يتواصل مسلسل انتقاد استضافة قطر لكأس العالم 2022، قبل انطلاق صافرة بدايته، في 20 من تشرين الثاني الحالي، ووصل إلى حد الهجوم والتنديد بإقامته فيها، رغم مرور 12 عامًا على منحها الاستضافة.
حملة وصفها أمير دولة قطر، تميم بن حمد آل ثاني، بأنها “غير مسبوقة“، تعرضت لها بلاده منذ أن نالت شرف استضافة كأس العالم.
وقوبل الهجوم على استضافة قطر أكبر حدث رياضي لكرة القدم ينتظره الملايين في العالم، بحملات تأييد دولية وعربية ومن شخصيات رياضية.
بلاتر ينتقد قرارًا اتُّخذ في عهده
أثارت استضافة قطر الكثير من الجدل، منها الفساد، وانتهاكات حقوق الإنسان، من خلال معاملتها “المقيّدة” للعمال الوافدين، والتي تنفيها قطر.
وأحدث هذه الانتقادات كان من رأس الهرم الرياضي العالمي، الرئيس السابق للاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا)، جوزيف بلاتر، الذي قال إن منح قطر حقوق استضافة مونديال 2022 كان “خاطئًا”، وإن “الاختيار كان سيئًا”.
وذكر بلاتر أن قطر “دولة صغيرة للغاية، كرة القدم وكأس العالم أكبر من أن تستضيفها”، في تصريحات نقلتها وكالة “رويترز” عن صحيفة “Tages Anzeiger” السويسرية، في 8 من تشرين الثاني الحالي.
وأوضح بلاتر أن “(فيفا) عدّل في 2012 المعايير التي استخدمها لاختيار البلدان المضيفة في ضوء المخاوف بشأن ظروف العمل في مواقع البناء المرتبطة بالبطولات في قطر”، مشيرًا إلى أنه سيتابع البطولة من منزله في زيوريخ.
واتخذ “فيفا”، في كانون الأول 2010، قرار منح قطر حق استضافة مونديال 2022.
المثلية.. “متاحة وحرام”
الاحترام والتقبل أو عدمه لمجتمع “الميم” (المثليون والثقافات الفرعية، التي توحدت بفعل الثقافة المشتركة والحركات الاجتماعية)، من أبرز القضايا الشائكة، والتي أثارت جدلًا واسعًا حول استضافة الدوحة للمونديال العالمي.
وطمأنت قطر أفراد مجتمع “الميم” الذين سيحضرون لمتابعة مجريات كأس العالم، في حين ظهرت بعض المخاوف بعد أن أعاد الحديث عنها بعض منظمي البطولة القطريين، الذين فتحوا الباب واسعًا أمام انتقادات أكبر ومخاوف لتقييد حرية التعبير.
في 20 من أيلول الماضي، تعهد أمير قطر، تميم بن حمد آل ثاني، خلال كلمته أمام الجمعية العامة للأمم المتحدة، بأن بلاده سترحب بجميع المشجعين في كأس العالم “دون تمييز”.
وقال ابن حمد آل ثاني، إن الشعب القطري “سيفتح ذراعيه لاستقبال محبي كرة القدم على اختلاف مشاربهم”، خلال بطولة كأس العالم التي تستضيفها بلاده، مشيرًا إلى أن البطولة ستمثّل فرصة للتعارف بين الشعوب، والاحتفاء بإنسانيتنا المشتركة.
واعتبر تميم أن العالم سيرى إحدى الدول الصغيرة والمتوسطة “قادرة على استضافة أحداث عالمية بنجاح استثنائي، كما أنها قادرة على أن تقدم فضاء مريحًا للتنوع والتفاعل البنّاء بين الشعوب”.
وفي تشرين الأول الماضي، أجاب المدير التنفيذي لكأس العالم في قطر، ناصر الخاطر، حول سؤال إن كانت بلاده ترحب بالمثليين، بـ”نعم”، في مقابلة مع “سكاي نيوز سبورتس”، مشددًا على أن أحدًا لن يتعرّض لأي كان في رسالة تطمين لمجتمع “الميم”.
في حين وصف خالد سلمان، وهو لاعب كرة قدم قطري دولي سابق، وأحد سفراء مونديال 2022 خلال كأس العالم، المثلية الجنسية بأنها “اضطراب في العقل”، في مقابلة مع القناة الألمانية العامة “ZDF”.
وقال سلمان، سفير برنامج “إرث قطر” لمونديال 2022، إن المثلية “حرام”، وإن لديه مشكلة في رؤية الأطفال للمثليين، مضيفًا أن “الأهم هو أن الجميع سيقبلون أن يأتوا إلى هنا، لكن عليهم قبول قواعدنا”.
قوبل تصريح سلمان بانتقاد وزيرة الداخلية الألمانية، نانسي فيزر، المسؤولة عن الشؤون الرياضية، وقالت فيزر، إن “تصريحات من هذا القبيل فظيعة”.
وأكّدت أنها لا تزال تثق بالضمانات الأمنية لجميع المشجّعين، بمن فيهم أفراد مجتمع “الميم”، التي حصلت عليها من السلطات القطرية خلال زيارتها الدوحة مؤخرًا.
وكانت فيزر وجهت انتقادات حادة لقرار الاستضافة، على هامش زيارتها إلى الدوحة في تشرين الأول الماضي، وقالت، “بالنسبة لنا كحكومة ألمانيا، فإن حق الاستضافة هذا خادع للغاية”.
وأضافت أن هناك معايير ينبغي الالتزام بها، وسيكون من الأفضل “عدم منح حق استضافة البطولات لمثل هذه الدول”.
العمال والانتهاكات
الحديث عن انتهاك السلطات القطرية حقوق العمال واستغلالهم لتشييد المنشآت تحضيرًا لكأس العالم ليس بجديد، لكنه يتسارع مع اقتراب المونديال العالمي.
وفي 6 من تشرين الثاني الحالي، قالت صحيفة “التايمز” البريطانية، إن الآلاف من العمال المغتربين الذين أسهموا في أعمال البنية التحتية لمنشآت بطولة كأس العالم في قطر، جرت إعادتهم إلى بلادهم بعد فترة قصيرة من قدومهم للدوحة.
وذكرت أن بعضهم لم يستطع أن يسدد القروض التي تكبدها من أجل الحصول على هذه الوظائف، ولا تزال عملية عدم دفع المستحقات المالية للعديد من العمال مستمرة.
وتحدثت سلسلة تقارير لـ”هيومن رايتس ووتش” عن انتهاكات بحق العمال، بخصوص الأجور ورسوم التوظيف، ووجود حالات وفاة لأشخاص خلال العمل لم يجر تعويض أسرهم، وقالت إن الإصلاحات التي أجرتها قطر “غير كافية” لحماية حقوق العمال، وإنها “تُنفذ بشكل سيئ”.
وفي تشرين الثاني 2021، حذر تقرير صادر عن منظمة العفو الدولية من أن العمال الأجانب في قطر لا يزالون يتعرضون للاستغلال على نطاق واسع، واتهمت قطر بعدم الوفاء بوعودها بشأن تحسين حقوق العمال.
وتتهم منظمة العفو الدولية، أيضًا، بعض أصحاب العمل باستغلال ثغرات في التشريعات التي أدخلت لحماية ظروف العمل لأكثر من مليوني عامل وافد يعملون في قطر.
وذكرت المنظمة أن جوهر الانتهاكات التي يواجهها العمال الأجانب يكمن في نظام “الكفالة” بقطر، الذي يربط العمال الأجانب قانونيًا بأرباب عملهم، وأن هذا النظام منع العمال من تغيير وظائفهم أو حتى مغادرة البلاد دون إذن من صاحب العمل، وأنه يوقع العمال الأجانب في “براثن حلقة من الانتهاكات”.
تأييد للاستضافة
الهجوم والانتقادات لاستضافة قطر، قوبلت بحملة تأييد ودعم من جهات وشخصيات دولية وعربية عديدة.
ونشرت مجلة “ماريان” الفرنسية مقالًا لعضو مجلس الشيوخ الفرنسي السيناتور فيليب فوليو، تحت عنوان “لا ينبغي للفرنسيين مقاطعة كأس العالم بقطر”، في 3 من تشرين الثاني الحالي.
ووصف فوليو الحملات ضد المونديال بأنها أشبه بـ”الإملاءات التي لا تلقى صدى” لدى الجمهور العادي، الذي لديه رغبة جامحة بالمضي قدمًا في التمتع بهذا الحدث مهما كلّف من ثمن.
ومن المواقف التي لاقت تفاعلًا كبيرًا قبل انطلاق صافرة المونديال، قول محلل كرة القدم في قنوات “Bein sports“، النجم المصري محمد أبو تريكة، إن “الحملات الغربية لن تخيفنا، وكل ذي نعمة محسود”.
وأضاف، “لن نغيّر ديننا وعاداتنا وتقاليدنا من أجل 28 يومًا، وعليكم التأقلم معنا واحترام قوانين بلادنا”.
وزير الخارجية الألماني السابق، زيغمار جابرييل، قال، إن “قطر مرساة أمان في منطقة غير مستقرة تعّج بالأزمات”، مشيرًا في سلسلة تغريدات على “تويتر“، إلى أن منظمات الأمم المتحدة تقيّم الوضع في قطر بشكل أكثر عدلًا وموضوعية مما يجري في ألمانيا.
وذكر أن تعامل ألمانيا مع قطر “يفتقر للاحترام”، مطالبًا برلين بمعاملة متوازنة مع الدوحة، مضيفًا أن “حجم ومستوى النقد الموجه من ألمانيا بالتحديد إلى قطر أمر غير مقبول”، وفق ما نشره في 29 من تشرين الأول الماضي.
كما استدعت وزارة الخارجية القطرية السفير الألماني، كلاوديوس فيشباخ، وسلمته مذكرة احتجاج، أعربت فيها عن خيبة أمل دولة قطر، ورفضها التام وشجبها للتصريحات التي أدلت بها وزيرة الداخلية نانسي فيزر.
وأكد البيان الختامي لاجتماع قمة الدول العربية الـ31 في الجزائر، مساندة قطر لاحتضان نهائيات كأس العالم، والثقة التامة في قدرتها على تنظيم “نسخة متميزة” لهذه البطولة، ورفض حملات “التشويه والتشكيك المغرضة” التي تتعرض لها قطر.
وتضامنت منظمة العالم الإسلامي للتربية والعلوم والثقافة (إيسيسكو) مع قطر، وأبدت دعمها لها في مواجهة “الحملة المشبوهة” ضد استضافتها كأس العالم.
وتتوجه أنظار عشاق ومحبي كرة القدم نحو مونديال قطر 2022، الذي ينطلق بمباراة الافتتاح بين منتخبي قطر والإكوادور على ملعب “البيت”، في أول مونديال كروي يقام في الشرق الأوسط والعالم العربي، في 20 من تشرين الثاني الحالي.
وتجري نسخة المونديال لأول مرة في فصل الشتاء، بدلًا من إقامتها في شهري حزيران وتموز، وذلك بسبب ارتفاع درجات الحرارة في قطر خلال فصل الصيف.
اقرأ أيضًا: 12 لاعبًا يظهرون للمرة الأخيرة في نهائيات كأس العالم 2022
–