دعم أقل وعجز أكبر.. موازنة 2023 لا تبشر السوريين بالخير
عنب بلدي – جنى العيسى
في 25 من تشرين الأول الماضي، أقرت حكومة النظام السوري مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2023، بمبلغ 16550 مليار ليرة سورية، وتضمّنت الاعتمادات مبلغ 13550 مليار ليرة للإنفاق الجاري، وثلاثة آلاف مليار ليرة للإنفاق الاستثماري.
وككل عام، زادت قيمة اعتمادات الموازنة العامة بالليرة السورية، إلا أنها تراجعت إذا ما قيست بالدولار الأمريكي.
وبلغت كتلة الدعم الاجتماعي ضمن مشروع موازنة العام المقبل 4927 مليار ليرة، ما يعني انخفاض قيمتها عن عام 2022 بنحو 12%، إذ بلغت قيمتها 5529 مليار ليرة.
كما تم اعتماد كتلة الرواتب والأجور والتعويضات بنحو 2114 مليار ليرة، بـ”زيادة” على قيمتها في موازنة العام الحالي التي بلغت 1586 مليار ليرة سورية.
كما يبلغ عجز الموازنة العامة للدولة لعام 2023 نحو 4860 مليار ليرة سورية، مسجلًا زيادة على قيمة عجز موازنة 2022 بنسبة تصل إلى نحو 19.65%، إذ كانت تبلغ نحو 4118 مليار ليرة سورية.
تحاول عنب بلدي في هذا التقرير، دراسة أثر أرقام موازنة العام المقبل، خاصة كتلتي الدعم الاجتماعي، والرواتب والأجور، على المقيمين في مناطق سيطرة النظام، وسط حديث حكومي عن تحسن المعيشة، بناء على الاعتمادات التي “ارتفعت” عن العام الماضي بالليرة السورية.
الدعم الاجتماعي.. اعتمادات “ورقية” فقط
رغم انخفاض قيمة الدعم فعليًا، بحسب اعتمادات الموازنة التي أقرتها حكومة النظام، فإن وزير المالية، كنان ياغي، نفى ذلك، مبررًا بقوله، “إن الدعم الاجتماعي لم ينخفض بل ازداد، لكن طرق معالجته تختلف ما بين اعتمادات ستُصرف من الموازنة، وقسم آخر عن طريق القروض، وقسم عن طريق التشابكات المالية”.
واعتبر ياغي في حديث إلى صحيفة “الوطن” المحلية، في 1 من تشرين الثاني الحالي، أن الدعم الاجتماعي الإجمالي الذي ستتحمله الحكومة خلال العام المقبل، يقدّر بنحو 13565 مليار ليرة، مقابل 9181 مليار ليرة في عام 2022، مضيفًا أن “الدعم الاجتماعي الإجمالي لم ينخفض أبدًا، بل ازداد خلال العام المقبل بمقدار 4384 مليار ليرة، بنسبة 47.7%”.
بينما أكد تقرير نُشر في جريدة “البعث” الحكومية، في 9 من تشرين الثاني الحالي، أن كتلة الدعم الاجتماعي في جميع الموازنات على اختلاف الأعوام تبقى “ورقية” ما دامت الوزارة لا تصرح سنويًا عن حجم الإنفاق الفعلي، مشيرًا بالأدلة إلى تراجع الدعم عن المواطنين أكثر فأكثر.
وأشار التقرير إلى أن مخصصات الأسرة من أسطوانات الغاز انخفضت من 12 أسطوانة إلى ثلاث أسطوانات سنويًا، كما انخفضت مخصصات الأسرة من مادة المازوت من ألف ليتر بسعر ثماني ليرات لليتر الواحد، إلى 100 ليتر سنويًا كحد أقصى، بسعر 500 ليرة لليتر الواحد.
كما تقلص توزيع مادتي السكر والأرز “المدعومتين” من مرة شهريًا إلى أقل من ثلاث مرات سنويًا، عبر ما يسمى ببدعة “الدفعات”، مع رفع سعر الكيلوغرام الواحد من كل منهما بنسبة 100%، بالإضافة إلى إلغاء توزيع مادة الشاي واقتصار توزيع الزيت “المدعوم” على مرة أو مرتين سنويًا.
وأكد التقرير أن تحرير أسعار المحروقات أدى إلى رفع أسعار جميع السلع والخدمات إلى درجة انكمش معها الاستهلاك وتراجع الإنتاج، كما أن التعليم المجاني لم يعد مجانًا، لأن مستلزمات التعليم من ألبسة وكتب وقرطاسية تحتاج إلى قرض مصرفي، والطبابة لم تعد أيضًا مجانية بارتفاع أسعار الأدوية إلى مستويات تفوق القدرة على شرائها للمصابين بأمراض مزمنة.
مؤشرات على تقليص الدعم أكثر
الدكتور في العلوم المالية والمصرفية فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن حكومة النظام تدعي في كل عام زيادة حصة الدعم الاجتماعي ضمن الموازنة العامة التي تزيد بدورها أيضًا، لكن الزيادة بالليرة السورية فقط، يقابلها انخفاض في قيمتها بالدولار الأمريكي.
وأوضح شعبو أن ارتفاع نسبة العجز في الموازنة دليل على توجه النظام لسياسة رفع الدعم، لتخفيف الأعباء عنه، واستمراره بهذه السياسة غير مستبعد، إذ إنه ينتقل إلى خصخصة القطاعات للتهرب من دعمها.
ويرى شعبو أن سياسة زيادة الوفر الضريبي كالرسوم والضرائب التي يفرضها من وقت لآخر، وأثر ذلك في رفع الأسعار، يوضح تمامًا عدم قدرة الحكومة على الاستمرار بالدعم، ما يجعلها تعتمد على الضرائب كمصدر أساسي لرفد خزينتها بالأموال.
وفي تقرير أعدته عنب بلدي، منتصف تموز الماضي، توقع الباحث في الاقتصاد السياسي يحيى السيد عمر، استمرار سياسة حكومة النظام بإخراج فئات جديدة من “مظلة الدعم”، الأمر الذي بدأته في شباط الماضي، لتصل إلى هدفها النهائي، وهو إبقاء أقل من 50% من المقيمين في مناطق سيطرتها ضمن برنامج الدعم، مشيرًا إلى أن العديد من النقابات مهددة بالحرمان مستقبلًا.
وأضاف الباحث لعنب بلدي، أن تكلفة الدعم ترهق الموازنة، وفي ظل شح الإيرادات وارتفاع معدل التضخم، تصبح فاتورة الدعم مرهقة للحكومة، معتبرًا أن ذلك هو التبرير الفعلي لهذه السياسة.
اقرأ أيضًا: الحكومة توقف الدعم “على دفعات” تجنبًا لغضب اجتماعي في سوريا
من جهته، قال أستاذ الاقتصاد بجامعة “حلب” الدكتور حسن حزوري، إن أرقام الدعم الاجتماعي ضمن موازنة العام المقبل وُضعت بشكل “عشوائي”، وهي بعيدة كل البعد عن الأساليب العلمية والموضوعية.
وأضاف حزوري، في حديثه لصحيفة “البعث”، أن التضخم الحاصل كانت نتيجته أن المبالغ المعتمدة بمجملها هي أقل من العام الماضي كقوة شرائية، على عكس ما صرح به وزير المالية.
زيادة “صورية” للرواتب إن حدثت
وحول إمكانية زيادة الرواتب خلال العام المقبل، بناء على اعتمادات الموازنة، قال الوزير كنان ياغي، إنه في الموازنات السابقة لم يكن يلحظ بشكل مباشر اعتمادات مخصصة لزيادات الرواتب والأجور، موضحًا أن زيادات الرواتب في حال أُقرّت خلال العام، كانت تغطى من وفورات سائر أقسام وفروع الموازنة.
أما في مشروع موازنة عام 2023، فأشار ياغي إلى أنه تم تخصيص اعتمادات لأي زيادة بالرواتب والأجور يمكن أن تتم، أو لصرف منح مالية، وذلك ضمن الاعتمادات الاحتياطية الجارية، معتبرًا أن هذا الأمر مرتبط بالإيرادات المحصّلة لخزينة الدولة وتحسن الواقع الاقتصادي.
بدورها، أكدت أستاذة الاقتصاد في جامعة “القنيطرة” الدكتورة رشا سيروب، أن كتلة الرواتب والأجور لم ترتفع عن العام السابق.
وأوضحت سيروب أن الزيادة عبارة عن تضمين محاسبي للزيادات التي طرأت على رواتب العام الحالي، لأنها لم تكن مدرجة في موازنة 2022، حيث جرت العادة أن تصدر الزيادة بعد صدور الموازنة، بحسب قولها.
الدكتور فراس شعبو، قال لعنب بلدي، إن المقيمين في سوريا بحاجة إلى زيادة بنحو 500% في الرواتب لتسمى زيادة فعلًا، بينما عندما تجري بنسبة 20 أو حتى 30%، فهي لا تحمل التغيير الكبير في حياة المواطنين.
واعتبر شعبو أن حكومة النظام إن عملت على زيادة الرواتب خلال العام المقبل، فإنها ستكون زيادة “صورية لا حقيقية”، لأنها ستترافق كما في كل مرة مع ارتفاع كبير في الأسعار، كون سياسة العرض والطلب في سوريا غير مفعلة.
وأضاف الباحث أنه عند رفع الأجور فإن الكتلة النقدية في الأسواق، وبسبب عدم وجود مرونة لدى العرض ليواجه الطلب الموجود، فإن الأسعار ترتفع بشكل موازٍ، مضيفًا أن الاقتصاد السوري يدور في حلقة مفرغة خاصة فيما يتعلق بالرواتب والأسعار.
باعتراف رسمي.. “لا تجاري التضخم”
اعترف وزير المالية بأن الموازنة لا تجاري معدلات التضخم المرتفعة في سوريا، مبررًا ذلك بأنه لو تمت مجاراة التضخم “لوجدنا أنفسنا أمام تقديرات للموازنة بأكثر من ثلاثة أضعاف الرقم الحالي”، ما سيؤدي إلى تفاقم العجز والاضطرار إلى إصدارات للعملة من دون تغطية مقابل لها، وبالتالي تأجيج التضخم أكثر وأكثر، بحسب تعبيره.
كما أكد معاون وزير المالية لشؤون الإنفاق العام، منهل هناوي، أن موازنة عام 2023 لا تحقق المطلوب، ولا تراعي تقلبات الأسعار أو التضخم الذي وصل إلى أرقام قياسية.
ويبلغ عجز الموازنة العامة للدولة لعام 2023 نحو 4860 مليار ليرة سورية (حوالي 1.9 مليار دولار أمريكي بحسب سعر الصرف الرسمي المحدد بـ2500 ليرة)، وذلك بناء على تقديرات الإيرادات العامة التي تبلغ 11690 مليار ليرة.
عجز الموازنة هو الحالة التي تتجاوز فيها النفقات حجم الإيرادات خلال فترة زمنية محددة، بحيث يكون إنفاق الفرد أو الحكومة أكثر من الإيرادات المتاحة.
ويشكّل العجز الحكومي المتراكم على مستوى الدولة الدَّين القومي للدولة، ولمعالجة هذه الحالة يجري التقليل من بعض النفقات أو العمل على زيادة الأنشطة المولّدة للدخل.
ويترتب على العجز تباطؤ النمو الاقتصادي وزيادة الإيرادات الضريبية وارتفاع معدلات البطالة.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :