عنب بلدي – ضياء عاصي
منذ أوائل أيلول الماضي، شهد مسار الهجرة غير الشرعية منعطفًا غير مسبوق من الجانب التركي، في معاملة اللاجئين الساعين للوصول إلى أوروبا برًا عبر الخط الحدودي الفاصل مع اليونان.
تزامن ذلك مع إطلاق دعوات لتنظيم حملة هجرة جماعية إلى أوروبا حملت اسم “قافلة النور”، أنشأ القائمون عليها غرف “تلجرام” ضمت قرابة الـ85 ألف عضو، بهدف حشد أكبر عدد من السوريين الراغبين في الخروج من تركيا.
ورغم أن هذه الحملة باءت بالفشل، عادت بنتائج سلبية، انعكست على عموم اللاجئين في محاولات الهجرة التي أعقبتها، وسط موجة هجرة كبيرة من تركيا إلى أوروبا، إثر تصاعد خطاب الكراهية ضد السوريين، وزيادة التضييق عليهم من خلال الإجراءات الحكومية.
وكانت “اللجنة السورية- التركية المشتركة” أصدرت بيانًا، حذرت فيه السوريين من الخطاب التحريضي، والوسائل التي تدعوهم لعدم الالتزام بالقانون، معتبرة الدعوات لتنظيم رحلة القافلة سببًا لخلق الفوضى والضرر للجميع.
من جهتها، قالت مديرة الاتصال في “اللجنة”، إناس نجار، لعنب بلدي، إن الدعوات غير المدروسة لا تقدم حلًا أو نتائج إيجابية، إذ إن “اللجنة” قيّمت الدعوات للمشاركة بالقافلة مع الجانب التركي، وخلصت إلى أن النتائج ستكون سلبية بشكل كبير على السوريين.
رد فعل انتقامي؟
بحسب ما رصدته عنب بلدي، اتخذ حرس الحدود التركي (الجندرما) أسلوبًا آخر في التعامل مع المهاجرين، تمثّل في احتجازهم وترحيلهم قسرًا عند رجوعهم أو في أثناء عبورهم إلى اليونان، بعد تسليط الضوء على القافلة من قبل وسائل الإعلام والمنظمات الحقوقية.
قبل تاريخ القافلة، كانت “الجندرما” تقابل العائدين من اليونان بمعاملة جيدة، من إشعال النار للتدفئة وتقديم الأحذية، بعد تعرضهم لانتهاكات من قبل السلطات اليونانية، التي كانت تعيدهم حفاة أو عراة في بعض الأحيان.
يوسف وأحمد، أخوان في العشرينيات من العمر، من الرقة شمال شرقي سوريا، قدما إلى تركيا، في 30 من آب الماضي، من مدينة تل أبيض الحدودية شمالي الرقة إلى مدينة أورفا جنوب شرقي تركيا، ومنها إلى اسطنبول.
وبعد وصولهما بأيام قليلة إلى اسطنبول، في 2 من أيلول الماضي، التي تعد منطلقًا إلى مدينة أدرنة الحدودية، قاما بأول محاولة “تهريب” إلى اليونان.
وعند بلوغهم نهر “إيفروس” الحدودي بطول 530 كيلومترًا، يشكّل منها 230 كيلومترًا الحدود البرية الوحيدة المشتركة مع اليونان، تفاجؤوا بحرس الحدود التركي (الجندرما) من ورائهم.
وبحسب ما قاله الأخوان لعنب بلدي، تحدث إليهم الحرس ليقلّهم إلى نقطة عبور أكثر أمانًا، بحسب وصف “الجندرما”، وأنزلهم على بعد بضعة كيلومترات، حيث كانوا يتأهبون لعبور النهر.
لم يلبث الأخوان ومجموعتهم البالغ عددها 14 شخصًا دقائق معدودة، حتى عاد الحرس ليأخذهم إلى مخيم “أدرنة” وسط حالة “ذهول”، ومن ثم توجه بهم إلى معبر “باب السلامة” الحدودي مع تركيا، في 8 من أيلول الماضي، بعد يوم واحد فقط من احتجازهم.
ووفقًا لرواية الأخوين، فإن الحرس أجبر جميع من معهم على توقيع أوراق لم يعرفوا محتواها، ليكتشفوا فيما بعد أنها أوراق “عودة طوعية”، شرعنت ترحيلهم إلى سوريا دون موافقتهم.
ولم يكن يوسف وأحمد يعرفان شيئًا من اللغة التركية ليدركا ما يواجهانه، رغم مطالبتهما بالحصول على وثيقة “الحماية المؤقتة” (كملك)، لكن الحرس “لم يعرهم بالًا”، بحسب قولهم.
هجرة عكسية
في 12 من تشرين الأول الماضي، ألقت الشرطة التركية القبض على مجموعتين من الشبان السوريين، كانوا ينتظرون سيارات “التهريب” في منزل بمنطقة كوتشوك تشكمجة باسطنبول، للذهاب إلى اليونان.
وبحسب ما قاله أحد الأشخاص الحاضرين حينها، على مجموعة لخدمات السوريين على “فيسبوك”، دهمت الشرطة المنزل، وأخذت جميع الموجودين إلى السجن، وبعدها إلى مركز توقيف الأجانب في توزلا، ومن ثم أرسلوهم إلى مدينة نيدا جنوب شرقي تركيا، التي تبعد عن اسطنبول مسافة 793 كيلومترًا تقريبًا.
وأكد صاحب المنشور الذي لم يُظهر اسمه، أن أحد أصدقائه، بالإضافة إلى كل شخص لم يكن لديه “كملك”، رُحّلوا إلى سوريا، بينما أُطلق سراح الباقين، كما كثرت في الشهرين الأخيرين العديد من المنشورات المشابهة، التي نقل أصحابها قصصهم في الترحيل دون سابق إنذار.
أحصت عنب بلدي عدد المرحلين من معبر “باب الهوى” الحدودي مع تركيا، منذ بداية العام الحالي وحتى نهاية تشرين الأول الماضي، وبلغ عددهم 16 ألفًا و173 شخصًا، من غير العائدين من المعابر الأخرى، في حين بلغ عدد القادمين إلى سوريا من المعبر نفسه، 87 ألفًا و696 شخصًا في ذات المدة الزمنية.
وبحسب ما قاله مدير المكتب الإعلامي لمعبر “باب الهوى”، مازن علوش، لعنب بلدي، فإن الجانب التركي يبصّم جميع العائدين على أوراق “عودة طوعية”، سواء كانوا عائدين طوعًا أم قسرًا، بالمقابل تصنف إدارة المعبر جميع من وقّع على هذه الأوراق ضمن بند “المرحلين” من تركيا.
فيما يُصنف المسافرون العاديون وهم العدد الأكبر ضمن بند “القادمين”، وهم من الشرائح المسموح لها بالعبور، ويحملون تراخيص لذلك، مثل التجار، والأطباء، وموظفي المنظمات، وفقًا لعلوش.
وانخفض عدد السوريين الحاملين لبطاقة “الحماية المؤقتة”، خلال أربعة أشهر، بحوالي 105 آلاف و778 شخصًا، وبلغ عددهم عند إعلان الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، عن مشروع بلاده لإعادة مليون لاجئ، في أيار الماضي، ثلاثة ملايين و761 ألفًا و267 لاجئًا سوريًا.
بينما وثّقت أحدث إحصائية صادرة عن الرئاسة العامة لإدارة الهجرة التركية، في 27 من تشرين الأول الماضي، وجود ثلاثة ملايين و611 ألفًا و143 لاجئًا سوريًا، من ثلاثة ملايين و655 ألفًا و489 شخصًا في أيلول الماضي.
انتهاكات.. تركيا ليست آمنة
أصدرت منظمة “هيومن رايتس ووتش” تقريرًا، قالت فيه إن السلطات التركية اعتقلت واحتجزت ورحّلت، بشكل تعسفي، مئات الرجال والفتيان السوريين اللاجئين إلى سوريا بين شباط وتموز الماضيين.
وذكرت المنظمة في تقريرها الصادر في 24 من تشرين الأول الماضي، نقلًا عن سوريين مرحّلين، أن السلطات التركية اعتقلتهم من منازلهم وأماكن عملهم ومن الشوارع، واحتجزتهم في ظروف سيئة.
وأضاف التقرير أنهم معظم المرحّلين تعرضوا للضرب وإساءة المعاملة، وأُجبروا على التوقيع على استمارات “العودة الطوعية”، واقتيدوا إلى نقاط العبور الحدودية مع شمال سوريا، وأُجبروا على العبور تحت تهديد السلاح، رغم امتلاكهم وثيقة “الحماية المؤقتة”.
وقالت الباحثة في حقوق اللاجئين والمهاجرين بالمنظمة ناديا هاردمان، إنه يجب على الاتحاد الأوروبي والدول الأعضاء فيه الاعتراف بأن تركيا لا تفي بمعاييره المتعلقة بدولة ثالثة آمنة، وأن يُعلّق تمويله لاحتجاز المهاجرين ومراقبة الحدود إلى أن تتوقف عمليات الترحيل القسري.
وأضافت هاردمان أن تصنيف تركيا كـ”دولة ثالثة آمنة” لا يتماشى مع حجم عمليات ترحيل اللاجئين السوريين إلى شمالي سوريا، ويجب على الدول الأعضاء “ألا تتخذ هذا التصنيف، وعليها التركيز على إعادة نقل طالبي اللجوء عبر زيادة أعداد إعادة التوطين”.
من جانبه، رفض رئيس إدارة الهجرة في وزارة الداخلية التركية، صواش أونلو، في رسالة موجهة للمنظمة، النتائج التي توصلت إليها، ووصف المزاعم بأنها عارية عن الصحة، وقال إن بلاده “تقوم بإدارة الهجرة بما يتماشى مع القانون المحلي والدولي”.
وأكّدت رئاسة الهجرة التركية أن سوريا تعتبر حاليًا أحد البلدان التي يُطبّق عليها “مبدأ عدم الإعادة القسرية”، مشيرة إلى أن السوريين الذين عادوا إليها فعلوا ذلك “طوعًا”، بحسب ما نقلته قناة “TRT” التركية، في 27 من تشرين الأول الماضي.
تعد تركيا من الدول المُلزمة بموجب المعاهدات والقانون الدولي العرفي باحترام “مبدأ عدم الإعادة القسرية”، الذي يحظر إعادة أي شخص إلى مكان قد يواجه فيه خطرًا حقيقيًا بالاضطهاد أو التعذيب أو تهديد الحياة.
وسبق أن رحّلت تركيا لاجئين سوريين “قسرًا” رغم امتلاكهم أوراقًا ثبوتية، إلا أنها أعادت جزءًا كبيرًا منهم خلال فترات زمنية متفاوتة، بعد انتشار تسجيلات مصوّرة للاجئين المرحّلين تثبت امتلاكهم أوراقًا رسمية.