحيل إلى الشمال السوري، ويبقى الرابط المشترك بينهما أن المُرحّل لا يتاح له وقت لتصفية معاملاته، أو حتى توضيب أغراضه الشخصية قبل الرحيل.

الترحيل الداخلي “مشكلة مؤقتة”

أيهم (23 عامًا) استخرج قيوده (أوراقه الثبوتية) من ولاية أورفا جنوبي البلاد، ما يجعل إقامته في الولاية نفسها إجباريًا، لكن “انعدام الفرص في تركيا” دفع به إلى ولاية إزمير، بحثًا عن طريق نحو أوروبا.

وبحسب ما قاله أيهم لعنب بلدي، فإن فترة مكوثه في ولاية إزمير كانت طويلة، ما أجبره على البحث عن استقرار مؤقت فيها كفرصة عمل.

وخلال الشهر الثاني من وجوده في إزمير، أوقفته دورية للشرطة، وقررت إعادته إلى ولاية أورفا بشكل فوري، كونه يعيش في إزمير بشكل مخالف لقانون “الحماية المؤقتة” الممنوحة للسوريين.

لم يقبل الشرطي الاستماع إلى أيهم وهو يحاول الشرح بأن لديه بعض الممتلكات في مكان إقامته بإزمير، حيث يقيم في “سكن شبابي” (سكن مشترك)، إذ أُجبر على ركوب السيارة والعودة إلى أورفا دون السماح له حتى بدفع إيجار منزله.

مشكلة أيهم لست الوحيدة، إذ سبق ورحّلت السلطان التركية شبانًا قابلتهم عنب بلدي، من بينهم عبد الله (26 عامًا)، من ولاية اسطنبول إلى أنقرة التي يحمل أوراقًا ثبوتية صادرة عن سلطاتها المحلية.

عبد الله انتقل إلى اسطنبول منذ ست سنوات، وأسس حياته فيها من خلال عمله في قطاع الخياطة، إذ لا يملك في أنقرة أي نوع من المعارف، وهو يقيم مع أصدقائه في اسطنبول.

بحسب ما قاله لعنب بلدي، فإن عناصر الشرطة أوقفوه في شارع الاستقلال باسطنبول، ثم أجبروه على مرافقتهم إلى سجن “توزلا” الذي مكث فيه لبضعة أيام، ومن ثم رُحّل إلى أنقرة.

عبد الله لم يعتبر أن مشكلته كبيرة، إذ عاد إلى اسطنبول بعد بضعة أيام، ليقيم فيها بشكل غير قانوني مجددًا، لكنه “أكثر حذرًا”، بحسب ما قاله لعنب بلدي.

الناشط في قضايا حقوق اللاجئين طه الغازي، قال لعنب بلدي، إن مدينة اسطنبول كان لها النصيب الأكبر من إقامة السوريين فيها بشكل غير قانوني، نظرًا إلى توفر العمل فيها بشكل جيد مقارنة بمدن أخرى.

حمل كثير من اللاجئين السوريين أوراقًا صادرة عن ولايات غير التي يقيمون فيها جعلهم عرضة للترحيل، وكثيرًا ما يلعب مزاج الموظف دورًا في المسألة، إذ سبق ورُحّل سوريون ممن يحملون إذنًا للعمل في اسطنبول، أو حتى ممن يملكون شركات فيها، إلى ولايات أخرى أو حتى إلى الشمال السوري.

اقرأ أيضًا: السوريون وخطةتوزيع الضغط”.. إجراءاتتعسفيةخارج إطار القانون

الترحيل الخارجي.. مشكلة لا حل لها

في 24 من تشرين الأول الماضي، أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا قالت فيه، إن السلطات التركية “اعتقلت واحتجزت ورحّلت بشكل تعسفي مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز الماضيين”.

التقرير أثار حفيظة رئاسة الهجرة التركية، التي ردت عليه ببيان وصف ما أوردته المنظمة بـ”المزاعم العارية عن الصحة”، مشيرة إلى أن سوريا أحد البلدان التي يُطبّق عليها “مبدأ عدم الإعادة القسرية”، وأن السوريين الذين عادوا إليها فعلوا ذلك “طوعًا”.

بينما رصدت عنب بلدي حالات لإعادة سوريين قسرًا عبر إجبارهم على توقيع أوراق “عودة طوعية” تحت ظروف اعتقال سيئة، من بينهم محمد (55 عامًا) الذي ينحدر من مدينة سلمية شرقي حماة، رغم أنه أوضح بأنه ينتمي لمجموعة تُصنف على أنها من الأقليات الدينية في سوريا، “وفي ترحيله خطر على حياته”، بحسب ما قاله لعنب بلدي، علمًا أن محمد دخل البلاد بطريقة غير شرعية قبل مدة ليست بطويلة مع عائلته، استأجر فيها منزلًا، واضطر لإبلاغ مالكه أن يبيع أثاثه كونه لن يتمكن من دفع إيجاره بسبب ترحيله خارج البلاد.

الناشط طه الغازي قال لعنب بلدي في هذا الصدد، إنه تعامل مع العديد من قضايا الترحيل لأناس يملكون أعمالًا في اسطنبول، رُحّلوا إلى سوريا قسرًا دون إبلاغ أسرهم حتى بأنهم موجودون في سجن يتبع لدائرة الهجرة، من بينهم مالك مطعم في منطقة إسنيورت باسطنبول، رُحّل إلى سوريا قسرًا، ما جعله عاجزًا عن التصرف بممتلكاته في تركيا من بينها مطعمه.

ورغم أن أسرة المرحّل تقيم في المنطقة نفسها، لم تتمكن من حل هذه المشكلة كون جميع الممتلكات مسجلة باسمه، إذ يجب عليه إما عمل وكالة قانونية لأحد أفراد الأسرة، وإما العودة إلى تركيا بطريقة غير قانونية لبيع ممتلكاته.

وبما أن الأوراق الصادرة عن مؤسسات الشمال السوري غير معترف بها لدى الجانب التركي، يجب على المرحّل التوجه إلى مناطق نفوذ النظام السوري، لإجراء وكالة قانونية لذويه، وهو أمر أشبه بالمستحيل بالنسبة للسوريين المقيمين في تركيا هربًا من النظام السوري.

قانون “غير مطبّق”

طه الغازي قال لعنب بلدي، إن قانون “الحماية المؤقتة” الذي يقيم بموجبه السوريون في تركيا، ينص على أن يُمنح اللاجئ مدة سبعة أيام لتوكيل محامٍ، وبحث وضعه القانوني قبل ترحيله.

بينما تعمد السلطات الأمنية في هذا السياق إلى إخفاء الموقوف، وعدم السماح له بالتواصل مع أسرته لمدة سبعة أيام، ومن ثم يجري ترحيله.

الغازي أطلق على هذا السلوك اسم “الإخفاء القسري”، إذ تحاول دوائر الهجرة من خلال هذه السياسة عدم منح اللاجئ إمكانية توكيل محامٍ، لعدم السماح ببقائه في البلاد.

وأضاف أن السلطات الأمنية تعمد إلى مصادرة جميع ممتلكات الموقوف منذ لحظة توقيفه، من بينها هاتفه الجوال وممتلكاته الشخصية.

وفي كثير من الحالات، تعمد عائلة الموقوف إلى البحث عنه في دوائر الشرطة، أو في السجون التابعة لدائرة الهجرة ومراكز الترحيل، دون أي نتيجة، إذ لا تبلغ السلطات أسرة الموقوف بمكان وجوده أو ظروف احتجازه، علمًا أن الموقوف قد يكون في أحد المراكز التي سألت الأسرة عنه فيها.

وسبق أن رحّلت تركيا لاجئين سوريين “قسرًا” رغم امتلاكهم أوراقًا ثبوتية، إلا أنها أعادت جزءًا كبيرًا منهم خلال فترات زمنية متفاوتة، بعد انتشار تسجيلات مصوّرة للاجئين المرحّلين تثبت امتلاكهم أوراقًا رسمية.

وفي إطار الاتهامات الموجهة لدوائر الهجرة التركية بارتكابها انتهاكات بحق لاجئين في مراكز الاحتجاز والترحيل، رفعت هيئة حقوقية تركية دعوى لدى المدعي العام في ولاية غازي عينتاب التركية ضد مركز “Oğuzeli”، بعد تقرير يُثبت انتهاكات لموظفين في المركز ضد اللاجئين.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع