تعتبر رواية “عندما تشيخ الذئاب”، للروائي الأردني جمال ناجي، واحدة من الأعمال الفاحصة للواقع والزمن الذي صدرت به، بشكل جزئي، إلى جانب تركيزها على أحد أبرز الموضوعات إلحاحًا في المنطقة، وهو الإرهاب ومناهضته.
تقوم الرواية على مجموعة شخصيات حاملة للنص بالمعنى الحرفي، فالروائي لا يتيح الفرصة للشخصيات للتعبير عن نفسها، بل إنه يكتفي بالنقل على لسان شخصياته فقط، فالقصص والمواقف لا تحمل فلسفة الأدب، مقدار ما تحمل وجهة نظر المعايش والمتأثر.
الشخصيات في الرواية مصممة لتحاكي نماذج اجتماعية، على مبدأ الإسقاط، لا مناقشة حالة يتيمة بذاتها، فـ”الشيخ عبد الحميد الجنزيز” صورة عن رجل الدين المقرّب من أجهزة الدولة، والسلطة الأمنية التي تمسك بالشارع عبر منابر المساجد، وحلقات الذكر.
الشيخ الذي يبدو ظاهر عمله خالصًا لوجه الله، ينتفع ويختلس ويسرق ويحتال على الناس باسم الدين، فالجمعية الخيرية التي يحصل على ترخيصها هي بوابة سرقة، والعلاجات بغير الدواء سبيل احتيال على النساء في الرواية.
وإلى جانب الشيخ المنتفع، يقف “بكر الطايل” ليحاكي شخصية الإنسان الساذج الذي يقبل ويقتنع ويسلم بكل ما يقوله الشيخ، فلا يعيش حياته هو، بل حياة شيخه.
ومن أبرز الشخصيات أيضًا، “سندس”، التي تمثّل الشابة المغرية والمتفلتة من معايير المجتمع، على اعتبارها من ضحاياه، كما ترى على الأقل، وتحديدًا في مسألة الزواج وفشل التجربة وإعادتها.
والشخصية المثقفة المعارضة ذات الأفكار والأحلام الوردية، والأحاديث الرنانة، سرعان ما غابت عن المشهد بمجرد حصول “جبران” على إرث مالي نقله إلى مستوى مادي واجتماعي مختلف، تاركًا خلفه أحلام البسطاء وأحاديثهم، محاولًا التماشي والانخراط مع العالم الذي كان ينتقده عن بُعد.
ولا شيء يقنع “جليلة” أنها تعاني أعراضًا نفسية، ولا علاقة للأمر بالجن والأرواح، ولا يتطلّب العلاج شيوخًا وبخورًا.
بهذه الشخصيات التي يُضاف إليها “عزمي الوجيه”، الشاب الطموح حد التهور، يبني جمال ناجي عالم أحداثه التي تقف السلطة على مقربة منها، تعاين وتحلل، لإمساك المجتمع والشعب من ناصيته، لكن دون جدوى، فالرواية صدرت عام 2008، في الوقت الذي كان فيه العالم العربي يتعامل مع فوضى دون علم بفوضى أخرى قادمة على الطريق.
وفي 2008، كان العراق محتلًا عسكريًا، وقطاع غزة يتعرض للقصف الإسرائيلي، والعلاقات العربية مقسمة على القطيعة والجفاء، وشعوب دول عربية عدة غير متصالحة مع فكرة الهيمنة الأمنية وإخضاعها بشرطي الرئيس، تحت مسميات محاربة الفوضى والتطرف، وترسيخ الاستقرار، والسلم الأهلي.
كل ذلك قاد لاحقًا لحالة انفجار أزاحت جانبًا محاولات جواسيس السلطة ومخبريها من مشايخ وعسكر وشرطة لترويض الناس، واستمالتهم، بالتخويف من ظلام السجن، أو الترغيب بجنات النعيم.
الرواية تمتد على 248 صفحة، وجرى تحويلها عام 2019 إلى مسلسل تلفزيوني سوري حمل نفس الاسم، بعد منح القصة صبغة سورية أكثر.
جمال ناجي روائي أردني من أصول فلسطينية، ولد عام 1954 وتوفي عام 2018، تاركًا بين التاريخين مجموعة روايات بدأها عام 1982 برواية “الطريق إلى بلحارث”، و”مخلفات الزوابع الأخيرة”، اللتين صدرتا عام 1988، وأنهاها برواية “موسم الحوريات” عام 2015، إلى جانب أربع مجموعات قصص قصيرة.