قوانين "تقيّد حياتنا"..
سوريون في ألمانيا يرفضون تمويل النظام عبر جوازات سفرهم
عنب بلدي – لجين مراد
“هذه الأموال سيستخدمها النظام لتعذيب أبي”، هكذا وصفت الناشطة السورية وفا مصطفى شعورها حين أُجبرت على تجديد جواز سفرها في سفارة النظام السوري بألمانيا، الذي يخفي أباها قسرًا منذ تسع سنوات.
أُجبرت وفا على مراجعة السفارة، لتكون واحدة من بين العديد من السوريين الحاصلين على “الحماية المؤقتة” الذين تجبرهم القوانين في ألمانيا على مراجعة الجهة التي لجؤوا هربًا من قبضتها، بحسب ما قالته وفا لعنب بلدي.
دفع ذلك وفا ومئات الناشطين السوريين المقيمين في ألمانيا لإطلاق حملة بعنوان “Defund Assad” بالتعاون مع منظمة “Adopt a Revolution” في محاولة للضغط على السلطات الألمانية لإيقاف تمويل النظام السوري من خلال إجبار السوريين على تجديد جوازات سفرهم.
ورغم أن القضية ليست جديدة على السوريين، لاقت الحملة منذ إطلاقها قبل حوالي شهر تفاعلًا كبيرًا من قبل وسائل الإعلام ورواد مواقع التواصل الاجتماعي.
“لن ندعم القاتل”
بدأت وفا محاولة تجديد إقامتها في ألمانيا في تشرين الأول 2018، بعد نحو عامين من حصولها على الإقامة المؤقتة، لكن “دائرة شؤون الأجانب” في ألمانيا عرقلت معاملتها بعد أن طلبت جواز سفر سوريًا ساري الصلاحية.
قدمت الناشطة اعتراضًا على ذلك، وأوضحت فيه تعرض أبيها للإخفاء القسري حتى اليوم، وتعرضها للاعتقال في وقت سابق، إلى جانب نشاطها المستمر منذ سنوات ضد النظام.
في المقابل، اعتبرت الجهات المسؤولة أسبابها “غير مقنعة”، وطالبتها بإحضار أوراق رسمية تثبت اعتقال والدها، بحسب ما قالته لعنب بلدي.
“كان الطلب صاعقًا، أي شخص مطلع على إجرام يدرك استحالة الحصول على أوراق تثبت وجود شخص في معتقلات النظام”، تابعت وفا.
مورو العلي (31 عامًا) يعيش واقعًا مشابهًا، إذ رفض تجديد جواز سفره ومراجعة النظام الذي انشق عنه منذ سنوات، ولجأ إلى ألمانيا هربًا من الملاحقة الأمنية، وحصل على “الحماية المؤقتة” عام 2016.
“قُتل قريبي لأنه رفض المشاركة بقتل السوريين”، هذا ما اعتبره مورو واحدًا من مئات الأسباب التي تجعله يرفض دعم “القاتل”.
ورغم أنه قدم وثائق تثبت انشقاقه، لم تكن أسباب رفض تجديد جواز سفره مقنعة للجهات المسؤولة.
أنواع الحماية في ألمانيا
اللجوء:
يتمتع بحق اللجوء الأشخاص الملاحَقون سياسًيا الذين يكونون عرضة لانتهاكات صارخة لحقوق الإنسان إذا أعيدوا إلى البلد الذي جاؤوا منه لأسباب مختلفة (العرق، القومية، التوجه السياسي، الدين والانتماء إلى مجموعة اجتماعية معينة)، وليست لديهم إمكانية للبحث عن الحماية ضمن بلدهم الأصلي أو في مكان آخر.
ويحصل اللاجئ على تصريح بالإقامة لمدة ثلاث سنوات، ويمكن الحصول على الإقامة الدائمة بعد مدة خمس سنوات.
الحماية المؤقتة:
تُمنح الحماية المؤقتة للأشخاص الذين يثبتون أن هناك أخطارًا جسيمة تهددهم، وأنه ليس بإمكانهم الحصول على الحماية الكافية في بلدانهم الأصلية.
ويمكن أن يكون مصدر هذه الأخطار جهات حكومية أو غيرها. وتشمل الأخطار الجسيمة: الحكم بالإعدام أو التعذيب أو العقوبات والتعاملات اللاإنسانية المهينة.
ويحصل الحامل لبطاقة “الحماية المؤقتة” على تصريح للإقامة مدته سنة، ويمكنه الحصول على تصريح إقامة دائم بعد خمس سنوات إذا استوفى شروط ذلك.
المصدر: “BAMF“
ألمانيا “سجن كبير”
“أنا سجين بسجن كبير اسمه ألمانيا”، قال مورو بعد أن ترتب على رفضه تجديد جواز سفره عرقلة معظم أوراقه القانونية.
ورغم مواجهة مورو العديد من المشكلات، كمنعه من السفر ومن فتح حساب بنكي، وتراجع فرص العمل، ما زال يرفض تجديد جواز سفره.
بينما توجهت وفا لتجديد جواز سفرها، والشعور الوحيد الذي يسيطر عليها، أن هذه الأموال ستُستخدم لتعذيب والدها وقتل السوريين.
وأضافت، “حاولت لمدة عام العثور على بديل، لكنني كنت مجبرة على تجديد جوازي لألتقي بإخوتي ووالدتي الذين لم ألتقِ بهم منذ نحو أربع سنوات”.
“السفر بالنسبة للسوريين ليس رفاهية، عائلاتنا مشتتة ومن حقها أن تلتقي، تقييد الحركة يلغي حقيقة أن ألمانيا وجهة آمنة، ويجرّد السوريين من شعورهم بالأمان نفسيًا ولوجستيًا”
الناشطة السورية في ألمانيا وفا مصطفى |
وبسبب خطأ بحالتها الاجتماعية، أُجبرت وفا على مراجعة السفارة مرة أخرى لاستخراج ورقة بيان عائلي، وفق ما قالته لعنب بلدي، لافتة إلى أن هذه حالة من عشرات الحالات التي يُجبر فيها السوريون على مراجعة سفارة النظام، ما يجعل القوانين في ألمانيا تقييدًا لحياتهم.
حملة “Defund Assad”
هي حملة أطلقتها منظمة “تبنَّ ثورة” (Adopt a Revolution) وهي منظمة غير ربحية، تدعم المجتمع المدني السوري في سوريا وألمانيا، منذ أكثر من 11 عامًا.
وتعد نتاج استطلاع للرأي، شمل أكثر من ألف سوري، حول تجاربهم المتعلقة بوجوب استخراج جوازات السفر.
أجرت منظمة “Adopt a Revolution” هذا الاستطلاع، الذي يعدّ أول دراسة مهمة حول مسألة وجوب استخراج جواز سفر للاجئين في ألمانيا.
وتهدف الحملة للضغط على السلطات الألمانية للحد من إجبار السوريين على مراجعة سفارة النظام السوري.
النظام مستفيد.. ماليًا وأمنيًا
يُعد جواز السفر السوري ثاني أغلى جواز سفر في العالم، بحسب تقرير نشرته شبكة “CNN” في أيار الماضي.
وتبلغ رسوم منح أو تجديد جواز أو وثيقة سفر للسوريين ومن في حكمهم، الموجودين خارج سوريا، بشكل فوري 800 دولار أمريكي، و300 دولار أمريكي ضمن نظام الدور العادي، بحسب الموقع الرسمي لوزارة الخارجية السورية والمغتربين.
وإضافة إلى تلك الرسوم، التي تسمى رسوم المعاملة، توجد تكاليف إضافية، كالحصول على موعد “مستعجل” عبر مكاتب وسيطة.
وبينما تصر ألمانيا والعديد من الدول المضيفة للسوريين على إجبار السوريين على تجديد جوازات سفرهم، يستفيد النظام السوري بحوالي 100 مليون يورو من رسوم تجديد الجواز في ألمانيا وحدها، بحسب موقع حملة “Defund Assad”.
“نتساءل كيف يستمر النظام حتى هذه اللحظة رغم العقوبات الاقتصادية، بينما تجديد جوازات السفر واحد من عشرات التفاصيل التي دعمت الأسد اقتصاديًا”، وفق ما قالته الناشطة السورية وفا مصطفى.
وأضافت وفا، “ألمانيا تدّعي أنها ليست لديها علاقات دبلوماسية مع النظام، لكن ما تفعله منذ سنوات يعتبر تمويلًا مباشرًا لحكومة معاقَبة اقتصاديًا”.
من جهته، يرى المحامي السوري في ألمانيا والمستشار القانوني لمجموعة “ملفات قيصر”، إبراهيم القاسم، أن إجبار السوريين على تجديد جوازات سفرهم يسهم ببناء قاعدة بيانات من قبل النظام، ما يجعلهم تحت خطر المراقبة الدائمة.
واعتبر القاسم أن هذه الخطوات انتهاك لحق اللاجئين بالحصول على الحماية من الجهة التي دفعتهم للجوء ومغادرة سوريا، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وبحسب تقرير أصدره “المركز السوري للعدالة والمساءلة”، مطلع العام الحالي، فإن السلطات في البلدان المضيفة للسوريين، “تصعّب” عليهم إثبات طلبات لجوئهم من خلال استخدام وثائق صادرة عن حكومة النظام السوري.
وأضاف التقرير أن حكومة النظام تستفيد ماليًا من أزمة جوازات السفر منتهية الصلاحية، ما ينتهك حق السوريين في حرية التنقل، ويهدّد سُبل الحماية القانونية لهم خارج البلد.
ما المسار القانوني؟
يتمتع اللاجئون بحقوق الإنسان غير القابلة للتصرف، وتستند الحقوق إلى مبادئ أساسية هي المساواة، وعدم التمييز والشمولية، وذلك بموجب المعاهدات المعنية والقوانين الدولية، بحسب ما قاله المحامي إبراهيم القاسم.
وأضاف القاسم أنه بموجب ذلك، يحق لكل شخص تنطبق عليه صفة لاجئ أو شخص عديم الجنسية في أي دولة من الدول الأطراف في اتفاقية اللاجئين لعام 1951 المتعلقة بصفة اللاجئين وبروتوكولها لعام 1967، التي تعتبر أساس نظام حماية اللاجئين الدولي، الحصول على “وثيقة سفر الاتفاقية” التي تحل محل جواز السفر الوطني.
وفيما يتعلق بجوازات السفر، يمكن التمييز بين حالتين، الأولى أن من حصل على حق اللجوء تمنحه الحكومة الألمانية وثائق سفر ألمانية، وبموجب ذلك لا يحق للجهات المختصة إجباره على زيارة سفارة النظام السوري في برلين، وفق ما قاله المحامي.
بينما يجب على من يحمل الإقامة المؤقتة أن يجدد جواز سفره الصادر عن الحكومة السورية ممثلة بسفارتها في برلين.
ولفت القاسم إلى وجود حالات استثنائية بموجب القانون الألماني، يُمنح فيها حملة الإقامة المؤقتة وثائق سفر بعد تقييم كل حالة على حدة من قبل المختصين.
وبحسب المحامي، يمكن لكل شخص يرفض التوجه إلى السفارة السورية الاعتراض على طلب تجديد جواز السفر أمام الدائرة المختصة نفسها أو التوجه إلى القضاء المختص للنظر في مثل هذه الحالات، ويعود تقدير هذه الحالات بشكل فردي.
القانون يبرر
بعد تزايد تدفق اللاجئين السوريين إلى ألمانيا، بدأت الحكومة بمنح السوريين “الحماية المؤقتة” عوضًا عن صفة اللجوء، ما يعني إجبار اللاجئين السوريين على تجديد إقاماتهم بشكل دوري حتى الحصول على الإقامة الدائمة.
ومنذ بدء احتجاج السوريين على إشكالية مراجعة سفارة النظام السوري لتجديد جوازات سفرهم، بررت الحكومة الألمانية ذلك، في كانون الأول 2018، بأن “الحديث مع سلطات وطنهم الأم من أجل الحصول على جواز سفر هو مسألة تبقى مطلوبة من حيث المبدأ”.
وفي 2018، قدّم “المركز السوري للدراسات والأبحاث القانونية” اعتراضًا لوزارة الخارجية الألمانية، ضد إجبار السوريين في ألمانيا على تجديد الجوازات.
بدورها، وعدت الوزارة بدراسة حالة السوريين بشكل منفصل، ودراسة أسباب اعتراض كل منهم على تجديد جوازه، ومنح وثيقة السفر عوضًا عن الجواز لمستحقيها.
بينما لم تردّ السلطات الألمانية ولم تستجب للحملة التي أطلقها السوريون مؤخرًا حتى لحظة نشر هذا التقرير.
ويبلغ عدد اللاجئين السوريين الموجودين في ألمانيا 674 ألفًا و655 لاجئًا، وفق إحصائيات اللجوء الخاصة بمكتب الاتحاد الأوروبي لعام 2021.
وشكّلت ألمانيا أعلى نسبة طلبات لجوء في دول الاتحاد الأوروبي خلال 2021، إذ بلغت نسبة طلبات اللجوء فيها 27% من إجمالي طلبات اللجوء لأول مرة، التي بلغ عددها 148 ألفًا و200 طلب.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :