الأسد وقانون الكهرباء.. “شرعنة الأمبيرات” أم فتح الباب للحلفاء
عنب بلدي – محمد فنصة
أثار قانون الكهرباء رقم “41”، الذي أصدره رئيس النظام السوري، بشار الأسد، ردود فعل حول غايته ومدى تأثيره على حياة السكان، إذ يمكّن وزارة الكهرباء من الترخيص للمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع التوليد التقليدية المستقلة من دون الالتزام بشراء الكهرباء.
وعدّل القانون، الصادر في 29 من تشرين الأول الماضي، بعض أحكام قانون الكهرباء رقم “32” لعام 2010، بحيث تتولى المؤسسة العامة لنقل وتوزيع الكهرباء أو شركة الكهرباء في المحافظة، نقل الكهرباء إلى مشتركين رئيسين أو مشتركين على التوتر المتوسط أو لغرض التصدير، بطلب من المرخص له، وضمن الإمكانيات الفنية وحدود الاستطاعة المتاحة لشبكة النقل أو التوزيع.
ويتطلّب ذلك اتفاقية مبرمة لهذه الغاية، مقابل بدلات استخدام شبكات النقل أو التوزيع.
كما يمكن للمؤسسة أو شركة الكهرباء في المحافظة، وعند توفر الإمكانيات الفنية لديها، شراء الكهرباء الفائضة عن حاجة استهلاك المصرح له بالتوليد التقليدي، على ألا يجري ربط شبكته بشبكة النقل أو التوزيع على التوتر المتوسط وعلى نفقته، وبشروط وأسعار الوزارة.
وتتولى المؤسسة الإعلان عن طلبات عروض لدعوة المستثمرين لتنفيذ محطات توليد الكهرباء اعتمادًا على مصادر الطاقة المتجددة، وشراء الكهرباء المنتجة بالأسعار التي يجري التعاقد عليها مع المستثمر.
ويمكن للمستثمر بعد الترخيص تنفيذ محطات توليد كهرباء اعتمادًا على مصادر الطاقة المتجددة، وبيع الكهرباء المنتجة لمشتركين رئيسين أو مشتركين على التوتر المتوسط، أو تصديرها عبر شبكة النقل، وبيع المشتركين على التوتر المنخفض باستخدام شبكات خاصة.
وتلتزم المؤسسة بشراء الكهرباء المنتجة من محطات توليد الطاقة المتجددة، كما يمكن لها شراء الكهرباء المنتجة بأسعار يُتفق عليها مع المستثمر.
“مدخل للفساد”
أكّد وزير الكهرباء، غسان الزامل، أن التعديلات على المواد الثلاث من قانون الكهرباء سمحت لصاحب أي منشأة توليد بالطاقات المتجددة أو التقليدية بالبيع على خطوط التوتر المتوسط على مخرج مستقل وفقًا لأسعار تحددها الوزارة، كما سمحت بالشراء من صاحب منشأة توليد مرخص له على خطوط التوتر المنخفض.
الباحث السوري سنان حتاحت، أوضح لعنب بلدي أن تعديلات قانون الكهرباء تخص إنتاج الكهرباء وليس توزيعها، بحيث ما زال التوزيع محتكرًا من شركة الكهرباء، إلا في حال كان المنتج الخاص على تماس مباشر مع الوحدات السكنية أو الصناعية.
وركّز القرار بهذه التعديلات على السماح بإنتاج الكهرباء عبر طاقات حرارية مثل الفيول، بعدما كان يقتصر الإنتاج على الطاقات المتجددة مثل الطاقات الكهروضوئية والرياح، وفق الباحث، كما سمح للمنتجين من القطاع الخاص ببيع الكهرباء لمن أرادوا، بينما كان يشترط سابقًا بيعها لوزارة الكهرباء.
وأوضح حتاحت أنه في حال كان المنتج على مسافة بعيدة من المستهلك، فإنه سيضطر إلى بيع الكهرباء للوزارة المفوضة بنقلها وبحسب أسعارها التي تحددها، وهو ما يفسر القانون بأنه “بعيد عن الخصخصة”، وإنما هو نظام “شراكة بين القطاع العام والخاص”.
ويفوّض النظام الجديد القطاع الخاص ببعض المهام التي ليس بمقدور القطاع العام توليها، ويرى حتاحت أن النظام الجديد يتيح لرجال الأعمال المقربين من النظام الدخول في إنتاج الكهرباء، ليكون “مدخلًا للفساد”.
وما سيثبت وجود الفساد، بحسب حتاحت، سعر المبيع للكهرباء الذي ستقره الوزارة بعد هذه المشاريع، فإذا كان السعر أكبر من تكلفة الإنتاج بشكل كبير، فإن ذلك يؤكد أن القانون فتح “بابًا للفساد” أكبر من كونه تفويض جزء من أعباء حكومة النظام للقطاع الخاص.
وتبلغ تكلفة إنتاج الكيلوواط الكهربائي حاليًا في سوريا 800 ليرة سورية، بحسب الزامل، بينما يباع بشكل وسطي للمستهلكين المنزليين بقيمة 20 ليرة من قبل وزارة الكهرباء.
واتفق الباحث والمحاضر المختص بالشؤون الاقتصادية خالد تركاوي مع سنان حتاحت، بأن التشريع الأخير لا علاقة له بالخصخصة “على الأقل في المدى المنظور”، كونه يحافظ على مؤسسات الدولة العاملة في قطاع الكهرباء، ويسعى لإنشاء شركات جديدة خاصة، وفق ما قاله لعنب بلدي.
وتوقع تركاوي أن الأسعار ستكون مرتفعة بالنسبة للقطاع الخاص، وتبقى على حالها للعام، أي ستصبح الكهرباء متاحة لمن يدفع، أما من سيبقى على اشتراك الكهرباء النظامية (من وزارة الكهرباء) فسيحصل على ساعتين أو ثلاث ساعات من الكهرباء في اليوم.
هل يشرّع “الأمبيرات”؟
أكّد وزير الكهرباء، غسان الزامل، أن التعديلات الحالية لا تمثّل تشريعًا لـ”الأمبيرات” (اسم متعارف عليه لكهرباء المولدات في سوريا)، لكون القانون أعطى للمستثمرين إمكانية بيع الكهرباء على التوتر المتوسط لدعم الصناعيين بينما تباع كهرباء “الأمبيرات” على التوتر المنخفض.
بينما ورد في الفقرة الأخيرة من التعديلات، أن للمستثمر الحق بعد حصوله على الترخيص ببيع المشتركين على التوتر المنخفض باستخدام شبكات خاصة.
الباحث السوري سنان حتاحت، أوضح أن العقوبات الغربية المفروضة على قطاع الكهرباء في سوريا “واسعة جدًا”، بحيث لا يمكن لفرد أو شركة شراء محطات توليد كهربائية ذات إنتاج مرتفع، بينما يمكنهم شراء مولدات ذات استطاعة صغيرة، لذا توقع الباحث أن يكون القانون مدخلًا “لشرعنة الأمبيرات”.
كما اعتبره مدخلًا مستقبليًا “لفرض ضرائب” على القطاع الخاص المتمثل بصغار ومتوسطي الدخل، وهو ما يتماشى مع نهج النظام خلال السنوات الأخيرة في البحث عن طرق من أجل فرض إتاوات وضرائب جديدة.
ولم يستبعد المختص بالشؤون الاقتصادية خالد تركاوي أن تكون التعديلات “شرعنة للأمبيرات”، لأن النظام يسعى لتأمين الكهرباء بأي طريقة، سواء بمولدات كبيرة، أو عمليات توليد طاقة نظيفة أو محطات كبرى.
وذكر الزامل خلال مقابلته مع الهيئة العامة للإذاعة والتلفزيون، أن الحكومة “تغض النظر” عن بيع “الأمبيرات” نتيجة سوء الأوضاع الكهربائية في البلاد، لكنها تعارض هذا التوجه.
تهرّب من العقوبات
قال وزير الكهرباء، غسان الزامل، إنه “لا بد من إصدار قوانين جديدة تسهم في تجاوز العقوبات المفروضة”، بالتعاون مع المستثمرين، فيما وصفه بـ”محاولة التفاف” على العقوبات الواسعة المفروضة على القطاع، وهو الذي يتسبب بمنع استيراد قطع الغيار اللازمة لعمل محطات التوليد، إذ إن جميع محطات التوليد في البلاد ما عدا واحدة هي من إنشاء الدول الغربية.
وبحسب صحيفة “تشرين” الحكومية، فإن “المجتمع شريك ومسؤول مع الحكومة في حل المشكلات والأزمات الاقتصادية التي لا تنفرد بقطاع محدد”، وهذا القرار هو “باكورة” فتح الاستثمارات ضمن قطاعات أخرى، أبرزها قطاع البناء والإعمار.
وشكّك الباحث سنان حتاحت في أن يتمكن القانون الجديد من خلق بيئة جديدة لإنتاج كمية كافية من الكهرباء لتلبية الاحتياجات المحلية، لوجود العقوبات الغربية التي تردع أي مستثمر من شراء مولدات ذات استطاعة كبيرة.
فيما يتوقع المحلل الاقتصادي خالد تركاوي، أن تستفيد شركات إيرانية حكومية أو مقربة منها من قانون استثمار الكهرباء، فلا أحد يستطيع حماية تلك الاستثمارات سواها، وكذلك رجال أعمال مقربون من النظام.
وتبلغ حاجة المناطق الخاضعة لسيطرة النظام من الكهرباء نحو ستة آلاف ميغاواط، بينما تصل الكمية المولدة إلى ألفي ميغاواط حتى الآن، بحسب وزير الكهرباء.
وفاقمت السنوات العشر الأخيرة الأوضاع الخدمية المرتبطة بالكهرباء إلى حد كبير في المناطق التي يسيطر عليها النظام السوري، حيث أصبح نصيب الفرد من استهلاك كهرباء الدولة 15% مما كان عليه في عام 2010، وفق دراسة بحثية أعدها الباحثان سنان حتاحت وكرم شعار، في أيلول 2021.
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
English version of the article
-
تابعنا على :