“ديليفري” القامشلي.. مهنة جديدة مصاعبها السلامة واستغلال الشركات
الحسكة – مجد السالم
مع ارتفاع أجور المواصلات في محافظة الحسكة بشكل عام، اتجه السكان إلى خدمات التوصيل (الديليفري) في شراء معظم حاجياتهم، توفيرًا للجهد والمال في التنقل داخل مناطق نفوذ “الإدارة الذاتية”.
وتعتبر خدمة توصيل الطلبات حديثة في القامشلي، إذ ظهرت أول شركة منذ نحو عامين، تبعها، مع ارتفاع الطلب، افتتاح شركات مشابهة تقدم الخدمات نفسها.
وتتراوح أجرة توصيل الطلب ضمن القامشلي، اليوم، بين ثلاثة آلاف وأربعة آلاف ليرة سورية، وكانت أجرة الخدمة نفسها لا تتجاوز 300 ليرة سورية عند إطلاقها عام 2020.
قبل ثمانية أشهر، باشر الشاب عبد الرزاق حسين (31 عامًا) العمل في خدمة “ديليفري” بمدينة القامشلي، ويبدأ عمله من الساعة الثامنة صباحًا وحتى المساء في توصيل الطلبات المنزلية على دراجته النارية.
وبدأ الشاب نشاطه في هذه المهنة بعد فترة من الزمن قضاها كعامل مياومة في أحد مستودعات الجملة للمواد الغذائية، بأجر يبلغ تسعة آلاف ليرة سورية يوميًا، لكن ساعات العمل الطويلة (12 ساعة) دفعته لترك العمل، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
في البداية كان العمل في التوصيل جيدًا ومريحًا، إلى حد ما، إذا ما قورن مع مهن أخرى، ولا يتطلب جهدًا بدنيًا عاليًا، بحسب ما قاله عبد الرزاق لعنب بلدي.
وأضاف، “مع مرور الوقت، تغيرت طبيعة العمل في المجال، إذ بدأت الظروف تسوء مع الارتفاع الكبير في الأسعار”، ما جعل أجرته اليومية التي تناهز 15 ألف ليرة سورية، غير كافية لتلبية احتياجات أسرته.
وخلافًا لمصاريف أسرته المكوّنة من أربعة أفراد، يستنزف المنزل الذي يقطنونه بالإيجار ثلث العائدات.
وخلال الأشهر الأخيرة، بدأت قيمة الليرة السورية بالانخفاض، ليعادل الدولار الواحد 4500 ليرة منتصف آب الماضي، ومع بداية تشرين الثاني الحالي، سجلت انخفاضًا جديدًا متجاوزة حاجز 5200 ليرة لكل دولار، بحسب موقع “الليرة اليوم” المختص برصد قيمة العملات.
مضايقات وعمل من دون تأمين
مع بداية إطلاق شركات التوصيل في مدينة القامشلي، رأى عاملون في مهن صعبة أنها فرصة لتغيير نظام عملهم إلى نظام أكثر راحة، وبعوائد مالية مقبولة، لكن الحال تغيرت مع اتساع شعبية هذا التخصص، بحسب ما قاله عمار، العامل في مجال التوصيل.
حسام السعيّد (39 عامًا)، وهو من سكان مدينة القامشلي، ويعمل في إحدى شركات التوصيل، قال لعنب بلدي، إنه لا وجود لقوانين “تنصف” العمالة في الشركة، خصوصًا أن العاملين في هذا القطاع مجبرون على العمل دون تأمين ضد المخاطر التي يتعرضون لها، كونهم في أغلب الأوقات يجوبون الشوارع المزدحمة بالسيارات على الدراجات النارية أو الكهربائية.
أضاف حسام أن احتمالية تعرض عمال التوصيل لحوادث مرورية مرتفعة بطبيعة الحال، كونهم يجوبون الشوارع معظم الوقت.
حوادث عديدة تعرض لها عدد من زملاء حسام في العمل، حسب قوله، أسفرت عن إصابتهم بجروح وكسور، بينما لم تتكفل الشركة التي يعملون بها حتى بأجور الطبابة الناجمة عن هذه الإصابات.
وتابع أن التعويضات “الرمزية” التي قدمتها الشركة للمصابين بحوادث سير، دفعت معظمهم للتخلي عن العمل في مهنة التوصيل.
حسام اعتبر أن المخاطر التي تحيط بالعمال في هذا القطاع لا تتحمل الشركة مسؤوليتها فقط، إنما، أيضًا، قوانين المنطقة التي لا تفرض وسائل الحماية للسائقين، الأمر الذي يزيد أي ضرر قد ينجم عن حادث مروري.
ولا يرتدي معظم العاملين في مجال توصيل الطلبات الخوذ الواقية للرأس، أو اللباس المخصص لعمال التوصيل لحماية المفاصل، ومناطق أخرى من أجسادهم.
وفي الوقت نفسه قال حسام، إن لامبالاة الشركة المشغلة لعمال التوصيل بسلامة الأفراد فيها، تدفع السائقين لشراء معاطف مطرية أو قفازات على حسابهم الشخصي، إذ لا توفر الشركة أي وسائل حماية لهم.
من جانبه، أوضح ممدوح الحاج، وهو إداري في شركة ” كويك ديليفري” بالقامشلي لعنب بلدي، أنه لم يسبق أن اشتكى أحد العاملين في الشركة من ضعف الراتب أو عدم توفر وسائل الحماية الشخصية، منذ افتتاحها قبل ثلاث سنوات.
وأكد الحاج أن الشركة تعطي العاملين فيها نسبة من أرباح العمل، وهي تقدم لهم لباسًا موحدًا ومعدات الحماية، كخوذة الرأس.
عاملون في الشركة نفسها، نفوا ما قاله إداري الشركة، إذ قال حسام لعنب بلدي، إن وسائل الحماية غير متوفرة بالقدر الذي تحاول الشركة تصويره، وحتى إن توفرت فهي تقتصر على خوذة الرأس فقط.
ومن المتعارف عليه أن عمال التوصيل يحتاجون إلى وسائل حماية لأجزاء من الجسد، كالمفاصل والكفين والرأس، إضافة إلى ملابس تقيهم الأمطار في الشتاء.
لا أجور ثابتة
من بين السائقين العاملين في مجال توصيل الطلبات بمدينة القامشلي، قلة قليلة تتقاضى رواتب أو أجورًا ثابتة، ومعظمهم يتقاضون أجورًا لقاء عملهم اليومي.
حسام، على سبيل المثال، لا يتقاضى راتبًا ثابتًا، إنما يعمل لقاء نسبة متفق عليها مع الشركة، مقابل كل طلب توصيل، وهو نظام أجور يراه “جيدًا أحيانًا”، فإذا كانت الطلبات في يوم معيّن وفيرة، من الممكن أن تسد نقص الطلبات في أيام أخرى.
واعتبر حسام أن نظام العمل على شكله الحالي يصبح غير مناسب في أيام إغلاق السوق التي تفرضها “الإدارة الذاتية”، كالمناسبات والأعياد والمسيرات والمظاهرات، إضافة إلى إغلاق “كورونا” سابقًا.
وفي هذه الحالة، تتدنى الأجور، ولا تكفي لتأمين المستلزمات الأساسية من غذاء ودواء وغيرهما، بحسب حسام.
ويزداد الأمر صعوبة في حال طلبت الشركة من العامل أن يؤمّن دراجة نارية أو كهربائية أو هوائية، للعمل عليها خلال فترة زمنية معيّنة، حينها يترتب على عامل التوصيل تغطية تكاليف المحروقات والأعطال على حسابه الشخصي.
ومن جانب آخر، في حال قررت شركة التوصيل تحديد راتب شهري ثابت للعامل فيها، يكون هذا الراتب غير كافٍ معظم الأحيان، كحال عبد الرزاق الذي يعمل في الشركة نفسها.
عبد الرزاق قال لعنب بلدي، إن العمال لا ينفكّون عن المطالبة برفع الأجور، وفق النظامين، أي أن تكون هناك رواتب ثابتة مع نسبة من أجرة التوصيل للطلبية الواحدة.
في حين تزيد “الإدارة الذاتية” من صعوبات المهنة عندما تمنع ركوب الدراجات النارية في أوقات مهمة جدًا للعمل، كالأعياد التي يزيد فيها اعتماد السكان على خدمة التوصيل، ويمنحون العمال “إكراميات” مالية مجزية خلالها، بحسب عبد الرزاق.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :