tag icon ع ع ع

يونس الكريم – كاتب وباحث سوري

منذ إعلان السعودية تنفيذ حكم الإعدام بمن وصفتهم بـ “الإرهابيين”، ومنهم الشيخ نمر النمر، بدأ الشارع السوري المعارض بالانقسام أكثر وأكثر بين مؤيد ومعارض لهذا الإعدام.

ورغم وجود أحد شرعيي القاعدة (فارس آل الشويل) من بين من أعدمتهم السعودية، إلا أن أي بيان من القاعدة أو فرعها في سوريا (جبهة النصرة) لم يصدر.

بعدها قطعت العلاقات الدبلوماسية بين السعودية وإيران، لتزيد روح الانقسام، فقد أصدر 26 فصيل مسلح للمعارضة السورية بيانات تؤيد هذه الخطوة. وهي من الفصائل التي حضرت اجتماع المعارضة في الرياض، وأقرّ فيه تشكيل الهيئة العليا للتفاوض، ومن أبرز مهامها أخذ مواقف واضحة تجاه القضايا التي لها علاقة بالشأن السوري، كون السعودية وايران أحد أبرز اللاعبين بالقضية.

لكن كل التحليلات حول موضوع إعدام نمر النمر لم تتناول الأسباب الحقيقية لإعدامه بهذه الفترة، إذ كان الحكم مؤجلًا منذ ثلاثة سنوات بحقه، واستبعد تنفيذه من قبل كثير من الصحفيين المقربين من الأسرة الحاكمة السعودية.

ورغم أن النمر مواطن سعودي الأصل والجنسية، إلا أن ردات فعل إيران على إعدامه كانت مبالغًا فيها، وهي التي خسرت الكثير من جنرالاتها الإيرانيين اغتيالاً سواء ضمن حدوها وخارجها دون أن يكون لها أي موقف غير الشجب.

وأرسل الباسيج الإيراني للاعتداء على السفارة السعودية وقنصليتها، بمشهد شبيه لحادثة الاعتداء على السفارة الأمريكية في دمشق 2003، عندما أرسل النظام السوري البعثيين ورجال الأمن ليقودوا احتجاجًا ضد الحرب على العراق، ودخل حينها بعض عناصر الأمن إلى السفارة وأنزلوا العلم وعبثوا ببعض محتوياتها، وظهر حينها أن تنسيق أمني بين السفارة الأمريكية والأمن السوري بعدم السماح للمواطنين بالمشاركة في الاقتحام.

هذا السيناريو قد ينسحب على حادثة السفارة السعودية، دون علم السفير والموظفين بذلك.

ثم تظهر روسيا لتأخذ دور الوسيط في حل القضية بين إيران والسعودية، وتكون المصالحة برعايتها لمنع أي تدخل أممي لنزع فتيل الأزمة الكلامية بين الطرفين؛ كل هذا دعانا إلى تحليل ما يحدث بروية.

هل السعودية وإيران وروسيا متفقون على اقتحام السفارة؟

للوهلة الأولى يبدو الكلام ضربًا من الجنون، فالأطراف (السعودي، الإيراني، الروسي) بينهم حرب ضروس على الأرض السورية واليمنية، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، من اجل تحديد من له الكلمة على طرق الطاقة وصناعتها وهو جوهر هذه الحرب.

وهذا سبب الاهتمام في سوريا واليمن، في حين نجد الحرب في لبنان، الدولة المجاورة لسوريا، بين الطرفين الإيراني والسعودي تتمثل بالانتخابات وتقاسم الحكم دون أن يكون هناك احتكاك فعلي بين الطرفين، لدرجة إن قام احدهم باحتلال الوسط التجاري للعاصمة اللبنانية يلتزم الطرف الآخر بالتهدئة، دون أي محاولات للاحتكاك المسلح، فالطرفان تقاسما لبنان ثروة وشعباً وأرضًا.

فماذا حدث إذن في طهران ومشهد الإيرانية؟

القصة بسيطة، أسعار النفط تنهار ومعه لم يعد السيطرة على طرق نقل النفط والغاز مجديًا، فاللعبة بدأت من بعض أعضاء أوبك (ومنها السعودية) وبأوامر من أمريكا للضغط على إيران للرضوخ على تجميد النشاط النووي لها، ورغم محاولة لإيران وأعضاء آخرين في أوبك للحصول على قرار تخفيض الإنتاج لرفع الأسعار لم تنجح، ومع التوقيع المبدئي لحل الملف النووي لم تعد أسعار النفط للارتفاع مجددًا لعدة أسباب:

1- رغبة إيران بضخ المزيد من النفط في الأسواق لتصل إلى 2.2 مليون برميل، أي ضعف ما تنتجه الآن وذلك لترميم اقتصادها المتهالك.

2- خروج الكثير من دول الشرق الأوسط وإفريقيا من دائرة المستهلكين للنفط، بسبب توقف العجلة الاقتصادية فيها نتيجة الاضطرابات الأمنية.

3- خروج الصين من دائرة النمو نتيجة فقدانها التميز بما يخص موضوع رخص الأيدي العاملة والضرائب ، وبالتالي انخفاض الطلب على النفط. دون أن ننسى أن معامل أوروبا الموجودة في الصين، بدأت تعاني أيضًا من ارتفاع تكاليف التشغيل وانخفاض قيمة أسهمها في الأسواق المالية، ما جعلها تخفض من نشاطها.

4- بدء تصدير الولايات المتحدة للنفط الاستراتيجي بعد اكتشافات النفط الصخري ومصادر أخرى للطاقة النظيفة لديها.
5- الركود الذي تعاني منه اليابان وألمانيا كما اظهرته بياناتها المالية.
6- ارتفاع الاحتياطي العراقي 150%، وعودة بعض الخطوط النفطية الليبية للعمل.
7- بيع النفط العراقي والسوري والليبي من قبل “داعش”، بأسعار تعتبر رخيصة جدًا مقارنة بأسعار سوق الطاقة (النفط الرخيص)، حتى أصبحت هناك تجارة اسمها غسيل النفط.
8- أزمة مديونية منطقة اليورو والتي أدت الى سياسات انكماشية مما خفض الطلب على النفط ومشتقاته.
9- استمرار التوتر في دول الربيع العربي وما له من أهمية على أمن هذه الدول (إيران والسعودية ) ونظام حكمها، ما جعلها تتخذ الكثير من الخطوات لمنع انتقال تأثيرها إليها، وهذا كلفها الكثير من ميزانياتها التي باتت تميل إلى العجز بعد الوفرة، عدا الحصار الاقتصادي المفروض على إيران بسبب برنامجها النووي، وكذلك روسيا بسبب القضية الأوكرانية.

اقتصاديات أطراف التوتر:

الاقتصاد السعودي عام 2014-2015

وفقًا للموازنة التي أعلنتها وزارة المالية السعودية، على موقعها الإلكتروني لعام 2015، تبلغ النفقات العامة 860 مليار ريـال، (ما يعادل 229.3 مليار دولار)، أما الإيرادات فبلغت 715 مليار ريـال، 89% منها إيرادات بترول، وهو ما يجعل المملكة أكبر مصدر للنفط في العالم.

رغم ذلك سجلت عجزًا في الموازنة، للمرة الأولى منذ الأزمة المالية العالمية في 2009، بقيمة 145 مليار ريـال (ما يعادل 38.61 مليار دولار )، مقارنة بفائض عام 2013 بمقدار 135 مليار دولار، حتى إن صندوق النقد الدولي يتوقع أن تفلس السعودية إذا استمر انخفاض سعر النفط بهذا المستوى بعد خمس سنوات.

وقد بدأت السعودية تسحب من احتياطاتها في البنوك الخارجية، بعد أن وصلت الى 724 مليار دولار عام 2014، لتتراجع الى 659 مليار منخفضة بمقدار 65 مليار دولار أي بمقدار 9%.

كل هذا يشير الى الوضع الحرج للاقتصاد السعودي، وقد قدر الخبراء أن السعر المناسب لبرميل النفط لتصحيح الوضع الاقتصادي السعودي يعادل 90 دولارًا، كونه سعر موازنات عام 2013-2014.

الاقتصاد الإيراني عام 2014-2015

إيران الدولة الغنية بالنفط والغاز والحرف اليدوية والكثير من الزراعات ذات المردود المادي الكبير، تعاني الآن من ركود اقتصادي وصل إلى درجة الأزمة، فـ 80% من بلدياتها مفلسة غير قادرة على القيام بالخدمات العامة و40 % من الشعب تحت خط الفقر، والبطالة 30%، ورغم محاولة النظام الحاكم تجنيد هؤلاء ضمن الباسيج ليقاتلوا في العراق واليمن وسوريا، إلا ان البطالة لازالت مرتفعة.

حتى إن إيران انسحبت من صندوق الثروة السيادية، والتي تقدر حصتها فيه بما يعادل 62 مليار، لتقليل أثر انخفاض أسعار النفط، إذ قدرت سعر البرميل بميزانيتها بـ 72 دولار، وذلك عندما كانت الأسعار تلامس 110 دولار للبرميل، وكانت حينها تصدر إنتاجها للهند والصين بمحاولة للالتفاف على العقوبات الدولية.

أما الآن فهذه الميزة اختفت من حسابات إيران، لأنه ليس بمقدورها تخفيضه أكثر من سعر السوق كون تكلفة البرميل الواحد تقدر بـ 15 دولار، حسب صندوق النقد الدولي، وهذا انعكس على ميزانياتها لدرجة أن الحكومة الإيرانية لم تصدرها رسميًا، إنما تسريبات ارقام فقط لبعض بنودها.

سعر برميل النفط لتصحيح الميزانية الإيرانية، يصل إلى 125 دولارًا، وفق ما قدره صندوق النقد الدولي.

الاقتصاد الروسي عام 2014-2015

الاقتصاد الروسي اقتصاد ريعي يعتمد على تصدير الطاقة الذي يشكل 54.2% من الصادرات الكلية (الإيرادات)، وترتفع النسبة إلى 65.3% عند إضافة الغاز الطبيعي، وبالتالي ترتبط العملة الروسية الروبل بشكل وثيق بأسعار النفط، وقد تهاوت هي الأخرى أكثر من 40%، وارتفع التضخم إلى 12.3%، وبات 22 مليون روسي تحت خط الفقر، وتفاقم الدين الروسي السيادي إلى 170 مليار دولار، وهروب رؤوس الأموال من روسيا التي قدرت بـ 125 مليار يورو و151 مليار دولار.

حتى إن موازنة 2016 سوف تقدر على سعر برميل 50 دولار، في حين سعره المتوقع في السوق 37 دولار، ما يدل أن الأزمة الاقتصادية الروسية نتيجة انهيار أسعار الطاقة ليس لها حل.

أما النصف الثاني من إيرادات الميزانية تأتي من صناعة الفضاء والسلاح، لكن روسيا منيت بسوريا بالكثير من الفشل بأسلحتها وطيرانها، ما ينذر بأن الأعوام القادمة ستكون كارثية عليها، وخاصة أن الأسواق التي يمكن أن تشتري من الروس هم الآن من أصدقاء الشعب السوري (حلفاء المعارضة).

لذا فإن تصحيح ميزانية روسيا يقع على عاتق الطاقة والسعر المناسب لهذا التصحيح 100 دولار لبرميل النفط، وذلك حسب خطط الإنفاق الحكومي بداية عام 2015، علما ان تكلفة انتاج البرميل يتراوح بين 15-40 دولار.

ما علاقة ذلك كلّه بحادثة السفارة؟

لا بد من الإشارة هنا إلى أن روسيا ومن ثم السعودية وبعدها أمريكا ثم إيران، بالترتيب، أكثر الدول إنتاجًا للنفط في العالم.

أما التصدير فالسعودية ومن ثم روسيا ثم إيران، بالترتيب، أكثر دول العالم تصديرًا له، بالترتيب، في حين يقدر الطلب على النفط خلال هذا العام بـ 92.5 مليون برميل يوميًا.

وبالتالي فهذه الدول بحاجة إلى توتر مباشر بينهم يقنع العالم أن أسواق الطاقة لن تكون مستقرة، ما يساعد على رفع الطلب تحوطاً وخوفًا من توسع هذا التوتر وتطوره.

وبالمقابل يمكن إطفاء هذا التوتر متى أرادت هذه الدول ذلك، فلم يكن أمامها إلا اتباع وصفة مجربة بدول العالم كلها وهي الهجوم على السفارات فيمكن رفع الضجيج الإعلامي الى درجة الصخب وممكن تخفيضه الى درجة الصامت متى ارادو ذلك.
ولكي يقتنع سوق الاستهلاك بذلك كان لا بد من تضخيم الأمر فبدأت السعودية بالضغط على دول لها نفوذ عليها لقطع علاقتها بإيران، رغم أن لا تأثير لها في سوق النفط، كل هذا على أمل أن يزداد الطلب على النفط تحوطًا من قبل الصين واليابان وألمانيا.

علمًا انه لا يمكن تخفيض الحصص لرفع الأسعار كون كل دولة من هذه الدول تشارك بحرب عسكرية تحتاج إلى أموال، عدا أن هذه الأعوام أعوام رسم خرائط للطاقة وتحتاج إلى ترسيخ وجود لها، إضافة إلى تجربة قديمة للسعودية بالثمانينيات عندما خفضت كمية إنتاج النفط، ولم تنخفض الأسعار وخسرت السعودية حصصها في الإنتاج.