درعا – حليم محمد
دفعت الأحداث التي تشهدها درعا منذ سنوات، عشرات الأشخاص لتكريس عدسات كاميراتهم وأقلامهم لنقل الواقع الميداني في المنطقة، لكن الواقع الأمني بعد سيطرة النظام السوري على المنطقة، جعل مهمتهم محفوفة بالمخاطر.
وفرضت الأوضاع الأمنية بعد سيطرة النظام على محافظة درعا، في تموز 2018، أخطارًا أمنية على حياة الإعلاميين الذين استمروا في تغطية الأحداث، ما أسفر عن تعرض عدد منهم للاغتيال والاعتقال، فيما يعيش قسم منهم ضمن حالة من الخوف والحذر من أخطار وتحديات أمنية محتملة.
وفي مطلع تشرين الثاني الحالي، قُتل الإعلامي عاطف الساعدي، في أثناء تغطيته المعارك بين مجموعات محسوبة على “اللجان المركزية” ومدعومة من “اللواء الثامن”، ومجموعات متهمة بالانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية”، ليكون واحدًا من عشرات الإعلاميين الذين قضوا ضحية عملهم.
خطر الاعتقال هاجس يلاحق الإعلاميين
يلاحق شبح القبضة الأمنية الناشطين والصحفيين في مناطق سيطرة النظام، ما يجعل الاعتقال هاجسًا يفرض على الإعلاميين العمل بسرية وإخفاء أسمائهم واستخدام وسائل الأمان الرقمي المتاحة.
“صرت مطلوبًا لثلاثة أفرع أمنية بتهمة التعامل مع قنوات مغرضة”، هذا ما قاله الإعلامي محمد المفعلاني، المقيم في ريف درعا الشرقي، لعنب بلدي.
وبدأ المفعلاني عمله في مجال الإعلام بعد “تسوية 2018″، ليملأ الفراغ الذي تركه “الإعلام المعارض” بعد سيطرة النظام، وفق قوله.
وأضاف أن “ماكينة” النظام الإعلامية تصدّرت المشهد بعد أن لجأ معظم الإعلاميين إلى خارج سوريا، والتزم بعضهم الآخر الحياد خوفًا من القبضة الأمنية، على حد قوله.
قبل عام 2018، كانت المحافظة الجنوبية تضم عشرات الصحفيين والمراسلين وتجارب إعلامية محلية، تراجعت بفعل السطوة الأمنية.
ودفعت المخاوف الأمنية زاهر (تحفظ على ذكر اسمه الكامل لأسباب أمنية)، لاعتزال النشاط الإعلامي خوفًا من الاغتيال والاعتقال بعد أن عمل لسنوات مصورًا مع فصائل “الجيش الحر”.
وانتهى عمل زاهر (25 عامًا) بانتهاء سيطرة الفصائل على المنطقة، ليتوجه لأعمال المياومة الزراعية، بحسب ما قاله لعنب بلدي.
من جهته، قال الإعلامي محمود (27 عامًا)، إن النظام السوري في حالة دراسة أمنية مستمرة للإعلاميين السابقين، لافتًا إلى أن معظم المعتقلين الذين أُفرج عنهم سُئلوا عن الإعلاميين في المنطقة خلال فترة اعتقالهم.
هذا ما دفع محمود للعمل بسرية وحذر شديد، واستخدام اسم وهمي لإخفاء هويته.
واعتقلت قوات النظام، في آب 2020، الناشط الإعلامي وليد الرفاعي، خلال مداهمة منزله في بلدة أم ولد بريف درعا الشرقي، بعد تعرضه لسلسلة من محاولات الاعتقال.
وسبق ذلك اعتقال قوات النظام الناشط الإعلامي محمد المذيب من سكان مدينة نوى بعد سيطرة قوات النظام على المنطقة الجنوبية.
وفي 16 من آب الماضي، تلقت عائلة الناشط الإعلامي تيسير العيسى نبأ وفاته في المعتقل بعد اعتقاله في أواخر عام 2018.
مضايقات أمنية
يلاحق النظام السوري الإعلاميين في درعا، ويراقبهم حتى في غرف “تلجرام” ومجموعات “واتساب” المخصصة لنقل الأخبار.
وفي كانون الثاني الماضي، سربت شرطة محافظة درعا قوائم تضم 192 اسمًا، بينهم نساء، مطلوبين لانضمامهم إلى مجموعة “واتساب” متهمة بـ”التطاول على هيبة الدولة” جراء تداول الموجودين فيها أخبارًا عن الواقع الميداني في المنطقة.
وأجريت، في 27 من الشهر ذاته، “تسوية” في مبنى “السرايا” لهذه الأسماء، الأمر الذي دفع الكثير من الإعلاميين لتجنب الانضمام إلى مجموعات مشابهة.
وقال الناطق الرسمي باسم “تجمع أحرار حوران”، “أبو محمد الحوراني”، إن من أسس السلامة للإعلاميين استخدام أسماء مستعارة، والابتعاد عن استخدام خطوط الشبكات السورية قدر الإمكان.
كما يجب على الإعلاميين تجنب حمل هواتفهم التي تحوي ملفات العمل في أثناء المرور على حواجز النظام.
ضحايا حوادث اغتيال
قُتل الإعلامي عاطف الساعدي، في 6 من تشرين الثاني الحالي، بعد يومين من تعرضه لمحاولة اغتيال أمام منزله في بلدة المزيريب غربي محافظة درعا.
وفي حديث سابق لعنب بلدي، قال الساعدي، إن حالات استهداف الإعلامين في درعا ما زالت في تصاعد، إذ تعرض العديد من الإعلاميين والصحفيين من أبناء المحافظة للاغتيال والاعتقال خلال السنوات الأربع الماضية.
واعتبر أن عمليات استهداف الإعلاميين هي سياسة يتبعها النظام وتنظيم “الدولة الإسلامية”، لـ”كم الأفواه” والحيلولة دون نقل صورة حقيقية من المنطقة.
واغتال مجهولون، في تشرين الأول 2020، الإعلامي شادي السرحان في مدينة داعل تزامنًا مع اغتيال الإعلامي بشير الفراج في مدينة انخل.
ووثّق “مكتب توثيق الشهداء” في درعا اغتيال 136 ناشطًا إعلاميًا وصحفيًا في محافظة درعا، منذ اندلاع الثورة السورية عام 2011 حتى نيسان الماضي.
وأوضح المكتب أن 55 إعلاميًا منهم قُتلوا خلال عمليات استهداف بعبوات ناسفة واشتباكات، بينما قُتل 40 آخرون نتيجة قصف قوات النظام للمحافظة، إضافة إلى تسعة عاملين في القطاع الإعلامي قُتلوا إثر استهدافهم مباشرة بالرصاص على أيدي مجهولين، وإعلاميَين قُتلا قنصًا من جانب قوات النظام، وثلاثة آخرين أُعدموا ميدانيًا، وثمانية قُتلوا تحت التعذيب.
نظرة القانون السوري إلى الإعلام
قال المحامي عاصم الزعبي، وهو من أبناء محافظة درعا، إن الدستور السوري المعدل في 2012 يكفل حرية التعبير والإعلام والنشر “شكليًا”، معتبرًا أن النظام أصدر هذا الدستور لصورته خارجيًا فقط، ما يعرّض أي إعلامي للملاحقة من قبل أجهزة النظام الأمنية.
وأضاف الزعبي أن المخاطر لا تقتصر على النظام، فالمكوّنات الأخرى للمشهد في درعا أسهمت بشكل كبير بتقويض العمل الإعلامي.
وكانت حكومة النظام السوري بدأت بتطبيق التعميم رقم “3 ” لعام 2022، المرتبط بجرائم المعلوماتية في سوريا.
وفرض التعميم تضييقًا أكبر على الإعلاميين الموجودين في مناطق سيطرة النظام، إذ اعتُقل العديد من الأشخاص بتهمة التواصل مع صفحات “مشبوهة” على أحد مواقع التواصل الاجتماعي تُدار من خارج القطر.
ويُكرّس التعميم رقم “3” لتعطيل حرية الرأي والتعبير، التي هي في الأصل منقوصة بشكل كبير في سوريا وشبه معدومة، على الرغم من أنها مصونة نظريًا بالمادة رقم “42\2” من الدستور السوري الصادر عام 2012، بحسب تقرير صادر عن منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”.
ورغم ارتفاع سوريا مرتبتين على مؤشر “حرية الصحافة” الخاص بمنظمة “مراسلون بلا حدود” لعام 2022 عما كانت عليه في عام 2021، لا تزال الانتهاكات بحق الصحفيين مستمرة في سوريا وسط استمرار القيود الكاملة على عمل الصحفيين في جميع المناطق الخاضعة لأطراف النزاع.
وفي تشرين الثاني الحالي، وثّق “المركز السوري للحريات الصحفية” في “رابطة الصحفيين السوريين” 50 انتهاكًا ضد الصحفيين منذ مطلع العام الحالي، ليرتفع عددها منذ 2011 إلى ألف و471 انتهاكًا.