سببها تراجع الخدمات والوقاية
رصد حالات إصابة بالجرب في مخيمات شمالي إدلب
عنب بلدي – إدلب
حبوب ناعمة حمراء، ودرجة حرارة مرتفعة قليلًا، هذا ما لاحظه الشاب محمود خالد العلي، أحد النازحين المقيمين في مخيم قرب بلدة حربنوش بريف إدلب الشمالي، على أجسام أطفاله الخمسة بعد يومين من ملاحظة أعراض الحكّة لديهم.
نقل الشاب أطفاله إلى النقطة الطبية القريبة من المخيم في بلدة حربنوش، وعرضهم على الطبيب ليتفاجأ بأنهم مصابون بالجرب.
وقال محمود لعنب بلدي، إن أطفاله يتلقون علاجًا من مراهم وإبر، وإن المرض الجلدي لا يزال في بدايته، وله تبعات وسيستمر فترة قصيرة، ثم يزول وفق تشخيص الطبيب في النقطة الطبية.
ظروف مساعدة للعدوى
تشهد مخيمات النازحين شمال غربي سوريا، المنتشرة في أرياف محافظتي إدلب وحلب، تسجيل إصابات بأمراض جلدية عديدة بوتيرة متفاوتة، نتيجة غياب بيئة صحية آمنة، وتوفر ظروف مساعدة لانتقال العدوى.
وترتبط هذه الأمراض مع ارتفاع أو انخفاض درجات الحرارة، وانتشار مكبّات النفايات، واستخدام مياه غير نظيفة، وحفر الصرف الصحي بين المخيمات.
النازحة مريم الخالد، المقيمة في مخيم قرب قرية كوكنايا بريف إدلب الشمالي، أصيبت وزوجها وأطفالها الأربعة بمرض الجرب، منذ عشرة أيام.
انتقلت العدوى للعائلة حين استعارت مريم لباسًا لطفلتها الصغيرة من أختها التي كانت طفلتها مصابة بمرض الجرب منذ فترة، وذلك خلال زيارة مريم إلى أهلها في مخيمات بلدة كللي بريف إدلب الشمالي.
وبعد ملاحظة وجود حبوب حمراء صغيرة على جسم طفلتها (عمرها عشرة أشهر)، عرضتها على الصيدلاني القريب من المخيم، وأخبرها أنه بداية الجرب، وانتقل بعدها إلى أفراد العائلة.
خفّت آثار الحبوب على أجسام أفراد العائلة مع استخدامهم مرهمًا جلديًا كعلاج للمرض، لكنهم لم يتعافوا بشكل كامل، ومستمرون في استخدام المرهم.
نقص نظافة
تعتبر ظروف النظافة غير جيدة وغير آمنة في المخيمات، يضاف إليها قلة إجراءات الوقاية المتبعة فيها.
وأوضح الشاب محمود العلي، أنه يتسلّم سلة أدوات نظافة في المخيم قرب بلدة حربنوش كل ستة أشهر، لافتًا إلى أن فعالية أدوات ومعدات التعقيم ليست بمستوى أو جودة عالية، كما أن رش المبيدات الحشرية بالمخيم شبه معدوم.
من جهتها، تتسلّم النازحة مريم كل ثلاثة إلى أربعة أشهر سلة نظافة، وتتردد بعض الفرق الطبية إلى المخيم الذي تقطن فيه، لإجراء فحوصات وكشوفات وتقديم خدمات طبية.
وغاب رش مبيدات الحشرات أو أي من إجراءات التعقيم عن المخيم الذي تقيم فيه مريم منذ بداية العام الحالي.
وتتشابه الظروف في مخيمات الشمال السوري التي يعيش فيها 1.8 مليون شخص من أصل 2.8 مليون نازح داخليًا، داخل أكثر من ألف و400 مخيم وموقع غير مخطط ومستقر ذاتيًا شمال غربي سوريا، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا).
وجرى تصنيف 838 موقعًا للنازحين داخليًا الآن على أنها بمستوى خطورة “سيئ” و”سيئ للغاية” و”كارثي” من قبل مجموعة تنسيق وإدارة المخيمات عبر الحدود في سوريا، ما يجعلها عرضة للطقس القاسي والحرائق.
إجراءات علاجية
طبيب الأمراض الداخلية محمد سعيد قضيماتي، الذي يعمل ضمن عيادة في مدينة حارم بريف إدلب الشمالي، أوضح أن مرض الجرب هو طفح جلدي ومرض معدٍ، يسبب حكّة تنتج عن سوس ناقب صغير يسمى “القارمة الجَرَبية”، ينتشر بسرعة من خلال المخالطة اللصيقة.
وقال قضيماتي لعنب بلدي، إن الجرب يحدث حكّة شديدة في المنطقة التي ينقب فيها السوس، وتزداد الحكّة خلال ساعات الليل، وتقتل الأدوية من حبوب ومراهم وكريمات السوس الذي يسبب الجرب وبيضه، وغالبًا لا تتوقف الحكّة تمامًا لعدة أسابيع بعد الأدوية.
وأوصى الطبيب قضيماتي بالنظافة للوقاية من الجرب، وعدم الاختلاط مع المصابين، وضرورة تلقي العلاج من قبل طبيب، وعدم أخذ أي دواء دون استشارة طبيب، لأنه هو الوحيد القادر على تشخيص المرض والتعامل معه، سواء أكان حساسية أو جربًا أو التهابات جلدية أو غيرها.
وحذّر الطبيب من القيام بالحك بشدة، الأمر الذي قد يؤدي إلى تشقق الجلد، وربما التسبب بعدوى مثل “القوباء” (عدوى تصيب سطح الجلد بسبب بكتيريا “المكورات العنقودية”).
ما الجرب؟
الجرب البشري هو إصابة طفيلية ناجمة عن “القارمة الجَرَبية” البشرية (السوس)، وفق منظمة الصحة العالمية (WHO)، ويحفر فيها السوس المجهري في الجلد ويضع البيض، ويؤدي في نهاية المطاف إلى استجابة مناعية في الجسم تتسبب بحكّة وطفح جلدي شديدين.
وقد تحدث مضاعفات الإصابة بالجرب بسبب العدوى البكتيرية التي تؤدي إلى تكوّن القروح الجلدية، والتي قد تؤدي بدورها إلى عواقب أشد خطورة مثل الإنتان الدموي وأمراض القلب وأمراض الكلى المزمنة.
وفي عام 2017، أُدرج الجرب وغيره من حالات عدوى الطفيليات الخارجية باعتبارها من “أمراض المناطق المدارية المهملة” (وهي مجموعة متباينة من 20 مرضًا ومجموعات أمراض سارية وغير سارية مرتبطة بالفقر، تُصيب بالأساس الناس في البلدان المدارية وشبه المدارية).
ويعد الجرب من الحالات الجلدية الأكثر شيوعًا، ويعاني ما يقدّر بنحو 200 مليون شخص في العالم منه في أي فترة زمنية، وما يصل إلى 10% من الأطفال المصابين بالمرض هم في المناطق الشحيحة الموارد، وفق المنظمة العالمية.
تحدث حالات الجرب في جميع أنحاء العالم، ولكنها أكثر شيوعًا في البلدان الحارة الاستوائية وفي المناطق ذات الكثافة السكانية العالية.
وينتقل الجرب من شخص إلى آخر عن طريق الملامسة اللصيقة للجلد، عند العيش في المسكن نفسه مع شخص مصاب بالعدوى.
ويزداد خطر انتقال العدوى مع زيادة حدة الإصابة، وتبلغ الأخطار أعلى مستوياتها عند مخالطة الأشخاص المصابين بالجرب المتقشر.
شارك في إعداد هذا التقرير مراسل عنب بلدي في إدلب إياد عبد الجواد
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :