بصرى الشام.. آثار مهددة بالانهيار جراء الإهمال وانقطاع الدعم
بعد كل غارة لطيران النظام السوري على قلعة “بصرى الشام”، كان ناصر يذهب ويتفقد جدران ومدرجات المنطقة الأثرية في المدينة الواقعة شرقي المحافظة، التي كانت معقلًا مهمًا لفصائل المعارضة حتى تموز 2018.
ناصر (30 عامًا)، وهو أحد أبناء مدينة بصرى الشام، ويهتم بالآثار المنتشرة، فيها قال لعنب بلدي، إن اللحظة التي قصفت فيها دبابات النظام مجسم “سرير بنت الملك” متسببة بانهياره، لا يمكن أن تُنسى.
ولا تزال مدينة بصرى الشام الأثرية تعاني الإهمال رغم دخولها تصنيف “يونسكو” للتراث العالمي، إذ لم تسهم المنظمة التابعة للأمم المتحدة في عمليات الترميم، سواء خلال فترة سيطرة فصائل المعارضة، أو حتى بعد سيطرة النظام السوري على المنطقة.
وتعرضت المدينة لأعمال النهب والتخريب المتكررة، تزامنًا مع قصفها المستمر من قوات النظام، ما خلّف دمارًا ببعض المعالم الأثرية فيها.
كما لم تقدم حكومة النظام السوري أي دعم لحماية آثار المدينة وما حولها، منذ سيطرتها عليها عام 2018، بينما لا يمكن للنظام التحرك بحرية في المنطقة، نظرًا إلى انتشار “اللواء الثامن” فيها، وإدارته لشؤونها المدنية والأمنية.
أخطار تجاهل الترميم
قال الباحث في علم الآثار سليمان العيسى لعنب بلدي، إن التغيرات المناخية من أمطار وثلوج وجفاف، تؤثر عادة في البنية المعمارية للمواقع الأثرية.
وتزداد أهمية هذه التغيرات مع الدراية بأن أسطح المنازل في بصرى القديمة مبنية من الطين، إذ يحتاج إلى “الرص” في أول موسم الشتاء، للإبقاء عليه متماسكًا، ومنع نفاذ الماء إلى داخله، وبطبيعة الحال، هذا الأمر ينطبق على الجدران المبنية من الطين والقش التي يمكن أن تتهاوى في حال امتدت المياه أو الرطوبة إليها بكميات كبيرة.
ويرى العيسى أن إهمال العناية بالمواقع الأثرية والعزوف عن ترميمها، خصوصًا الترميم الإسعافي، يزيد من تخريب المواقع، وقد يؤدي إلى انهيارها بشكل أسرع وخسارتها بشكل كامل.
وأشار الباحث العيسى إلى أن الوضع المعيشي المتردي لسكان المنطقة، دفع بهم للبحث “العشوائي” عن اللقى الأثرية، ما تسبب بتدمير بعض المواقع المهمة منها.
المنظمات غائبة
ناصر ذكر لعنب بلدي أن دور المنظمات الدولية في ترميم هذه الآثار معدوم، ولم يسبق لها أن حضرت إلى المنطقة منذ لحظة سيطرة النظام السوري عليها.
بينما حاولت مديرية آثار بصرى تنفيذ عمليات ترميم “خجولة”، لم ترقَ إلى حجم الضرر الذي لحق بالمدينة وبنيتها الأثرية.
وحول عدم مشاركة “يونسكو” في ترميم قلعة “بصرى”، قال الباحث سليمان العيسى، إن المؤسسات الأممية تحكمها قوانين ونظم داخلية، وتعتبر مواردها المالية من المبالغ المدفوعة من قبل الدول الأعضاء في الأمم المتحدة، وبالتالي تخضع لسياسات الدول تجاه بعض المناطق.
ونظرًا إلى العقوبات الأوروبية والأمريكية المفروضة على النظام السوري، فإنها ملتزمة بالقرارات الأممية، ولا يمكنها الحياد عنها.
وأضاف العيسى أن المنظمات الأممية من الممكن أن تتدخل “بشكل مخفي” لدعم بعض المناطق الأثرية، لكن هذا النشاط يبقى على نطاق “محدود جدًا”، وغالبًا غير معلَن.
وأضاف العيسى أن جهود مديرية الآثار والمتاحف في درعا “بسيطة وضعيفة”، إذ تملك الخبرات البشرية، لكن ينقصها الدعم المادي والتقني وبعض الخبرات العالمية المتخصصة في مجال الآثار.
اهتمام روسي
في كانون الأول عام 2021، قال مدير آثار بصرى الشام، علاء الصلاح، لإذاعة “شام إف إم” المحلية، إن وفدًا ثقافيًا من الخبراء الروس في الأكاديمية الثقافية الروسية والمتخصصين في مجال الآثار وترميمها، أجروا مسحًا جويًا بالطيران المسيّر للمدينة القديمة بشكل كامل.
وأضاف أن هذه الخطوة جاءت لتوثيق الأضرار ووضع خطة مبدئية من أجل إعادة إحيائها وترميمها، بموجب تصور إلكتروني ثلاثي الأبعاد، وضم الوفد إعلاميين من التلفزيون الرسمي الروسي.
الصلاح أكد أن هناك تواصلًا مع منظمة ألمانية، لم يذكر اسمها، إذ “تم الاجتماع مع كوادرها عبر تقنية الفيديو، لتسليط الضوء على الأضرار وتهجير السكان من المدينة القديمة، ممن كانوا يعملون بالسياحة والمهن التقليدية ودُمِرت بيوتهم، وورشات عملهم”، على حد قوله.
وأشار إلى أن بصرى الشام تشهد توقفًا لحركة السياح منذ عام 2011 بشكل كلي، عازيًا السبب إلى أن “العقوبات المفروضة على البلاد تؤثر على قطاع السياحة، وتمنع العديد من المنظمات من العمل في البلاد أو تمويل المشاريع”.
وكانت عنب بلدي أعدّت ملفًا سلّطت الضوء فيه على النشاطات الروسية في عدة مواقع أثرية، ومكاسبها الحالية والمستقبلية من السيطرة على هذا القطاع، ودور منظمة “يونسكو”.
روسيا دمرت المنطقة
في حزيران 2018، قصف الطيران الروسي وطيران النظام السوري ريف درعا الشرقي بشكل متواصل، ما تسبب بأضرار لحقت بالمدرج الروماني في قلعة “بصرى الشام” الأثرية.
وكانت فصائل المعارضة سيطرت بشكل كامل على مدينة بصرى الشام، في آذار 2015، وشكّلت هيئة عُرفت باسم “دائرة آثار بصرى الشام”، مهمتها حماية وترميم وتوثيق الآثار والمتاحف في المدينة.
وقال مدير دائرة آثار بصرى الشام، أحمد العدوي، لعنب بلدي حينها، إن الطيران الروسي والسوري استهدفا القلعة بأربع غارات جوية، خلال التمهيد لعمل عسكري بري على الجنوب السوري، ما تسبب بأضرار كبيرة في المكان.
وأضاف أن الأضرار تركزت في الطبقة الثانية والثالثة من المدرج الروماني، بالإضافة إلى أضرار “جسيمة” في ساحة “الأوركسترا” داخل القلعة.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :