الاستثمار الإماراتي لدى النظام.. إنقاذ اقتصادي أم كسر لقفل العزلة؟
عنب بلدي- حسام المحمود
شكّل افتتاح المستشفيات الميدانية الإماراتية في سوريا، خلال الأشهر القليلة الماضية، مؤشرًا على تصاعد التقارب الإماراتي مع النظام السوري، رغم تطبيع أبو ظبي علاقتها مع دمشق منذ عام 2018، حين افتتحت سفارتها في العاصمة السورية، بعدما أغلقتها عام 2012 مع دول خليجية أخرى (ليست منها سلطنة عمان)، بسبب استخدام النظام القوة المفرطة بحق المتظاهرين.
في محافظة حلب، شمالي سوريا، وبسعة 120 سريرًا، 40 منها للعناية المشددة، افتُتح مستشفى “الشيخ محمد بن زايد”، بدعم من “الهلال الأحمر الإماراتي”.
وزير الصحة في حكومة النظام، حسن محمد الغباش، ربط هذه الخطوة خلال مشاركته بالافتتاح، في 21 من تشرين الثاني الحالي، بالاستجابة الإنسانية لجائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، ودعم القطاع الصحي السوري، وتعزيز الصداقة والتعاون بين البلدين، وهي الأسباب ذاتها التي ذكرها أيضًا، في 30 من تشرين الأول الماضي، خلال مشاركته في افتتاح مستشفى حمل الاسم نفسه في حي المهاجرين، ضمن محافظة حمص.
المستشفى جاء أيضًا بدعم “الهلال الأحمر الإماراتي”، وبسعة 120 سريرًا، 20 منها للعناية المشددة، بينما اختلف عدد الأسرّة فقط في المستشفى الذي افتتحه غباش قرب قصر “المؤتمرات” في ريف دمشق، أواخر تموز الماضي، بحضور إماراتي كالمرات السابقة، وضمّ المستشفى 135 سريرًا، 40 منها للعناية المشددة.
ويأتي تتابع الدعم الإماراتي في هذا القطاع على أرضية بنى تحتية طبية هشّة لدى النظام، على مستوى البناء والأجهزة، والخدمات والقدرة الاستيعابية.
بنكهة الاستثمار
أعلنت وزارة الكهرباء في حكومة النظام، في 11 من تشرين الثاني 2021، توقيع اتفاقية تعاون مع “تجمع شركات إماراتية” لم تسمِّها، لإنشاء محطة توليد كهروضوئية، باستطاعة 300 ميغاواط، في منطقة “وديان الربيع”، قرب محطة توليد “تشرين” بريف دمشق، على أن تكون مدة التنفيذ سنتين اعتبارًا من تاريخ أمر المباشرة، وعمر المحطة الافتراضي 25 عامًا، وستوفر 125 ألف طن من مادة الفيول سنويًا، بقيمة 117 مليار ليرة سورية.
ويأتي هذا المشروع الاقتصادي من عمق حاجة النظام للكهرباء التي تدخل منذ سنوات في نظام تقنين يحرم المواطن منها لفترات تتعدى 20 ساعة يوميًا في معظم المناطق، وسبقه مشروع آخر في قطاع أساسي آخر لا يقل أهمية، وهو المياه.
وفي 23 من أيلول من العام نفسه، ذكرت صحيفة “الوطن” المحلية، أن الإمارات تتجه لدعم وتقديم المساعدة التقنية ونقل الخبرات اللازمة للإسهام في إعادة تأهيل وتطوير المنظومات والبنى التحتية المائية في سوريا.
واستندت الصحيفة إلى تصريحات وزير الطاقة والبنى التحتية الإماراتي، سهيل المزروعي، خلال لقائه وزير الموارد المائية السوري، تمام رعد، على هامش افتتاح المنتدى العربي الخامس للمياه، بحضور مشاركين من 22 دولة عربية.
هذا التوجه ترافق حينها مع أزمة مياه حادة في مناطق سيطرة النظام، ترجمتها “المؤسسة السورية للتجارة” ببيعها المياه المعدنية للمواطنين في صالاتها عبر “البطاقة الذكية”، دون تسجيل طلب، محددة “مخصصات” المواطن بجعبتي مياه كبيرتين، وجعبة صغيرة لكل أسبوعين، دفعة واحدة لمن يرغب.
وحول طبيعة الدعم الاقتصادي واتجاه الإمارات لاستثمارات من هذا النوع وأغراضها، يرى الباحث الأول في “البرنامج السوري للتطوير القانوني” إياد حميد، أن الجدوى الإعلامية لهذه الخطوات تفوق الواقع الاقتصادي المنشود من تنفيذها، على اعتبار أن النظام يستخدمها كرسائل دولية توهم بكسر العزلة التي يعيشها، وأن الأمور تسير في اتجاه التطبيع، كما أنها حمّالة رسائل داخلية مفادها أن الظروف الاقتصادية تسير باتجاه الأفضل.
وقبل اندلاع الثورة في سوريا عام 2011، كانت الإمارات من أكبر الدول العربية استثمارًا في سوريا، بإجمالي استثمارات يقدّر بنحو 20 مليار دولار أمريكي.
الباحث لفت أيضًا خلال حديثه لعنب بلدي، إلى إقامة مقربين من النظام في الإمارات، وإلى محاولة الاستفادة من النموذج الاقتصادي الإماراتي الذي يسعى لتحويل دبي إلى مركز مالي وتجاري دولي، فهي تستقطب أموال الهاربين من العقوبات (رجال أعمال روس مثلًا)، دون السؤال عن مصدر هذه الأموال.
ولا تزال الاستثمارات الإماراتية في سوريا ضمن نطاق ضيق، بسبب العقوبات الأمريكية التي تلجم التوسع الاقتصادي مع النظام، إضافة إلى عوامل سورية متمثلة بسوء الإدارة الاقتصادية والفساد، ودمار البنية التحتية، ما يحدّ جدًا من الفرص الاستثمارية المتوفرة حاليًا ومن جدواها الاقتصادية، كما أن الإمارات بهذه الحالة تنافس روسيا وإيران على القليل الموجود في سوريا.
وفي آذار 2021، ذكر وزير الخارجية الإماراتي، عبد الله بن زايد، أن التحدي الأكبر الذي يواجه التنسيق والعمل المشترك مع سوريا هو قانون “قيصر” الذي تفرضه الولايات المتحدة على النظام السوري.
واعتبر أن إبقاء القانون على حاله يجعل الأمر غاية في الصعوبة ليس على عمل الدول فقط، بل وعلى القطاع الخاص أيضًا، مؤكدًا أن بلاده ستتحاور مع الولايات المتحدة بهذا الشأن.
الباحث حميد يرى أن هناك حسابات إقليمية وراء الدعم الإماراتي، تتعلق بالمنافسة مع دول الجوار أو الاصطفاف في تيار عقائدي معيّن أو معاداة تيار آخر، لكنها تبني حساباتها أيضًا من منطلق التسليم بانتصار الأسد وبقائه في السلطة.
ولا يمتلك النظام السوري الكثير ليقدمه للإمارات في هذا السياق، مقدار ما يضر بها، مع استبعاد تطور علاقات الجانبين عن وضعها الحالي، بشقيها الاقتصادي والسياسي، وفق الباحث.
للسياسة سحرها
تسهيل سفر السوريين للإمارات، وإقامات ذهبية، ومشاركة سورية في مختلف الفعاليات والمهرجانات والمؤتمرات التي تستضيفها أبو ظبي، كل هذه التحركات و”مظاهر الود”، سبقها ويرافقها نشاط سياسي متواصل، كسر في الماضي جمود العلاقة، وقرّب الإمارات من النظام السوري أكثر من أي بلد خليجي آخر في الوقت الراهن.
وفي 18 من آذار الماضي، كانت الإمارات أول دولة عربية تستقبل رئيس النظام السوري، بشار الأسد، خلال زيارة رسمية، منذ اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سوريا عام 2011.
والتقى الأسد خلال زيارته القادة الإماراتيين، وعلى رأسهم نائب رئيس الدولة حينها (الرئيس الحالي)، محمد بن زايد، ونائب رئيس مجلس الوزراء، حاكم دبي، محمد بن راشد آل مكتوم.
هذا اللقاء سبقه الكثير من المقدمات التمهيدية، ومنها استقبال الأسد وزير الخارجية الإماراتي في تشرين الأول 2021، واتصاله هاتفيًا بالرئيس الإماراتي الحالي، في الشهر نفسه، بعد عام ونصف على اتصال سابق بدأ من أبو ظبي، في آذار 2020، لنقاش مسألة تفشي فيروس “كورونا”.
وبعد تجميد عضويته منذ 2011، كانت الإمارات دعت في أكثر من مناسبة لعودة النظام إلى الجامعة العربية، في موقف يتعارض مع رؤية “أشقائها” الخليجيين، وتحديدًا السعودية وقطر.
الباحث في مركز “الحوار السوري” الدكتور أحمد القربي، ربط العلاقة الإماراتية مع النظام السوري بموقف أبو ظبي من موجة الربيع العربي عمومًا، وهو موقف متحفظ عمومًا، وداعم لتيار “الثورة المضادة”.
وبحسب القربي، فالأمر بالنسبة للإمارات لا يرتبط بتحقيق الفائدة المباشرة، ومن غير الواقعي أيضًا الاعتقاد أن أبو ظبي تسعى لجذب النظام وإبعاده عن إيران، إذ أثبتت هذه الآلية فشلها أصلًا على مدار أربع سنوات من علاقات إماراتية- سورية زاد خلالها ارتماء النظام في الحضن الإيراني، وأغرقت الدول العربية بالمخدرات.
وبناء على هذه المؤشرات، يبدو أن توجهًا استراتيجيًا إماراتيًا يحرك العلاقة، على اعتبار أن إغلاق الملف السوري قد يغلق ملف ثورات الربيع العربي بنظر أبو ظبي.
ويمكن اعتبار التقارب الإماراتي مع النظام إحدى ثمار التقارب الإسرائيلي- الإماراتي أيضًا، كون استمرار الأسد في السلطة يصب في مصلحة إسرائيل، ما يرجح احتمالية أن يكون التقارب تفاهمًا إقليميًا تشارك به الإمارات وتحث عليه روسيا ولا تمانع به إسرائيل، وفق الباحث.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :