حمص – عروة المنذر
بعد اتفاق “التسوية” الذي شهده ريف حمص الشمالي في أيلول 2018، خرج عدد كبير من رافضي “التسوية” إلى الشمال السوري الخاضع لسيطرة قوات المعارضة، تاركين خلفهم مئات الدونمات من الأراضي الزراعية والمنازل.
وخلال السنوات الأربع الماضية، احتفظ أقارب أو جيران ملّاك الأراضي المهجّرين بها، وبدؤوا بزراعتها واستثمارها بالاتفاق مع أصحابها الذين هُجّروا، مقابل نسب ربحية متفق عليها، تفاوتت من 15 إلى 20% لمن يعمل بالأرض، كما هو معمول به أو كما يسمى بـ”عُرف الكار”.
ومع بداية موسم استئجار الأراضي، عرضت حكومة النظام هذه الأراضي في مزاد علني لم تعلن عنه إلا في الجرائد الرسمية، ما أفقد ملّاك الأراضي الحقيقيين القدرة على تأجير أراضيهم والانتفاع منها في بلاد النزوح أو اللجوء.
مزاد علني لـ”المدعومين”
لم يعلن مجلس محافظة حمص عن المزاد الذي طرح بموجبه الأراضي للتأجير في أي دائرة حكومية بالمنطقة، وطرح المزاد حوالي 2500 دونم من الأراضي الزراعية للاستثمار، بشكل سري، حضره كل من مديري المناطق والمخاتير والمقربين من المفارز والأفرع الأمنية.
طلال مخزوم، أخ لأحد المهجّرين من قرية المكرمية في ريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي، إنه فوجئ بتأجير أرض أحد إخوته الذي خرج بعد اتفاق “التسوية” ووصل إلى أوروبا، لشخص حصل على 320 دونمًا من مزارع المنطقة بموجب المزاد.
وأضاف طلال أن المحافظة أجّرت الأراضي بـ25 ألف ليرة لدونم الأرض غير المروية، و40 ألفًا لدونم الأرض المروية، بينما سعر “ضمان” (استئجار) أقل دونم أرض تجاوز الـ150 ألف ليرة، ووصل إلى 300 ألف ليرة في بعض المناطق الأخرى.
وتابع أنه فقد حقه بالاستفادة من أرض أخيه لمصلحة المقربين من الأفرع الأمنية.
رغم طرح الأراضي بالمزاد، فإن حكومة النظام لم تحصّل الحد الأدنى لأجور الأراضي في المنطقة، وحصل على المنفعة مقربون من الأفرع الأمنية، حصروا المزاد فيما بينهم.
محمود، أحد المهندسين الزراعيين في منطقة سهل الحولة، طلب عدم ذكر اسمه الكامل، قال لعنب بلدي، أن أقل أجر لدونم أرض يتجاوز المئة ألف ليرة، ولو تم المزاد بشكل علني لحصلت حكومة النظام على مبالغ كبيرة على حساب أراضي المهجّرين، لكن سيطر على المزاد ثلاثة أو أربعة تجار، تقاسموا ما لا يقل عن ألفي دونم من الأراضي لتحقيق “أرباح خيالية” خلال الموسم الزراعي.
أملاك عالقة
فقد المهجّرون من مناطق سيطرة النظام قدرتهم على تأجير أراضيهم بعد أن طرحتها حكومة النظام في مزاد علني، وحُرموا حق الانتفاع من عقاراتهم بعد رحيلهم القسري نازحين داخليًا أو لاجئين خارج البلاد.
عبد المؤمن غالو، أحد المهجّرين من مدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إنه يملك 75 دونمًا في مزارع الرستن، أجّرها العام الماضي بـ150 ألف ليرة، لكنه خسرها هذا العام بعد وضع حكومة النظام يدها عليها بشكل علني.
وبهذا خسر المهجّرون حقهم بالانتفاع من أراضيهم بشكل كامل بعد أن فقدوا في السابق قدرتهم على بيعها، وذلك عندما أصدرت حكومة النظام قرارًا يقضي بفرض الحصول على موافقة أمنية للبائع والشاري حتى تتم معاملة نقل الملكية.
يوسف الأحمد من مدينة تلبيسة، يقيم حاليًا في ألمانيا، قال لعنب بلدي، إنه لم يستطع حتى بيع أرضه، بسبب عدم قدرته على الحصول على موافقة أمنية لإتمام معاملة نقل الملكية.
ما قانونية المزاد؟
لم يكن مزاد ريف حمص الأول من نوعه، إذ أعلنت وزارة الإدارة المحلية والبيئة في محافظة إدلب، عن بدء مزاد لاستثمار أشجار الفستق الحلبي، اعتبارًا من 2 من حزيران الماضي وحتى 15 من الشهر ذاته، وحددت الوزارة مدة العمل بموسم زراعي واحد.
كما وضعت الأمانة العامة لمحافظة حماة إعلانًا عن قبول طلبات الاشتراك بالمزاد العلني لاستثمار أشجار الفستق الحلبي، اعتبارًا من 30 من أيار الماضي ولغاية 7 من حزيران الماضي.
ويعيش العديد من أصحاب تلك الأراضي في المناطق الواقعة خارج سيطرة النظام السوري، ما يبيح للنظام استغلال غيابهم، والاستيلاء عليها، بحسب ما قاله بعض مالكي الأراضي لعنب بلدي.
عنب بلدي سألت حينها المحامي أحمد صوان حول قانونية المزادات، فأجاب أنه لا يمكن معرفة قانونية وضع الدولة لهذه الأراضي بالمزاد العلني، إلا بمعرفة المالك القانوني لكل أرض، وفق السجل العقاري.
وأضاف صوان، إذا كانت الأراضي تعود لأملاك الدولة، فإن من حق الدولة تأجيرها، وأما إذا كانت ملكية خاصة للأفراد، فلا يجوز للدولة ولا لأي جهة أن تستثمرها أو تعلن عن تأجيرها، لأن ذلك يعتبر اعتداء على ملكية شخص دون إرادته، وهو انتهاك لحقوق الملكية، والقانون المدني ينص في المادة “768” على أن “لمالك الشيء وحده، في حدود القانون، حق استعماله، واستغلاله”، وحق الملكية هو حق دائم، لا يسقط بعدم الاستعمال مهما طال الزمن.
كما أن هذا التأجير هو انتهاك للدستور السوري الحالي، الذي نص في المادة الـ”15″، على أن الملكية الخاصة مصونة وفق أن المصادرة العامة في الأموال ممنوعة، ولا تُنزع الملكية الخاصة إلا للمنفعة العامة بمرسوم ومقابل تعويض عادل وفقًا للقانون.
وأوضح صوان أن الأصل في حق استثمار هذه الأراضي يعود لمالكها، إن كان موجودًا في موقع الأرض، فإن كان مسافرًا فإنه يستطيع توكيل أي شخص يثق به لدى الكاتب العدل بالدولة الموجود بها، أو في القنصلية السورية.
ويقوم هذا الوكيل باستثمار العقار نيابة عن المالك، ولا يحق لأي جهة أن تعارضه باستثمار الأرض أو استعمالها.
وأما إن كان مالك الأرض مفقودًا أو غائبًا ومجهول العنوان، فإن باستطاعة أي شخص من أقاربه أن يحصل على وكالة قضائية عن الغائب من القاضي الشرعي بإجراءات سهلة وبسيطة.