عنب بلدي – خالد الجرعتلي
أعلنت “حركة أحرار الشام الإسلامية”، المنتشرة في أجزاء من ريف حلب الشمالي وإدلب، عن عزل قائدها عامر الشيخ ومجلس قيادتها بالكامل، وتعيين بدلاء عنهم.
وتضمّن بيان نشره معرف الحركة عبر “تلجرام” (شائع الاستخدام في المنطقة)، في 8 من تشرين الثاني الحالي، قرار تعيين يوسف الحموي الملقب بـ”أبو سليمان” قائدًا عامًا للحركة.
ويعتبر الحموي أحد مؤسسي الحركة برفقة قيادييها الذين قُتلوا بانفجار لا يزال مجهول السبب عام 2014.
وأشار البيان إلى عزم الحركة التواصل مع من وصفهم بـ”أبناء الحركة”، للعمل على تشكيل مجلس قيادة جديد، وفق ميثاق الحركة، وعودة الأمور إلى فترة “ما قبل الانقلاب”.
ووردت أسماء مجموعة من أكبر ألوية وتشكيلات الحركة، مثل: “لواء الإيمان”، ”لواء خطاب”، “قوات النخبة في لواء العاديات”، “لواء الشام”، ”كتيبة الحمزة”.
قيادات تعزل بعضها
الإعلان الأخير عن عزل قائد الحركة، سبقه إعلان تيار في “حركة أحرار الشام الإسلامية” يتبرأ من ستة قياديين سابقين فيها، ما عزز الخلاف الداخلي الذي كان قد بدأ بأروقة صنّاع القرار في “أحرار الشام” قبل عدة سنوات، وحوّلها بعد أن كانت من أكبر فصائل المعارضة، إلى تيارات يقتصر تأثيرها على دعم أصحاب النفوذ شمال غربي سوريا.
الإعلان أقصى قياديين، منهم من سبق وتولى منصب القائد العام للحركة سابقًا، وهم جابر علي باشا، وعلي العمر، ومهند المصري، ومحمد ربيع الصفدي، و”أبو حيدرة الرقة”، وخالد أبو أنس.
وما لبث أن صدر إعلان التبرؤ من القياديين السابقين في الحركة، حتى رد القائد العام السابق لـ”أحرار الشام”، جابر علي باشا، عبر “تلجرام”، ببيان قال فيه، إن التبرؤ من القياديين صادر عن الفرع الذي يديره حسن صوفان من “أحرار الشام”، وأنه لا يمثّل الحركة.
الخلاف الحالي الذي طفا على السطح في الحركة ليس جديدًا، إنما تعود جذوره إلى أكثر من عامين، عندما انقسمت ألوية الحركة التي كانت تعتبر من أكبر فصائل المعارضة المسلحة قبل عام 2017، على خلفية هجوم “هيئة تحرير الشام” ضد الحركة، الذي قسّم ألويتها إلى مؤيد ومعارض لـ”الهيئة”.
بداية النهاية
على غرار “تحرير الشام” التي يطغى الطابع التنظيمي على مفاصلها، كانت “حركة أحرار الشام” أحد أكثر الفصائل تنظيمًا شمال غربي سوريا، وضمّت في أوج قوتها عام 2015 أكثر من 20 ألف مقاتل، بحسب ما قاله قياديون سابقون في الحركة لعنب بلدي.
التنظيم اتضحت هشاشته مع هجوم “تحرير الشام” على معبر “باب الهوى” الذي كانت تديره “أحرار الشام” على الحدود مع تركيا، وكان يعتبر مصدرًا أساسيًا لتمويلها، إذ انقسمت فصائلها بين محايد ورافض لقتال “تحرير الشام”، فيما اعتزل قسم آخر القتال.
وانتهت العمليات العسكرية بهدنة قضت بوقف إطلاق النار، وتشكيل فصيل “الجبهة الوطنية للتحرير”، مثلّت “أحرار الشام” عماده مع فصائل أخرى سبق وهاجمتها “تحرير الشام” في المنطقة.
وبدأت “الهيئة”، في 21 من تموز 2017، محاولات التقدم نحو “باب الهوى”، الذي كان ضمن مناطق نفوذ “أحرار الشام”، بعد رفض “تحرير الشام” مبادرة من طرف “أحرار الشام”، دعت لوضع “رؤية ملزمة وشاملة، تراعي من خلالها الحقوق السياسية والعسكرية والمدنية للأطراف جميعًا”.
تيارات مقسّمة
كانت “حركة أحرار الشام” تضم ألوية وفصائل عديدة، بينما كان يطغى على تشكيلاتها الطابع المناطقي، إذ كان “لواء الإيمان” يضم نحو ثلاثة آلاف مقاتل، أغلبيتهم العظمى من أبناء مدينة حماة، وهو أحد أكبر ألوية الحركة.
بينما كان يشكّل مقاتلون معظمهم من أبناء محافظة إدلب “لواء بدر”، وهو أكبر لواء في الحركة.
في حين جمع لواء “المهاجرون والأنصار” مقاتلين من أبناء منطقة الغاب شمالي محافظة حماة، أما قطاع البادية في الحركة، فمعظم مقاتليه كانوا من أبناء المناطق الشرقية من سوريا.
الباحث في مركز “جسور للدراسات” وائل علوان، قال لعنب بلدي، إن اقتتال “أحرار الشام” مع “الهيئة” كاد أن يودي بالحركة إلى التفكك عام 2017، وأنقذها منه انخراطها بتشكيلات جديدة مع فصائل أخرى، لكن وفي الوقت نفسه، لم تتخلّص الحركة من عقيدة تشكيلاتها العسكرية ذات الطابع المناطقي.
وأدت العقيدة المناطقية في الحركة، بحسب علوان، إلى تعليق أكبر ألويتها عضويتها بالحركة، خصوصًا مع انخراط “أحرار الشام” بمشروع “تحرير الشام” شمال غربي سوريا.
وكانت الحركة حاولت قبل الضربة التي تلقتها على يد “تحرير الشام” تسريع عملية التحول الداخلي فيها، من خلال رفع علم الثورة السورية في مناطق نفوذها ممهورًا بشعار “مشروع أمة”، إضافة إلى اعتمادها القانون العربي الموحد للقضاء في جميع المحاكم التابعة لها في سوريا.
انضوت “حركة أحرار الشام” ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير”، التابعة لـ”الجيش الوطني” المدعوم من تركيا.
كما انضوت آنذاك “الجبهة الوطنية” و”هيئة تحرير الشام” و”جيش العزة” ضمن غرفة عمليات “الفتح المبين”.
تيار “صوفان”.. مقرب من “تحرير الشام”
تواصلت الخلافات الداخلية في “أحرار الشام” مع إصرار قائدها جابر علي باشا على رفض أي محاولات لعزل القيادة العامة للحركة، يقابله صعود من قائدها السابق حسن صوفان، وجناحه، محاولًا جرها إلى هيكلية عسكرية جديدة.
وظهر القائد العام للحركة التي انضوت ضمن “الجبهة الوطنية للتحرير”، في تشرين الثاني 2020، مؤكدًا أن قيادة “أحرار الشام” المتمثلة به، هي “القيادة الشرعية الوحيدة للحركة، وما زالت تتابع أعمالها”، مشيرًا إلى أن الحركة لن تثنيها “خيانات البعض وتنكبهم عن الطريق عن متابعة المهام الملقاة عليها”.
وأكد رفض واستهجان محاولات “الانقلاب المتكررة غير الشرعية، التي ينفذها قائد الحركة العسكري، حسن صوفان، بتأييد من بعض الشخصيات داخل الحركة وخارجها، والذي سبق وعُزل بسبب أخطائه واستبداده في العمل”.
خطاب علي باشا تبعه إعلان حسن صوفان عن قبوله “مؤقتًا” تفويض قائد الجناح العسكري السابق “أبو المنذر”، وتسيير شؤون الحركة خلال المرحلة الحالية.
واعتبر صوفان أن قبوله جاء “لتثبيت وجود الحركة، وإعادة لم شملها، وترتيب صفوف شبابها، وتشكيل مجلس قيادة للحركة خلال الفترة المقبلة يشمل الأطراف المؤثرة من جميع المناطق”.
الباحث وائل علوان، اعتبر أن قيادة الحركة المتمثلة بتيار يقوده حسن صوفان، اتجهت نحو “الواقعية” من خلالها تحالفها مع “هيئة تحرير الشام” التي أضحت أكبر قوة عسكرية في المنطقة، واعتبارها “حكم الواقع”.
وكانت أبرز أدوار هذا التيار عندما آزر “تحرير الشام” في حربها ضد “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني” مؤخرًا، وتسلّم المناطق التي سيطرت عليها في مدينة عفرين ومحيطها.
قضى حسن صوفان (أبو البراء) حوالي 12 عامًا في سجن “صيدنايا” السوري، وأُفرج عنه بصفقة تبادل أجرتها الحركة مع النظام السوري، في كانون الأول من عام 2016، وكان المسؤول عن الصفقة “الفاروق أبو بكر”، وهو قيادي في “حركة أحرار الشام” مثّل المعارضة في اتفاق حلب.
واحتفظ النظام بصوفان في “صيدنايا”، رغم إفراجه عن عشرات المحسوبين على التيار الإسلامي عام 2011، الذين باتوا من قادة الصف الأول للفصائل والتشكيلات الإسلامية، ومنهم زهران علوش، مؤسس “جيش الإسلام”، وحسان عبود، مؤسس “أحرار الشام”، وأحمد الشيخ (أبو عيسى) مؤسس “صقور الشام”.
وفي آب من عام 2017، عيّنت “حركة أحرار الشام” حسن صوفان، الذي كان رئيس مجلس شورى الحركة، قائدًا عامًا جديدًا لها، وفق بيان من المجلس.
تيار مضاد.. لا يتوافق مع “تحرير الشام”
شكّلت “أحرار الشام” عام 2021 مجلسًا أطلقت عليه اسم “مجلس القيادة” تألف من 12 شخصًا، بعد تفاقم الخلافات داخل صفوفها.
وقال عضو مجلس القيادة في الحركة “أبو محمد الشامي” لعنب بلدي، حينها، إن مجلس القيادة يتكون من 13 عضوًا برئاسة قائد الحركة، عامر الشيخ، الذي شكّل المجلس بالتعيين المباشر من قبله، وفق الصلاحيات الممنوحة له ضمن الاتفاق الذي أنهى الإشكال الداخلي الأخير في الحركة.
لكن ما لبث عامر الشيخ أن تسلّم قيادة الحركة حتى انقلب على مشروعها، منحازًا لـ”تحرير الشام”، إذ يتهمه قياديون بأنه أدخلها “في حالة موت سريري”، بعد أن كانت أكبر فصائل المنطقة.
إدارة عامر الشيخ تسببت بحل مجلس الشورى السابق نفسه، وأخذ موقف مضاد لتحكم “تحرير الشام” بالحركة، والتخلي عن مشروعها.
مجلس شورى الحركة الذي أُقصي بقرار من قيادتها، أخذ موقفًا مضادًا لتخلي الحركة عن مشروعها الخاص ولاندماجها مع “تحرير الشام”، وتحولها إلى دمية بيد “الهيئة” التي لا تزال توجه بعضًا من فصائلها حتى اليوم.
وكان لهذا المجلس أثره عندما حرّض ألوية عاملة في “أحرار الشام” على تعليق عضويتها في الحركة، أبرزها “لواء الإيمان”، اعتراضًا على التقارب مع “الهيئة”، إضافة إلى مغادرة “لواء بدر” و”لواء العباس” و”مجموعات الشرقي” في إدلب، و”تجمع حلب”، وانضمامها إلى “الجبهة الشامية” شمالي حلب.
وانتهى هذا التحريض بعزل عامر الشيخ من قيادة الحركة، وتعليق مجموعات كبيرة من “أحرار الشام” عملها مع القسم الذي يقوده الشيخ، داعمة لقيادتها الجديدة المتمثلة بيوسف الحموي (أبو سليمان).
التيار “المحايد”
مع تفاقم الخلافات الداخلية بين قيادة “أحرار الشام”، أحجمت مجموعات وشخصيات من الفصائل عن التدخل في الخلاف، ومنها من أدرك عجزه عن إحداث فارق قد يغير مستقبل الحركة، فقرر التزام الحياد من الخلاف، ومن تبعية الحركة ضمنيًا لـ”تحرير الشام”.
ويرى علوان أن اتخاذ موقف الحياد من جانب هذا التيار اليوم يعود لرفضه ما تحولت إليه الحركة وتبعيتها لـ”تحرير الشام”، لكن عدم توفر مشروع بديل بالنسبة لهم، أفضى بهم إلى اتخاذ موقف الحياد من تيارات الحركة.
بينما كسر هذا التيار حياده بانضمامه إلى البيان الأخير، الذي أقر بتعيين يوسف الحموي الملقب بـ“أبو سليمان” قائدًا عامًا للحركة، وعزل “أبو عبيدة قطنا” ونائبه “أبو محمد الوادي” من قيادتها.
أُسست الحركة أواخر 2011 من اندماج أربعة فصائل معارضة سورية، هي “كتائب أحرار الشام” و”حركة الفجر الإسلامية” و”جماعة الطليعة الإسلامية” و”كتائب الإيمان المقاتلة”، واختارت عبارة “مشروع أمة” شعارًا لها، لتبدله إلى “ثورة شعب” عقب تولي هاشم الشيخ (أبو جابر) قيادتها في 2014.