إدلب – محمد نعسان دبل
شهدت مياه نهر “العاصي” خلال الأيام الماضية تلوثًا ملحوظًا، إذ أصبح لونها أسود، بعد إلقاء مخلّفات معاصر الزيتون في منطقة سهل الروج بريف إدلب داخل النهر، مسببة أضرارًا بيئية وحيوية للمنطقة.
وتوجد معاصر الزيتون في جسر الشغور وريفها، وقرى سهل الروج، وملس، وأرمناز، وتُلقى مخلّفات المعاصر في أماكن متفرقة من نهر “العاصي”، منها مصب النهر الأبيض الذي يرفد “العاصي”، ومنطقة الشلال في عين الزرقا.
وأثّر التلوث سلبًا على الثروة السمكية في النهر، حيث أدى إلى نفوق آلاف الأسماك باختلاف أنواعها وأحجامها، وخصوصًا الصغيرة منها التي كانت أعدادها أكبر سابقًا، نتيجة ارتفاع قلوية الماء، بعدما كانت مياه النهر تعاني سابقًا من مخلّفات الصرف الصحي.
وتحدث الصياد غسان قره بيلو (31 عامًا) من مدينة دركوش لعنب بلدي، عن اعتماد أهالي المدينة وريفها على نهر “العاصي” كمصدر رزق رئيس، موضحًا الضرر الذي طالهم بعد نفوق كميات من أسماك النهر.
وطالب الصياد غسان الجهات الحكومية المسؤولة بإيجاد حلول لتصريف مياه المعاصر بعيدًا عن نهر “العاصي”، مثل البرك أو “أي تصريفات أخرى مناسبة”، على حد قوله.
أخطار التلوث
خلال الأيام الأولى لانتشار التلوث، التقط الأهالي القاطنون في المناطق المحيطة بالنهر كميات كبيرة من الأسماك بهدف أكلها، خصوصًا أن الأسماك الكبيرة لم تتأثر كما الصغيرة، لكن ظهرت نتائج تأثر المحصول السمكي في الأيام اللاحقة، بحيث أصبح شبه معدوم.
وفيما يخص أخطار تناول الأسماك الملوثة، قال رئيس دائرة الصحة الحيوانية في وزارة الزراعة بحكومة “الإنقاذ”، الدكتور عبد الحي اليوسف، لعنب بلدي، “لا يوجد تأثير مباشر لأن التسمم ليس بالمواد الكيماوية الضارة، بل بمخلّفات المعاصر، فالسمك يؤكل ولا يوجد تأثير ضار على صحة الإنسان إذا تم طهوه بشكل صحيح ولمدة كافية”.
وتعتبر الأسماك النافقة من التلوث الحاصل غير قابلة للتخزين، وتُستهلك بشكل فوري، على ألا تزيد مدة بقائها دون طهو على ست ساعات كحد أقصى بعد الصيد، وفق اليوسف.
غياب الرقابة
لم يكن التلوث الحاصل في نهر “العاصي” الأول من نوعه، إذ يتلوث النهر بشكل دوري كل عام حسب المواسم، عند بدء تشغيل معامل السكر، وعند بدء العمل بمعاصر الزيتون، دون أي رقابة أو منع من السلطات.
مدير الموارد المائية في وزارة الزراعة بحكومة “الإنقاذ”، صالح الدريعي، قال لعنب بلدي، “يجري إبلاغ أصحاب المعاصر لتحويل مياهها إلى خزانات تجميعية، ومنع توجيهها إلى المجاري أو المصارف المؤدية لنهر “العاصي”، كما تم فتح بوابة من البوابات المقامة على النهر في منطقة القرقور بسهل الغاب، “لزيادة تدفق غزارة النهر وتحسين نوعية المياه”.
شهد نهر “العاصي” موجة تلوث سابقة خلال تموز الماضي، بعد إعادة تشغيل معمل السكر بمنطقة تل سلحب بريف حماة المتوقف منذ عام 2015، حيث عملت إدارة المعمل على رمي المخلّفات في النهر، ما أدى إلى نفوق عدد كبير من الأسماك، وتلوث مياهه لعدة أيام.
ونقلت جريدة “الوطن” المحلية، في 26 من تموز الماضي، شكاوى بعض أهالي منطقة الغاب، بسبب تدفق نواتج تصنيع الشمندر السكري في مجرى نهر “العاصي” والمصارف الزراعية وقنوات الري في المنطقة، إلى جانب تلوث البيئة بالروائح الكريهة المنبعثة على امتداد مساحات واسعة.
كما أشار الأهالي للصحيفة إلى تهديد الثروة السمكية الطبيعية التي تعيش في المسطحات المائية، وتهديد الأراضي المزروعة بالخضار الصيفي بالتلوث الشديد.
وناشدوا، وفق الصحيفة، “الجهات المعنية” لدى حكومة النظام السوري بالتدخل لمعالجة المشكلة البيئية الزراعية الصناعية، مشيرين إلى سكوت هذه الجهات عن التلوث الضار بالبيئة والناس.
وحذرت حينها حكومة “الإنقاذ” من تناول الأسماك التي نفقت بالتلوث، إلى جانب ضرورة الإبلاغ عن كل من يبيعها لاتخاذ الإجراءات اللازمة، وفق التعميم الصادر عن وزارة الصحة في “الحكومة”، مشيرة في الوقت نفسه إلى ظهور حالات تسمم بين الأهالي بسبب تناول الأسماك في المناطق “المحررة”.