على طاولة الجمعية العامة للأمم المتحدة، طُرحت الآلية الدولية للكشف عن مصير المفقودين في سوريا، عبر “اللجنة الثالثة”، للتصويت عليها من قبل الدول، ما أثار تساؤلات حول جدوى التصويت، والخطوات التالية حيال ملف المعتقلين والمختفين قسرًا.
وفي 16 من تشرين الثاني الحالي، صوّتت 90 دولة لمصلحة مشروع قرار بعنوان “حالة حقوق الإنسان في سوريا”، بينما رفضت 14 دولة مشروع القرار، وامتنعت 68 دولة عن التصويت.
ويرحب مشروع القرار بدعوة الأمين العام للأمم المتحدة لإنشاء مؤسسة دولية مختصة بمعالجة مصير المفقودين في سوريا، عُرفت باسم “الآلية الإنسانية الدولية للكشف عن مصير المفقودين”.
نجاح “جزئي”
تهدف الآلية إلى الكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، من خلال تشكيل مؤسسة مستقلة برقابة أممية.
مدير مبادرة “تعافي”، أحمد حلمي، قال لعنب بلدي، إن الضغط الذي مارسته المنظمات السورية حقق نجاحًا جزئيًا، إذ استطاعت المنظمات التأثير على نص القرار الصادر عن “اللجنة الثالثة” (الاجتماعية والإنسانية والثقافية) لطرح مشروع القرار، ومطالبة الدول بتحرك فوري تجاه ملف المختفين قسرًا.
ومشروع القرار هذا جزء من القرارات أو مشاريع القرارات الدورية التي تتبناها “اللجنة الثالثة” في تقاريرها سنويًا.
ويعتبر تبني الآلية من قبل اللجنة وطرحها للتصويت أمام الدول ترحيبًا بالآلية وبمشروع قرار “حالة حقوق الإنسان في سوريا”، لكنه ليس قرارًا إلزاميًا، وفق ما قاله مؤسس ومنسق “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، دياب سرية، لعنب بلدي.
ما الخطوة التالية؟
يرى مؤسس ومنسق “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، دياب سرية، أن مسؤولية المنظمات الاستمرار بحملات المناصرة والضغط على الدول لإقناع إحداها بكتابة قرار مستقل بالجمعية العامة للأمم المتحدة ورفعه للتصويت.
وتعمل المنظمات السورية المعنية بشؤون المفقودين على الضغط على الدول لتشكيل مجموعة عمل تطرح القرار الذي يقضي بإنشاء المؤسسة المقترحة ضمن الآلية الدولية للكشف عن مصير المفقودين.
ويتطلّب إنشاء قرار مستقل أن تتسلّم إحدى الدول قيادة الملف، بينما تنضم مجموعة دول أخرى للعمل على صياغة القرار وطرحه للتصويت ليكون قرارًا ملزمًا.
واعتبر مدير مبادرة “تعافي”، أحمد حلمي، هذه الخطوة هي الأصعب، فطرح قرار خاص بدولة محددة يعني الالتزام بالقرار، ويتطلّب دعمًا كبيرًا من قبل الدول.
وأشار حلمي إلى أن المنظمات تعمل على ضمان أكبر عدد ممكن من الأصوات الداعمة للقرار، لضمان تمثيل عابر للقارات.
بينها موقف روسيا والنظام..
عراقيل تواجه المنظمات
بعد التصويت خلال اجتماع “اللجنة الثالثة”، ظهر موقف النظام السوري وحليفيه الروسي والإيراني، الذي رفض مسودة الآلية واعتبرها “تسييسًا” للملفات الإنسانية في سوريا.
وقال حلمي، إن قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة تعتمد على عدد الأصوات الموافقة على القرار، ما يجعل الخوف الأكبر بالنسبة للمنظمات، أن يمارس النظام وحلفاؤه ضغوطات على الدول لرفض نص القرار.
وبالإضافة إلى المخاوف من تلك الضغوطات، لم تبدِ أي دولة حتى الآن حماستها لتسلّم إدارة الملف وكتابة نص القرار، وفق ما قاله مؤسس ومنسق “رابطة معتقلي ومفقودي صيدنايا”، دياب سرية.
وأضاف سرية أن العزلة السياسية والاقتصادية التي تعيشها روسيا جرّاء حربها ضد أوكرانيا، تلعب دورًا كبيرًا بعرقلة هذا الملف، إذ ترفض معظم الدول الحديث إلى روسيا ومفاوضتها لأجل ملف المفقودين الذي لا يعتبر أولوية بالنسبة لهذه الدول في الوقت الراهن.
ورغم أن موقف النظام كان متوقعًا، أثار مخاوف من قبل المنظمات من تدخل لإحباط الآلية حتى في حال تجاوزت مرحلة التصويت ووصلت إلى مرحلة التطبيق، بحسب ما قاله سرية، معتبرًا ذلك “المعضلة” التي تجبر المنظمات على التساؤل حول جدوى الآلية إن لم تحصل على الاهتمام الدولي الكافي.
وتعزز تلك المخاوف التجارب السابقة التي شهدها الملف السوري خلال زيارة المراقبين الدوليين للتحقيق في مجزرة الكيماوي، فتأكيدات المراقبين الدوليين على استخدام النظام السوري للكيماوي لم تكن كافية لردعه عن تكرار ذلك، وفق سرية.
الموقف الدولي
اختلفت ردود الفعل خلال اجتماع “اللجنة الثالثة”، ورفض القرار كل من النظام السوري، وروسيا، وإيران، والصين، والجزائر، ونيكاراغوا، وأوزبكستان، وزيمبابوي، وبيلاروسيا، وإرتيريا، وإثيوبيا، وكوبا، وبوليفيا، وكوريا الشمالية.
بينما امتنعت 68 دولة عن التصويت، بينها الإمارات، وجنوب إفريقيا، وليبيا، والهند، وإندونيسيا، ولبنان، والعراق، ومصر، وجيبوتي، وأرمينيا، والبحرين.
ورحب ممثل المملكة المتحدة بالمشروع، موضحًا أنه يحدد المخاوف المشتركة للمجتمع الدولي، وحثّ النظام السوري على تحسين سجله في مجال حقوق الإنسان.
كما قال ممثل الولايات المتحدة، إن مشروع القرار يدعو الجمعية العامة إلى الاهتمام بالمحتجزين والمفقودين في أوائل العام المقبل.
بدوره، أيّد ممثل السعودية مشروع القرار، مشيرًا إلى أنه بعد 11 عامًا من الصراع في سوريا، لا تزال المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين تلاحظ زيادة في مئات الآلاف من الضحايا المدنيين والمفقودين.
في المقابل، اتهم ممثل النظام السوري مسودة القرار بأنها “مسيّسة بعمق”، و”بعيدة كل البعد عن الواقع”، وتسعى إلى “تقويض إنجازات سوريا الأخيرة تجاه السلام”، على حد قوله.
وقال ممثل إيران، إن هذا المشروع يشير إلى أن الولايات المتحدة وبعض الدول الأخرى تواصل “استغلال” آليات حقوق الإنسان التابعة للأمم المتحدة بما يتماشى مع مصالحها السياسية “الضيقة”.
محطات “الآلية الدولية”
بدأت المنظمات المعنية بشؤون المفقودين والمختفين قسرًا المطالبة بإنشاء مؤسسة جديدة تعمل على الكشف عن مصير المفقودين والمختفين قسرًا منذ منتصف عام 2019.
وفي أواخر 2021، تمكنت الروابط من التأثير على قرار “اللجنة الثالثة” في الجمعية العامة للأمم المتحدة، بإضافة فقرة إلى نص قرارها الدوري، تطلب من الأمين العام للأمم المتحدة إجراء دراسة عن “كيفية توحيد الجهود للعمل على ملف المخفيين قسرًا في سوريا، من ضمنها الآليات المتوفرة والبحث عن حلول جديدة”.
وطالبت جمعيات وروابط معتقلين سورية، في 25 من تموز الماضي، بإنشاء آلية إنسانية دولية مستقلة، تُعنى بالكشف عن مصير المختفين قسرًا والمعتقلين لدى مختلف أطراف النزاع في سوريا، لتجاوز “إخفاق” الجهود السابقة بهذا الملف.
وبعد سنوات من المطالب بتحرك دولي حيال هذا الملف، وانتظار التوصل إلى آلية تحت مظلة دولية، اعتمدت الأمم المتحدة تقريرها في آب الماضي، ليكون ركيزة تُبنى عليها خطوات حقيقية تسهم بالكشف عن مصير المفقودين.
وحمل التقرير مجموعة من التوصيات المبنية على مشاورات استمرت حوالي عام مع الجهات المعنية بملف المفقودين في سوريا.
وجاء التقرير عملًا بقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة “228/76” الصادر في 24 من كانون الأول 2021، والذي طلبت فيه الجمعية من الأمين العام تقديم دراسة واضحة حول كيفية تعزيز الجهود لتوضيح مصير المفقودين في سوريا.
–