وصلت أعداد الحالات المشتبه بإصابتها بمرض “الكوليرا” في مناطق شمال غربي سوريا إلى 26 ألفًا و150 حالة، بينما وصل إجمالي عدد الوفيات نتيجة الإصابة بالمرض إلى 16 حالة وفاة، بحسب أحدث إحصائية صادرة عن برنامج الإنذار المبكر والاستجابة للأوبئة (EWARN) في سوريا، في 18 من كانون الأول الحالي.
وتثير زيادة أعداد الإصابات بـ”الكوليرا” في المنطقة تخوف سكان المخيمات في الشمال السوري من إصابتهم بالمرض، وسط ضعف الخدمات الطبية والمعيشية في المنطقة، وبيئة تعتبر “مثالية” لانتقال الأمراض بسهولة.
عبد اللطيف العبسي (54 عامًا)، يقيم في أحد المخيمات المجاورة لمدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن قريبه أصيب بمرض “الكوليرا” وهو الآن بحالة صحية “حرجة”، مضيفًا أن معظم المقيمين في المخيمات لديهم مخاوف “كبيرة” من انتشار المرض أكثر.
عمرو محمد (41 عامًا)، يقيم أيضًا في مخيم على أطراف مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إن ظروف المخيمات المعيشية مؤهلة لانتشار الأمراض المختلفة في المخيمات، إذ يعاني المقيمون فيها عدم توفر المياه المعقمة، بينما يضاف إلى المياه التي تصل إلى المخيمات كلور غير صحي وبطرق بدائية تلحق الضرر بالأطفال.
وتنتشر في المخيمات حشرات الذباب والبعوض، وغيرها من الحشرات وسط إهمال الجهات المشرفة على المخيمات رش المبيدات الحشرية
لمياء العباس (40 عامًا) قالت لعنب بلدي، إن معظم مخيمات المنطقة تعاني غياب البنية التحتية وشبكات الصرف الصحي الآمنة، ولا سيما مع حلول فصل الشتاء وانتشار المستنقعات نتيجة مياه الأمطار وتجمع مياه الصرف الصحي.
واعتبرت لمياء أنه بعد انتشار المرض زاد اهتمام سكان المخيمات أكثر بالنظافة العامة ونظافة خزانات المياه الموجودة في المخيمات.
ظروف “مواتية” للانتشار
يعد الكوليرا مرضًا شديد العدوى وينتج عن طريق جراثيم تنمو وتتكاثر في المياه الراكدة وغير المعالجة بالكلور الصحي، وينتقل المرض عبر تناول الطعام والشراب الملوث بالجرثومة أيضًا.
الطبيب زيد العبد الله، المقيم في مدينة إدلب، قال لعنب بلدي، إنه هناك مخاوف “جادة” من ارتفاع أعداد الإصابات بمرض “الكوليرا” لمستويات “كبيرة”، ناتجة عن الظروف المعيشية والاكتظاظ السكاني الكبير الذي تعانيه المخيمات وسط عدم وجود شبكات صرف صحي آمنة.
وطالب الطبيب بضرورة إنشاء مراكز علاج مخصصة في مناطق قريبة من المخيمات في حال استمر ارتفاع الإصابات بهذا المرض، وضرورة رفع الاستعدادات والقدرات الكفيلة بمواجهة مثل هذا النوع من الأمراض والأوبئة.
وفي وقت سابق، أعرب ملحق الشؤون الإنسانية للأمم المتحدة في سوريا، عمران رضا، عن قلقه الشديد إزاء تفشي الكوليرا المستمر في سوريا، مؤكدًا ضرورة اتخاذ إجراءات سريعة وعاجلة لمنع مزيد من الإصابات والوفيات.
المزروعات تُسقى بالصرف الصحي
يعتمد عدد من المزارعين على المياه الآسنة ومياه الصرف الصحي غير المعالجة لسقاية المزروعات، ما يؤدي إلى أضرار بيئية كثيرة على التربة، ويساعد في انتشار الأمراض والأوبئة ولا سيما “الكوليرا”.
المهندس الزراعي حسين العباس، المقيم في إدلب، قال لعنب بلدي، إن قلة المياه وارتفاع أسعار المحروقات وضعف قدرة المزارع على استجرار المياه لسقاية المزروعات جعلت المزارعين يعتمدون في السقاية على المياه الآسنة ومياه الصرف الصحي رغم التأثيرات السلبية والأضرار الكبيرة التي تحملها تلك المياه على التربة، كتركيز الأملاح ومسببات الآفات الزراعية.
وأضاف العباس أن جميع المزروعات تتأثر بالسقاية من مياه الصرف والمياه الثقيلة والعادمة، لكن الخضار الورقية تتأثر بشكل أكبر من بقية المزروعات.
وأشار المهندس إلى أن الناس العاديين لا يستطيعون التفريق بين المنتج المروي بمياه سليمة أو المروي بمياه الصرف الصحي، بينما يتحمل المسؤولية هنا الجهات المختصة التي يجب عليها القيام بفحوصات لنسب العناصر الثقيلة ومسببات الأمراض داخل هذه الثمار.
واعتبر المهندس أن من الضروري تشكيل لجنة مشتركة طبية وهندسية زراعية لتفقد المحاصيل والتربة وتحديد مخاطرها وإتلاف المزروعات المروية بمياه الصرف الصحي، وعمل محاضر ضبط وإرسالها للجهات القضائية للمحاسبة، بسبب خطورة ري المزروعات بمياه الصرف الصحي ودوره الكبير في نشر الأوبئة والأمراض.
“صحة إدلب” تحاول الاحتواء
المدير الإعلامي لمديرية الصحة في إدلب، عماد زهران، قال لعنب بلدي، إن مديرية الصحة وضعت خطة لمكافحة انتشار وباء “الكوليرا” في إدلب، من خلال افتتاح خمسة مراكز عزل لاستقبال المرضى بالتعاون مع الشركاء كبداية والتخطيط لافتتاح مراكز أخرى، بالإضافة إلى الرصد والمتابعة للحالات والبيئة المحيطة، ومناصرة وفتح منصة لاستقطاب المانحين ودراسة الاحتياج.
وحول استجابة المديرية لانتشار المرض في المخيمات، أوضح زهران أن المديرية تعمل على زيادة عدد فرق الصحة المجتمعية لزيادة الوعي كونه “السلاح الأقوى” في مواجهة المرض، بالإضافة إلى تحسين وضع البنية التحتية في أماكن انتشار المخيمات، وتحسين وضع الإرواء وحصص المياه في المخيمات، والتركيز على مواد النظافة في المساعدات المقدمة، والعمل على إتلاف المحاصيل المروية بمياه الصرف الصحي.
وفي 25 من أيلول الماضي، أعدّت عنب بلدي ملفًا ناقشت فيه مدى الانتشار الحالي لمرض “الكوليرا” في سوريا، وأسبابه، وآفاق الانتشار، بالإضافة إلى طبيعة الإجراءات المتخذة لاستيعاب المرض، أو محاولات وقف أسبابه من قبل الجهات المحلية أو الأممية العاملة في المنطقة.
اقرأ أيضًا: الكوليرا.. سوريا نحو “السيناريو الأسوأ“
–