رؤساء سوريا على “سوشيال ميديا”.. فصام أم كوميديا؟ 

  • 2022/11/20
  • 2:17 م

محمد صابر الشرتح وعبدالله الحمصي ووسيم زكور (تعديل عنب بلدي)

عنب بلدي – ضياء عاصي

“غصبًا عن عقولكم العفنة.. قادم لتطهير سوريا- 97% من الشعب يلزمه الحرق والإبادة و3% يحق لهم العيش- ادعموني لرئاسة الجمهورية العربية الإسلامية- أنا العبد الفقير.. نحن لسنا رعاة بقر، سأكون عند حسن ظنكم- غالبية السوريين وسارية السواس إخوة”.

كانت هذه مقولات متفرقة لشخصيات جدلية أعلنت عزمها الترشح للانتخابات الرئاسية في سوريا خلال الأعوام الخمسة الماضية، ما أثار سخرية واسعة النطاق من ظاهرة المرشحين الهزليين على وسائل التواصل الاجتماعي.

الانتخابات الرئاسية الأخيرة في سوريا عام 2021، والتي جرت في أجواء غير ديمقراطية، دفعت للتشكيك على مستوى واسع في صحّتها، انتهت بفوز رئيس النظام السوري، بشار الأسد، بأغلبية كاسحة، بحسب ما كان متوقعًا مسبقًا، بشكل حوّل منصب الرئاسة إلى موقع تهكّم، وهو أمر لم يكن ممكنًا قبل 2011، ولو من باب الكوميديا.

يرى العديد من رواد مواقع التواصل، بحسب ما رصدته عنب بلدي، أن الظاهرة مشروع محاكاة لواقع عدم وجود بديل عن الأسد، وأن الغرض من ذلك هو كسب الشهرة، بينما لا يزال بعض مرشحي “وسائل التواصل” ينشطون، فيما تلاقي فيديوهاتهم ورسائلهم المصوّرة إقبالًا لدى المتابعين.

تناقش عنب بلدي مع باحثين ومختصين، الأسباب المجتمعية للظاهرة، والحالة النفسية للمرشحين.

المهمة المستحيلة

سلكت شخصيات، مثل رجل الأعمال السوري عبد الله الحمصي المقيم في تركيا، طريقًا مليئًا بالدراما التشويقية في مسيرتها للرئاسة، تجلى ذلك في مغامرات الحمصي مع قوى الأمن التركية والسورية، ومواجهة محاولات إيقافه.

وكانت آخر هذه المغامرات، اعتقاله من قبل الشرطة التركية منذ 10 من أيلول الماضي، لتحريض السوريين في تركيا على الإضراب الشامل عن العمل احتجاجًا على حملة العنصرية التي يواجهونها.

بالمقابل، لم تصدر أي جهة رسمية بيانًا في اعتقال الحمصي، الذي أعرب عن افتخاره بدخول السجن من أجل الدفاع عن حقوق السوريين، بحسب تعبيره.

وكان الحمصي أعلن نيته الترشح للانتخابات في 2017، مروّجًا لرؤيته “سوريا 2021” تحت عنوان، “من دمشق إلى اسطنبول، حكاية مهاجر سيعود إلى سوريا رئيسها وبانيها ومستقبلها بمشيئة الله”، التي سببت سيلًا من التعليقات الساخرة حينها.

عام 2019، أعلن الحمصي عن إنشاء حزب للسوريين في تركيا، “بموافقة الحكومة التركية”، وأطلق على حزبه اسم “الحزب السوري الأول”، ودعا جميع السوريين من الداخل والخارج للانضمام إلى الحزب.

وأصر الحمصي، الذي تعود أصوله إلى مدينة المليحة في الغوطة شرق دمشق، على الخوض في ميدان السياسة، رغم إعلانه سابقًا عن “التفاته للاهتمام بعائلته وأولاده”، وقال إنه سيكون رئيسًا عام 2021، ليس “عبر الانتخابات، بل بحل عسكري”.

وفي مذكراته التي يدوّنها في صفحته الرسمية على “فيسبوك”، كما يسميها، قال الحمصي، إنه خطط لمحاولة انقلاب عسكري في دمشق منتصف 2021، بدخول مجموعات عسكرية مؤلفة من قرابة الأربعة آلاف عسكري، بالإضافة إلى عملية اغتيال الأسد في ذات اليوم.

ولكن “بسبب الخيانات التي تعرض لها من قبل المقربين”، وصلت المعلومات إلى الأسد، ما أفشل مخططه إلى جانب أسباب كثيرة لم يفصح عنها، مشيرًا إلى أنه سيتركها للتاريخ، بحسب تعبيره.

ربما كان الحمصي الأكثر اتزانًا بين من قدموا أنفسهم كمرشحين لرئاسة سوريا، إذ قدم خلال الأعوام الماضية مجموعة من مقاطع الفيديو من إنتاج شركته التي تعمل في مجال الهندسة المعمارية، ومقرها غازي عينتاب، وتحوي مشاريع معمارية قال إنها ستنفذ في سوريا.

نموذج الشرتح

على الجانب الآخر من الصراع على العرش، ظهر اللاجئ السوري في السويد محمد صابر الشرتح، الذي نصّب نفسه رئيسًا مستغنيًا عن دعم السوريين، ومستمدًا ثقته من توافق المجتمع الدولي عليه، بحسب ادعائه.

وأعلن الشرتح (67 عامًا)، المنحدر من مدينة حاس في محافظة إدلب، ترشحه للرئاسة في حزيران 2020، وقال “اعلموا بأني رئيس سوريا القادم.. غصبًا عنكم، وغصبًا عن عقولكم العفنة، وغصبًا عن شواربكم”.

وغزا فضاءات الإنترنت بفيديوهات احتوت السباب والشتائم، ما ساعده على الانتشار الكبير في أوساط الشباب الذين حوّلوا ردود فعله إلى “ميمز”، ولاقت رواجًا للتعبير عن السخرية من موقف ما.

عقب الانتقاد الذي طال الشرتح، من جراء لهجته غير المهذبة في خطاباته، وصلت بعض التعليقات للمساس بوالدته، ما اضطرها للخروج عبر الفيديو على “يوتيوب” لتتبرأ منه، مؤكدة أنه يعاني مشكلات نفسية، قائلة، “هذا العجي ما هو طبيعي”.

وأضافت، “هذا ما هو رئيس.. هذا رئيس غنمات.. هذا كلب”، وترجّت الناس ألا يذكروا عرضه بالسوء.

وأوضحت أنها من عائلة “مستورة”، ترمّلت بعمر 35 عامًا، وتسكن بخيمة بصحبة ابنتين مريضتين، ولا يوجد رجل يعينهن، ووجهت لابنها رسالة قالت فيها، “بينما تريد أن تصبح رئيسًا، أليس الأولى لك أن تلتفت إلى أهل بيتك”.

وأشارت الأم إلى أن عقل ولدها “المجنون”، بحسب تعبيرها، لم يعد يحتمل، “وهو يقبض الدولارات في أوروبا، بينما والدته تبحث عن الليرة”، ولفتت إلى أنه تعرض لغسيل دماغ خلال جلوسه في تركيا سابقًا.

ماذا عن الدوافع؟

في حديث إلى عنب بلدي، قال الطبيب النفسي إسماعيل الزلق، إن الأشخاص الذين يتوهمون بأنهم منقذون أو مخلّصون، لا بد أنهم يعانون اضطرابات نفسية.

وأوضح الطبيب الزلق أن الأشخاص الذين يتوهمون العظمة، ويرون في أنفسهم رؤساء أو أنبياء، يواجهون مشكلة في ترجمة الواقع، ولكن يصعب تشخيص المرض عن بُعد في حالة الشرتح وغيره.

في بعض الأحيان، تكون الأوهام جزءًا من مرض نفسي آخر، على سبيل تعرض الشخص لكآبة شديدة يتولد عنها الوهم، كما يمكن لارتفاع مزاج الشخص أن يؤدي للوهم أيضًا.

ويمكن للأوهام، بحسب الطبيب، أن تأتي ضمن مرض الفصام أو انفصام الشخصية (الشيزوفرينيا)، أو كمرض منفصل غير ناجم عن حالة نفسية قبلها، ويسمى هنا “الاضطراب الوهامي”.

يتفوقون على الأسد

قارن العديد من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بين الأسد والشرتح من ناحية التأثير، من خلال ملاحظة عدد المشاهدات في أثناء إلقاء الأول كلمة أمام مجلس الشعب، بثتها القناة “الإخبارية السورية” عبر صفحتها الرسمية على “فيسبوك”.

وفي حين بلغ عدد المشاهدين للكلمة المباشرة للأسد 6400، تجاوز عدد مشاهدي البث المباشر للشرتح على صفحته الرسمية في “فيسبوك”، في ذات الوقت، ثلاثة أضعاف مشاهدات الأسد بمجموع 24100 مشاهد.

وانقسم المتابعون بين من أرجع ارتفاع عدد مشاهدات الشرتح إلى كونه شخصية كوميدية، وبين من دافع عن كونه شخصية سياسية.

وقال مؤيدوه، إن الكوميدي هو بشار نفسه، وأطلقوا شعار “الشرتح أو نشرشح البلد”، بحسب ما رصدته عنب بلدي.

يزعم الشرتح بأنه اعتُقل لمدة عامين، عندما كان مديرًا لمكتب وزير الداخلية والرئيس السابق لجهاز المخابرات السوري في لبنان، غازي كنعان، برتبة ملازم أول، لضربه ضابطًا برتبة مقدم لأمور سياسية، وهي معلومات ليس هناك ما يثبتها.

وعند سؤاله في إحدى المقابلات عن الأقوال التي تفيد بأنه مجنون، قال الشرتح، “المجنون من يدمر الأوطان ويشرد الملايين، ومن يضرب بالبراميل المتفجرة”، في إشارة إلى بشار الأسد.

وفي إحدى الندوات الحوارية، قال الشرتح، إنه كان يستخدم الكوميديا السوداء السياسية، من أجل استيعاب كل السوريين، وهو ما حصل، بحسب قوله.

وأوضح أن هدفه ليس الكرسي، لكنه استخدم الكرسي، وقال إنه “الرئيس القادم رغمًا عن شواربكم”، نظرًا إلى ما يحمله الشارب من مكانة عند السوريين، وأراد أن “يلفت الانتباه، ويستنهض العقلاء ليقولوا له قف عندك، من أنت يا شرتح لتأتي رغمًا عنا”.

وأعرب عن أسفه لذهاب الوسائل التي استخدمها والرسائل التي حاول إيصالها سدى.

وأضاف أنه عندما أبدى موقفه الجدّي، استمر “الشعب الغوغائي”، حسب وصفه، بشتمه، موضحًا أنه لا يعارض ذلك، مقابل أن “تُنفض الصوبيا العفنة” برؤوسهم، في سبيل رسم مستقبل سوريا.

يعد تشخيص الفصام أمرًا صعبًا، وغالبًا ما يُكتشف بعد مرور خمس سنوات من حدوث الإصابة، يرجع ذلك إلى أن الأعراض في المراحل الأولية تكون غير مميزة مثل القلق، والتوتر، واضطرابات النوم، والحزن غير المبرر، بالإضافة إلى شعور المريض بأنه منبوذ ومحل سخرية من الآخرين، وأنه دائمًا ما يُساء فهمه، وفقًا للطبيب النفسي الألماني سانديب روت.

وتلعب العوامل النفسية والاجتماعية دورًا في بداية ظهور الاضطراب والمسار الذي يتخذه، كما يرتبط الإفراط في تعاطي المواد المخدرة بزيادة خطورة الإصابة بهذا الاضطراب، وفقًا لمنظمة الصحة العالمية.

الشرتح “الحجاج”.. والحمصي “ابن أبي سفيان”

يُعرّف المرشح عبد الله الحمصي عن نفسه عبر صفحته الرسمية في “فيسبوك” بأنه “عبد الله بن خالد بن يزيد بن معاوية بن أبي سفيان”.

كما يصف نفسه بأنه “حامل لواء المستضعفين”، وهو صاحب مقولة “غالبية السوريين وسارية السواس إخوة”.

بينما أطلق الشرتح على نفسه لقب “الحجاج الثاني”، وقال إنه قادم ليحصد الرؤوس، موجهًا كلامه لجميع الفاسدين في المناطق المحررة ومناطق سيطرة النظام على حد سواء.

وتوعد بعهد من الحكم بالحديد والنار، مبررًا ذلك بأن البلاد أصبحت بؤرة للإرهاب، وأنه قادم لتطهير سوريا الديمقراطية وليست العربية، بحسب وصفه.

عند سؤال أحد المتابعين للشرتح عن برنامجه السياسي، قال، “عندما أُخصي الإرهابيين والمجرمين والفاسدين وأطهّر سوريا، سأتحدث حينها عن برنامجي”، دون أن يغفل عن شتم السائل.

لم يقف الشرتح عند حدود سوريا، بل هدد الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بإخصائه عقب تهديده باستخدام السلاح النووي في حربه على أوكرانيا.

وقال، “سماع ولاك، قبل أن تفكر بالضغط على الزر، لن تكون هناك روسيا، وإن لم تجد من يرد عليك في ألمانيا أو أمريكا فالرئيس الشرتح يرد عليك”.

وتعني “ولاك” بحسب الشرتح “الويل لك”، ويستخدمها لمن أساء ومن مارس الظلم والاضطهاد والإرهاب على الشعب السوري، بحسب ما يدّعي.

واعتبر الشرتح أن أرض أوكرانيا ستكون مقبرة لبوتين وجيشه، وأنه “سيصبح رمادًا قبل أن يرتد إليه طرفه” في حال فكر بإطلاق صواريخ نووية.

وأشار إلى أن بوتين يستطيع ممارسة “عربدته” على الشعب الفقير المظلوم في سوريا مع من وصفه برئيس العصابة بشار، ولكن عندما يأتي الحديث عن أوروبا، فسيكون هناك “إخصاء”، بحسب تعبيره.

إفرازات المشهد السياسي

الصحفي والباحث الاجتماعي السوري سلطان جلبي، تحدث إلى عنب بلدي عن هذه الظاهرة من منظور اجتماعي.

وقال جلبي، إن خواء المشهد السياسي الذي تشكّل خلال 11 عامًا، كان لا بد له أن يفرز شخصيات كهذه اعتبرها “كوميدية”.

وأوضح أنه أمر طبيعي مقارنة بما قبل الثورة السورية، إذ لم يكن يوجد حينها مثل هذه الظاهرة، مشيرًا إلى احتمالية وجود عينات مشابهة لكنها برزت الآن.

لفت جلبي إلى أن البنية الاجتماعية التي تفككت بعد الثورة، سواء على الصعيد المؤسساتي أو على مستوى التكتلات البشرية وحتى داخل العائلة الواحدة، لم تترك للسوريين رابطًا يجتمعون فيه.

واستغلت هذه الشخصيات الفراغ الموجود “لحشد الأفراد”، بغرض الشهرة إلى حد كبير، بحسب جلبي، الذي يرى أن التجمهر من حولهم بهدف الترفيه فقط.

لا يوجد شخص يقدم نفسه للرئاسة دون وجود قاعدة شعبية وتنظيم سياسي وداعمين يقفون وراءه، كما أن مجتمعًا مفككًا لن يعزز تشكيل قوى سياسية إلا بهوامش صغيرة، وفقًا لجلبي.

الجانب المظلم

إلى جانب الشرتح والحمصي، يوجد العديد من الأشخاص الذين رشحوا أنفسهم للرئاسة، منهم اللاجئ السوري المقيم في ألمانيا ناصر جاسم محمد، صاحب مقولة “أنا العبد الفقير”، بالإضافة إلى الطامح لتأسيس جمهورية إسلامية وليد مهروسة.

ومن أبرزهم أيضًا، اللاجئ السوري المقيم في ألمانيا وسيم زكور، الذي يُعرّف عن نفسه بـ”الصحفي”، وهو دائمًا ما يشاكس الشرتح، ويتهمه بتقليد مصطلحاته، ووصم السوريين، بحسب قوله.

زكور هو صاحب مقولة “ادعوا الله ألا أصبح رئيسًا”، لأن “97% من الشعب يلزمه الحرق والإبادة، و3% يحق لهم العيش”.

تجمع الأوهام هؤلاء المرشحين الذين يؤمنون بعظمة أنفسهم، عندما يسمى بـ”الانحياز التأكيدي” (confirmation bias)، إذ يميل الشخص إلى تفسير وتذكر المعلومات بطريقة تتوافق مع معتقداته وافتراضاته، بينما لا يولي انتباهًا مماثلًا للمعلومات المناقضة لها.

ترتبط الأوهام باختلال مادة “الدوبامين” في الدماغ، المرتبطة بالحالات الإدمانية أو الاكتئاب، كما أنها مسؤولة عن تعزيز الشعور بالسعادة.

ويتعرض المصابون بانفصام الشخصية لانتهاكات حقوق الإنسان، سواء داخل مؤسسات الصحة النفسية أم في الأوساط المجتمعية.

وتعد ممارسات الوصم ضد المصابين بهذه الحالة المرضية شديدة وواسعة النطاق، ما يتسبب بإقصائهم اجتماعيًا، ويؤثر على علاقاتهم مع الآخرين، بمن في ذلك الأسرة والأصدقاء.

كما يسهم الوصم في ممارسة التمييز ضدهم، ويمكن أن يحد من حصولهم على الرعاية الصحية العامة وفرص التعليم والسكن والعمل، بحسب منظمة الصحة العالمية.

مقالات متعلقة

مجتمع

المزيد من مجتمع