“مطلوب عامل، نبحث عن عمال، بحاجة إلى موظف، هل تقبلون العمل معنا”، عبارة بصياغات متعددة ولغات مختلفة ملصقة على واجهة عشرات المحال في مسافة تمتد حوالي كيلومترين، بين منطقتي بازارتكه ويوسف باشا في القسم الأوروبي من مدينة اسطنبول التركية.
المنطقة التي تعتبر من أكثر مناطق اسطنبول اكتظاظًا بالمحال والمتاجر، تشهد طلبًا متزايدًا للعمال على السابق، من أجل سد فجوة نقص اليد العاملة وليس لارتفاع نشاط حركة السوق، بحسب ما رصدته عنب بلدي بعد لقائها بعدد من أصحاب المحال.
لا تقتصر لافتات البحث عن عمل على قطاع دون غيره، فهي موجودة على واجهات مطاعم وفنادق ومحال بيع أدوات سفر وأجهزة إلكترونية، ومحال حلاقة وعطورات، ومراكز خدمة الإنترنت وغيرها، إضافة إلى محال بيع الألبسة والأحذية في الشوارع الرئيسة والفرعية.
رواتب لا تناسب ارتفاع الأسعار
تختلف قيمة الأجور الشهرية بين محل وآخر، باختلاف طبيعة العمل وعدد أيام العطل في الشهر، والوجبات المقدمة وغيرها من عوامل تؤثر على قيمة الراتب.
وتبدأ الرواتب الشهرية من 6500 ليرة تركية إلى تسعة آلاف ليرة، وتختلف في آلية التسليم، فمنها يُعطى بشكل يومي وأسبوعي وشهري، وهي قابلة للزيادة بحسب امتلاك الخبرة واللغة.
مصطفى (26 عامًا) يعمل في مطعم سوري بمنطقة يوسف باشا، أوضح لعنب بلدي أن المطاعم دائمًا بحاجة إلى يد عاملة، لكن ما يختلف عن السابق هو سعي المطعم وبحثه عن عمال، مشيرًا إلى أن العمال هم من كانوا يبحثون سابقًا ويسألون المطاعم عن عمل.
وذكر الشاب أن أجر عامل النظافة اليومي يبلغ 200 ليرة يوميًا، وعامل الصالة من 220 إلى 240 ليرة، ويتراوح أجر “الشيف” بين 270 و320 ليرة تركية حسب الخبرة والمطعم وساعات العمل.
ولفت الشاب إلى أن بعض المطاعم تمنح العمال وجبة أو وجبتي طعام خلال ساعات العمل، ويحصل العامل على يومي عطلة خلال الشهر، وهذا ما اعتبره الشاب من سلبيات المطاعم.
وتشهد الليرة التركية اضطرابات مستمرة بانخفاض قيمتها أمام الدولار، إذ بلغ سعر صرف الدولار الأمريكي 18.62 ليرة تركية اليوم، بحسب موقع “Döviz” المتخصص بأسعار الصرف والعملات الأجنبية.
صاحب إحدى صالات ألعاب الإنترنت في منطقة تشابا، الواقعة بين منطقتي بازارتكه ويوسف باشا، يبحث عن موظف، قال إنه يمنح راتبًا شهريًا بقيمة سبعة آلاف ليرة تركية.
ويمنح صاحب الصالة الموظف يومي عطلة خلال الشهر، ولا يقدم وجبات أو بدل مواصلات، مشيرًا إلى أن العمل مريح، وأن الراتب مناسب لكن ارتفاع الأسعار الذي تشهده تركيا لا يتناسب مع الرواتب المدفوعة.
في تموز الماضي، أعلن الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، رفع الحد الأدنى لأجور العاملين 30%، ليصبح خمسة آلاف و500 ليرة تركية، تبدأ اعتبارًا من تموز إلى نهاية السنة والإعلان عن حد أدنى جديد للأجور.
وتشهد تركيا ارتفاعًا في مختلف أسعار السلع والمواد، إضافة إلى ارتفاع إيجارات المنازل التي أصبحت تقاسم المستأجرين حياتهم، وسجل معدل التضخم في تركيا ارتفاعًا خلال تشرين الأول الماضي، بنسبة 3.54% على أساس شهري، ومعدل 85.51% على أساس سنوي، وفق بيانات معهد الإحصاء التركي.
وبحسب بيانات موقع “Trading Economics“، المحدثة شهريًا، فقد حلّت تركيا سادسًا على مستوى ارتفاع التضخم عالميًا.
هجرة.. ترحيل وعودة
كثيرة هي الأسباب التي ذكرها عاملون وأصحاب محال لعنب بلدي، والتي كانت كفيلة بعزوف العمال، ونقصهم في المنطقة، في طليعتها الهجرة وعودة اللاجئين إلى بلادهم.
وشهدت الأشهر الماضية موجة هجرة لآلاف اللاجئين بشكل متقطع مستغلين الظروف الجوية والطبيعية سواء عبر البر والبحر إلى اليونان، ومنها إلى دول أوروبية عديدة.
كما طفت على السطح، في أيلول الماضي، قضية الهجرة عبر رحلات وقوافل “غير نظامية” إلى أوروبا، حذّرت منظمات إنسانية وحقوقية منها، أبرزها “قافلة النور”.
ولعبت “العودة الطوعية” للسوريين دورًا في نقص العمال، بالإضافة إلى ترحيل عشرات الآلاف من الأجانب في نطاق مكافحة الهجرة “غير الشرعية”.
وباتت عودة السوريين تزعج أرباب العمل الذين يعتمدون على السوريين كعمالة رخيصة، ويواجهون مشكلات بسبب الذين بدؤوا العودة إلى بلدانهم، وفق ما ذكرته صحيفة “Cumhuriyet” التركية في أيلول الماضي.
وقالت الصحيفة، إن عودة السوريين إلى بلادهم أدت إلى نقص في الكوادر بالعديد من القطاعات وخاصة في قطاع المنسوجات، حيث بات أرباب العمل يشتكون من أن أوضاعهم تزداد صعوبة في ظل رحيل السوريين الذين يوظفونهم مقابل رواتب متدنية.
وبلغ عدد الأجانب الذين اتُّخذ بحقهم قرار الترحيل من تركيا، في نطاق مكافحة الهجرة “غير الشرعية”، ما مجموعه 148 ألفًا و12 شخصًا، منذ بداية العام الحالي وحتى 4 من تشرين الثاني، وفق بيان أصدره مكتب ولاية اسطنبول.
تعقيدات الأوراق الثبوتية
السبب الثالث لافتقار المحال لليد العاملة، كان الحملات الأمنية على الأوراق الثبوتية في الشوارع وفي أماكن العمل، التي عرّضت مئات السوريين الذين لا يملكون تصريح عمل، والحاملين لوثيقة “الحماية المؤقتة” (الكملك) لعمليات سواء ترحيل إلى داخل الأراضي السورية، أو العودة إلى ولاية استخراج “الكملك”.
الشاب أيهم (33 عامًا) عامل في مطعم سوري في منطقة الحسكة (منطقة بين بازارتكه ويوسف باشا)، قال لعنب بلدي، إنه قرر ترك العمل بسبب رفض السلطات تجديد تصريح إذن العمل الخاص به بعد محاولته للمرة الرابعة، دون أسباب.
وذكر الشاب الذي يحمل “كملك” من ولاية كوجالي قرب الطرف الآسيوي من اسطنبول، أنه مضطر للعودة للبحث عن عمل في كوجالي نظرًا لعدم تجديد إذن العمل، وليتجنب الوقوع في مخالفة باسطنبول.
وأوضح أيهم أن حاله مشابهة لحال ثلاثة عمال معه في المطعم، لا يزالون يحاولون تجديد تصريح عملهم للمرة الثالثة خلال شهرين، قبل انتهاء مدته، وفي حال استمر الرفض، سيترك شاب ويُكمل العمل اثنان وهما مخالفان دون توفر التصريح.
اقرأ أيضًا: لاجئون سوريون في تركيا.. ترحيل “قسري” وظروف احتجاز “سيئة”
الأسواق بحاجة
نقص العمال حالة غير مقتصرة على منطقتي بازارتكه ويوسف باشا وما بينهما، أو منطقة الفاتح القريبة منهما، أو حتى اسطنبول ذات النشاط التجاري والصناعي الكبير، إنما تكررت مشاهد البحث عن يد عاملة بطرق مختلفة وبمناطق متعددة وصلت إلى توجه السلطات في بعض الولايات إلى البحث أيضًا.
وبدأت بلدية كافاك في ولاية سامسون (تبعد حوالي 700 كيلومتر عن اسطنبول) في آب الماضي، البحث عن عمال في المنطقة عن طريق مكبرات الصوت من أجل توظيفهم في المصانع ضمن المناطق الصناعية، ودعت إدارة الشرطة في المنطقة الباحثين عن عمل للتوجه إلى وحدة العلاقات العامة في البلدية.
وتشهد مدينة إزمير (تبعد حوالي 480 كيلومترًا عن اسطنبول) نقصًا في اليد العاملة والموظفين في العديد من القطاعات أبرزها الغزل والنسيج، كما تتزايد الحاجة إلى العمال في قطاع الصناعة وفق ما ذكرته وكالة الأنباء التركية “IHA” في تشرين الثاني الحالي.
وقال رئيس غرفة إزمير للخياطين والحلويات، مصطفى غوفن، للوكالة، إنهم نظموا دورة خياطة مع المعهد الدولي للخياطة (IMEP)، لسد الفجوة وتلبية الحاجة من موظفين في قطاع النسيج، ويحاولون إقناع الشباب بالعمل في هذا القطاع.
وسبق أن نقلت الوكالة، في أيلول الماضي، شكوى أصحاب مطاعم الكباب في مدينة أضنة (تبعد حوالي 922 كيلومترًا عن اسطنبول) من صعوبة العثور على عمال في مطاعمهم رغم استعدادهم لدفع رواتب مجزية وتزيد على الحد الأدنى للأجور.
–