تستمر المطالب بالكشف عن نتائج التحقيق مع الضالعين في قضية اغتيال الناشط الإعلامي محمد عبد اللطيف (أبو غنوم) وزوجته الحامل، بعد 35 يومًا من اغتيالهما في مدينة الباب بريف حلب الشرقي.
تزامنت المطالب مع حديث منصات ومواقع إلكترونية عن أن جهات حقوقية تقدمت بدعوى إلى محكمة الجنايات الدولية في لاهاي بهولندا، موثقة أدوات وعناصر عملية الاغتيال.
كما ينتظر”الشارع الثوري” الذي يضم وجهاء ونقابات واتحادات وطلابًا و”تنسيقيات” في مدينة الباب انتهاء المهلة بعد ثلاثة أيام، التي أعطاها بيان صادر عنهم في 31 من تشرين الأول الماضي، حمل مطالب الكشف عن نتائج التحقيق.
ما إمكانية المحاكمة في لاهاي؟
في 7 من تشرين الأول الماضي، اغتال مقاتلون يتبعون لمجموعة “أبو سلطان الديري” ضمن “فرقة الحمزة” (الحمزات) التابعة لـ”الجيش الوطني السوري” المدعوم من تركيا، الناشط وزوجته الحامل.
أحدث المستجدات كان حديث المواقع الإلكترونية عن الدعوى المقدمة إلى محكمة الجنايات، واستند إلى اتهامات مباشرة لـ”الحمزات” بأنها ارتكبت “جريمة حرب”، وهي من الجرائم التي تنظر فيها المحكمة.
مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، بسام الأحمد، أوضح أن إمكانية محاسبة الضالعين بقضية اغتيال “أبو غنوم” عن طريق محكمة الجنايات الدولية غير ممكنة، بغض النظر عن تصنيف الجريمة سواء أكانت “جريمة حرب” أو غيرها، لسببين هما أن سوريا ليست طرفًا في النص المؤسس لمحكمة الجنايات الدولية، والثاني هو أن المحكمة ليس لديها اختصاص في هذه القضية، مشيرًا إلى أنه لا يمكن لأي محكمة في العالم سواء دولية أو غير دولية أن تفتح قضية بمكان ما إذا كانت لا تملك اختصاصًا.
وقال الأحمد لعنب بلدي، إن سوريا يجب أن تكون موقّعة على النص المؤسس للمحكمة، وعلى هذا الأساس يمكن للمدعي العام أن يتحرك في القضية، وكذلك في حال أعلنت الدولة نفسها (سوريا) رضاها وقبولها في اختصاص المحكمة.
ولفت الأحمد إلى أنه جرى تحويل ملفات معيّنة للمحكمة من قبل مجلس الأمن الدولي، في حال شكّلت هذه الملفات خطرًا على السلم والأمن الدوليين، لكن ليس في الحالة السورية، فقضية “أبو غنوم” لا يمكن تحويلها إلى المحكمة عن طريق مجلس الأمن الدولي حالها كحال العديد من القضايا في سوريا، لوجود “فيتو” روسي وصيني متعدد.
إمكانية وفرص المحاسبة بالمستقبل موجودة في أماكن ثانية، بحسب مدير منظمة “سوريون من أجل الحقيقة والعدالة”، في حال كان أحد من أهل الناشط والضالعين في عملية الاغتيال في أوروبا أو في بلد قوانينه تسمح بالملاحقة فيمكن ملاحقتهم ومحاسبتهم.
والإمكانية الثانية للمحاسبة مستقبلًا في حال وجود أي نوع من أنواع الانتقال السياسي أو وجود محكمة خاصة بسوريا أو محكمة مختلطة أو ما شابه، بحسب الأحمد.
“الشارع الثوري” يريد معرفة “المعلم”
“هيك بدو المعلم”، كلمات اعترف بها أنور محمد سلمان الملقب بـ”الحوثي”، في 10 من تشرين الأول الماضي، وهو أحد المسؤولين عن اغتيال الناشط الإعلامي، قائلًا إن عملية الاغتيال جرت بأوامر من قياديين في “فرقة الحمزة”.
كاميرات في شوارع مدينة الباب كشفت عملية تتبع ورصد “أبو غنوم” وزوجته، تبعتها اعترافات مصوّرة للعناصر بعد إلقاء القبض عليهم من قبل “الفيلق الثالث” التابع لـ”الجيش الوطني”.
بيان “الشارع الثوري” الصادر في 31 من تشرين الأول الماضي، ذكر أن تأخير إعلان نتائج التحقيق فيه مماطلة، ولا يمكن تفسيره إلا محاولة لإخفاء الآمر الرئيس بالجرائم وإيقاف التحقيق عند “المجرمين المنفذين”، والتغطية على قيادة “فرقة الحمزة” المتهمة بإصدار الأوامر.
وحدد البيان مهلة مدتها 15 يومًا للكشف الفوري عن نتائج التحقيق بدأت منذ 1 من تشرين الثاني الحالي.
وتوجّهت المطالب إلى السلطات التركية، صاحبة النفوذ بالمنطقة، والمؤسسات الرسمية وعلى رأسها “الشرطة العسكرية” في ريف حلب، بالإعلان عن نتائج التحقيق وتنفيذ الوعود التي قُطعت من قبل المؤسسات الأمنية لإيجاد حل جذري للتجاوزات والاختراقات الأمنية.
وفي 23 من تشرين الأول الماضي، اعترف محمد العكل (أبو هيثم) أحد الضالعين الرئيسين بقضية اغتيال الناشط “أبو غنوم”، بأن هدف الخلية التالي كان الطبيب محمود السايح من مدينة الباب.
وعبر تسجيلات صوتية نُشرت في قنوات “تلجرام” (واسعة النشاط في المنطقة)، للطبيب السايح، ذكر أن “أبو هيثم العكل” اعترف بتلقيه أوامر من “أبو سلطان” بمتابعة الطبيب وتعقبه بهدف اغتياله من مجموعة أخرى يحددها “أبو سلطان”.
ونفى السايح معرفته بـ”أبو سلطان”، مرجعًا أسباب متابعته لأجل اغتياله إلى أوامر أو تعليمات من أشخاص ورتب أعلى، مطالبًا “الشرطة العسكرية” بمعرفة الأسباب والدوافع لوضعه هدفًا آخر لعملية اغتيال، ومن يقف وراء ذلك.
هل تنفذ “دفاع المؤقتة” وعودها؟
بعد أربعة أيام من اغتيال “أبو غنوم”، أعربت وزارة الدفاع في “الحكومة السورية المؤقتة” المظلة السياسية لـ”الجيش الوطني”، عن أسفها للأحداث في مدينة الباب، وذكرت أنها مع المطالب الشعبية المنادية بتطبيق الأحكام العادلة على المجرمين الذين ارتكبوا جريمتهم “البشعة”.
بيان الوزارة الصادر في 11 من تشرين الأول الماضي، جاء بعد أن أشعلت عملية اغتيال الناشط فتيل اقتتال داخلي بين مكوّنات “الجيش الوطني”، لم يتوقف حتى تدخلت تركيا بشكل غير مباشر لوقف الاقتتال في 17 من الشهر نفسه عبر “هيئة ثائرون للتحرير” التابعة لـ”الوطني” أيضًا.
تواصلت عنب بلدي مع مدير إدارة “الشرطة العسكرية”، العميد أحمد الكردي، في 7 من تشرين الثاني الحالي، لمعرفة أين وصلت إجراءات التحقيق، لكنه تحفظ على الإجابة حينها، وقال إنها قضية رأي عام ولا يريد أن يدخل بأي سجال.
وأعادت عنب بلدي التواصل مع العميد الكردي، في 10 من تشرين الثاني الحالي، الذي أوضح بدوره أن الملف أحيل إلى القضاء العسكري.
ومع تسارع الحديث عن اقتراب انتهاء المهلة التي أعطاها بيان “الشارع الثوري”، أصدرت وزارة الدفاع في “المؤقتة” بيانًا، في 10 من تشرين الثاني الحالي، قالت فيه “إن الاعتداء على الناشطين هو اعتداء على الثورة”.
وأضافت أن التحقيق لا يزال جاريًا مع منفذي عملية اغتيال “أبو غنوم” وزوجته الحامل، وتوعدت بأنهم سينالون جزاءهم “العادل”.
القصاص مطلب
والدة “أبو غنوم” طالبت، عبر تسجيل مصوّر في 26 من تشرين الأول الماضي، بالقصاص من قتلة ابنها وزوجته الحامل.
واستنكرت حضور قيادات بعض الفصائل للتعزية باغتيال ابنها، رغم أنهم يشرفون ويترأسون عناصر ارتكبوا عملية الاغتيال.
وتوجهت إلى كل حر شريف في المنطقة، وحمّلتهم مسؤولية المطالبة بحق دماء ابنها، وكل دماء هُدرت في أي مظلمة.
ويعتبر “أبو غنوم” أحد أبرز الناشطين الإعلاميين في الشمال السوري، ويُعرف عنه كثرة ظهوره في الوقفات الاحتجاجية والمظاهرات وتنظيمها والدعوة إليها بتعدد أسبابها ومطالبها.
انتقد الناشط حالة الفساد المنتشرة في جميع مفاصل الحياة بالمنطقة سواء خدمية، أو اقتصادية، أو عسكرية، أو أمنية، أو اجتماعية، عبر منشوراته على وسائل التواصل أو حتى بمظاهرات على الأرض.
–