مالك جندلي.. موسيقار سوري من أجل السلام

  • 2022/11/24
  • 12:25 م

تحمل معظم القطع الموسيقية التي يعزفها ويؤلفها الموسيقار العالمي مالك جندلي شيئًا من هويته السورية، بما تحويه من ألم ومعاناة وتعطّش للحرية والفن، في محاولة لترك أثر في الشارع السوري والعالمي وتجسيد واقع السوريين.

وكرّس الموسيقار فنه، منذ انطلاق الثورة السورية في 15 من آذار 2011، لنقل صوت السوريين الذين يواجهون آلة القمع لنيل حريتهم من خلال حديثه المستمر عن الوجه الحقيقي للثورة ومطالبها.

موسيقا جندلي جابت مختلف دول العالم، لكنه اختار لقب “الموسيقار السوري”، باعتبار سوريا وثورتها أساس موسيقاه وشخصيته، وفق ما قاله خلال لقاء مع عنب بلدي، في اسطنبول التركية.

“موسيقا من أجل السلام”

بينما عمل النظام السوري من خلال إعلامه والفنانين الموالين له على اتهام كل من شارك بالاحتجاجات الشعبية وأيّد الثورة ولو بكلمة، بـ”الإرهاب”، حاول جندلي ربط موسيقاه بـ”السلام”.

واعتبر جندلي أن من مسؤولياته كإنسان سوري التأكيد على سردية السلام، التي ظهرت بكتابات أطفال درعا على الجدران، وأصوات السوريين التي طالبت بالحرية.

ويرى جندلي أن القمع الذي قابل فيه النظام السوري هذه الثورة، والواقع الذي يعيشه السوريون الذين ما زالوا يهربون من الموت، تأكيد على أن تهمة “الإرهاب” التي يتحدث عنها النظام ليست إلا محاولة لتشويه الحقيقة.

وحملت إحدى المقطوعات الموسيقية التي ألفها الموسيقار اسم “سلام“، كما ألحق باسم معظم المقطوعات الأخرى عبارة “من أجل السلام”.

كما أسس جندلي منظمة “بيانو من أجل السلام”، وهي منظمة دولية غير ربحية تهدف لبناء السلام من خلال الفن ومنح جميع المجتمعات فرصة لتعلم الموسيقا، كما تعرّف عن نفسها.

القوة الناعمة للفن

رغم مضي 11 عامًا على انطلاقة الثورة السورية، وارتكاب آلاف الانتهاكات ضد المدنيين من قبل مختلف أطراف النزاع، ما زال جندلي يؤمن بالقوة الناعمة للفن ودوره بمواجهة “الإجرام”.

وقال جندلي إن النظام السوري استخدم “سياسة الأرض المحروقة”، إذ عمل على تشويه تاريخ سوريا من خلال استهداف المعالم التاريخية، وحاصر السوريين لجعل حاضرهم “مأساويًا”، بالإضافة إلى استمراره بقتل أحلامهم ليتركهم بلا مستقبل.

بينما يعد الفن إحدى الأدوات التي يستطيع السوريون من خلالها الحفاظ على التراث المادي واللامادي ونقله للعالم، وفق ما قاله جندلي.

الموسيقا هي الأداة الوحيدة التي يملكها جندلي باعتباره فنانًا سوريًا، لكنه يصر على اعتبارها القوة الناعمة القادرة على اجتياز الحواجز الجيوسياسية والجغرافية والزمانية دون الحاجة إلى إذن.

ومن خلال موسيقاه، عمل جندلي على دعم القضية التي آمن بها، معتبرًا الفن بوابة الأمل بالنسبة للسوريين الذين ما زالوا يعانون ويواجهون القتل والتعذيب والتهجير.

ويرى جندلي أن دور الفنانين، وكل إنسان قادر على نقل صوت السوريين، تصحيح المفاهيم والحقائق التي يسعى النظام السوري والعالم لتشويهها.

“الفن هو البحث عن الحق والحقيقة والجمال، أنا مدين لأطفال سوريا والشعب السوري لأنهم بوصلة الفن الذي أقدمه”

وعلى سبيل المثال، انتقد مالك استخدام كلمة “Migrant” لوصف السوريين، موضحًا أن تعريفها في قاموس “Oxford” يدل على من ينتقل من مكان إلى آخر من أجل إيجاد عمل أو ظروف معيشية أفضل، وهذا ليس واقع السوريين الهاربين من جرائم الحرب، لافتًا إلى الأثر التي يمكن أن يتركه الاستخدام الخاطئ للكلمات على تشويه الحقائق.

ويرى جندلي أن الكلمة شكل من أشكال الفن القادر على نقل رسالة السوريين وصوت ثورتهم إلى العالم.

وبعد سنوات من محاولات تكميم الأفواه، وفرض حالة الخوف التي قيّدت إبداع السوريين، اعتبر الموسيقار أن مسؤولية السوريين “المنفيين” حمل قضيتهم بكل السبل الممكنة، خصوصًا من خلال الفن.

قضية “إنسانية”

خلال السنوات الماضية، تبدلت مواقف العديد من الشخصيات السورية البارزة، بينهم فنانون، تجاه الثورة السورية، باعتبارها تحوّلت إلى قضية سياسية يمكن أن يؤثر موقفهم منها على حياتهم العملية.

“مالك جندلي لا ينتمي لأي حزب سياسي، فهل هناك من يوافق على قتل طفل أو تدمير صرح حضاري عمره آلاف السنين؟ هذه جرائم ضد البشرية وليست ضد الشعب السوري وحسب”، هكذا برر جندلي سبب ثباته على موقفه تجاه الثورة.

وقال جندلي، إن القضية السورية إنسانية انتُهك فيها القانون الدولي لحقوق الإنسان، واستُهدفت خلالها حضارات لا تخص السوريين وحدهم، ما يفرض على كل إنسان في هذا العالم الوقوف في أطفال سوريا الأحرار.

ومن هذا المنطلق يسعى جندلي ليكون إنتاجه الفني بلغة عالمية تنقل القضية السورية دون أن ينطق بكلمة.

من مالك جندلي؟

ولد مالك جندلي عام 1972 في مدينة فالدبرول بألمانيا، وأمضى طفولته بينها وبين مدينة حمص التي ينحدر منها، بينما انتقل لاحقًا إلى مدينة نيويورك التي يقيم فيها حاليًا، وحصل على الجنسية الأمريكية.

تعلم جندلي الموسيقا منذ طفولته، ودرسها أكاديميًا في المعهد الحالي للموسيقا بدمشق.

أعاد جندلي توزيع إحدى أقدم المقطوعات الموسيقية المكتشَفة في مدينة رأس شمرا السورية، وأنتج ألبومًا بعنوان “أصداء أوغاريت”.

كما أصدر العديد من الألبومات التي ضمت مؤلفاته لـ”البيانو” و”الأوركسترا”، بينها “السيمفونية السورية” وسيمفونية “القاشوش” و”حمص”، التي حاول من خلالها أن يجسد مدينة بالموسيقا، بالإضافة إلى إنتاج أغنية “وطني أنا”.

وعُزفت مقطوعاته الموسيقية من قبل العديد من فرق “الأوركسترا” حول العالم وفي مختلف المسارح ودور “الأوبرا”.

ومؤخرًا أصدر جندلي سيمفونية “وردة الصحراء” التي عزفتها “أوركسترا قطر الفلهارمونية” في “متحف قطر الوطني”، وتهدف “وردة الصحراء” للحفاظ على التراث العربي من خلال طرحه بشكل عالمي، وفق ما قاله جندلي لعنب بلدي.

وتضم السيمفونية عملًا من تسع حركات يحتفي بأنشودة “المسحراتي” وأغنية “أم الحنايا”، بالإضافة إلى حركة اسمها “وردة الصحراء” ترمز للوقت الذي تتطلبه تلك الوردة لتتشكل.

وحصل الموسيقار على عدة جوائز عالمية، من بينها جائزة “الموسيقا العالمية الإنسانية” لعام 2014، وفي 2015 كرمته مؤسسة “كارنيجي” في نيويورك بصفته مهاجرًا عظيمًا.

مقالات متعلقة

فن وثقافة

المزيد من فن وثقافة