جريدة عنب بلدي – العدد 49 – الأحد – 27-1-2013
عمر الأسعد
مع طول مدتها قياسًا بنظيراتها في دول الربيع العربي تشكل الثورة السورية ونتيجة أحداثها الدامية مادة دسمة للإعلام، وتتسابق المحطات الفضائية الداعمة لها على استضافة المعارضين السوريين، وهنا الحديث ليس عن النشطاء الإعلاميين أو شهود العيان بل عن المعارضة السورية السياسية المكرسة بمختلف تنويعاتها وتشكيلاتها.
ربما ساهمت اللقاءات التلفزيونية الكثيرة في تعويم كثير من أسماء المعارضة السوريين وإظهارهم في الصفوف الأولى رغم أدائهم الضعيف «سياسيًا» وإطلالاتهم الباهتة «إعلاميًا»، وهذا ليس بغريب على وسيلة إعلام سريعة تريد أن تملأ ساعات بثها المتصلة ليلًا ونهارًا كالتلفزيون، وهكذا وجدنا أنفسنا أمام نجوم المعارضة السورية المنتقلين بين الصباح والمساء من استديو إلى استديو فتارة يعرف عنه «كمعارض بارز» وتارة «كشخصية وطنية» وثالثة «كقيادي في التجمع أو التيار الفلاني» فيما يستخدم معظمهم لغة تدل على الهشاشة والركاكة وأزمة خطاب متفشية بين كثير من نجوم الطلّات الإعلامية في المعارضة السورية، هذه الأزمة في الخطاب لا تأتي فقط من ضعف إمكانيات بعض المعارضين أو قلة خبرتهم، إنما تأتي في عمقها نتيجة فقدانهم أيضًا لأداء وبرنامج سياسي حقيقي ومقنع، واكتفائهم بإصدار البيانات وحضور المؤتمرات ومن ثم الظهور على الإعلام للتأكيد على أن النظام مجرم وحقير وعميل ويقتل الأطفال ويعتقل الأبرياء ويدمر المدن، وكأننا لا نعرف أن كل ما سبق ذكره من صفات نظام بشار الأسد ونرغب في الاستزادة بالمصطلحات والمعلومات.
يضاف إلى هذا إيمان بعض الشخصيات المعارضة أن طلاتها الإعلامية ستزيد من شعبيتها بين الناس، فتعمل لصياغة صورتها وتحضيرها بطريقة تعتقد أنها تحاكي المشاعر الجماعية العامة وتسايرها، كأن يخرج بعضهم بصورة كاريكاتورية مرتديًا ملابس عسكرية ليؤكد لنا علاقته بالجيش الحر، حتى لو كان لم يزر سوريا منذ عشر سنوات، وعلاقته بالجيش الحر تقتصر على صلة قرابة تجمعه مع بعض أبناء عمومته ممن تطوعوا في الجيش السوري الحر وتحدث معهم آخر مرة عبر سكايب منذ شهر تقريبًا قبل أن يستشهدوا لكنه ولحنانه المفرط «يفتقدهم كثيرًا؟!».
ومن جهة أخرى يعتمد آخرون خطابًا تحريضيًا يجافي العقل والمنطق وكأنهم يقفون على رأس الجموع ويقودون عمليات التحرير أو المظاهرات بشيء من عدم الخجل من مخاطبة السوريين بهذه الطريقة الاستعلائية.
ليست هذه السطور لشتم المعارضة لكن سلبية ارتباط بعض الوجوه بالتلفزيون أفقد كلام المعارضة مصداقيتها أحيانًا كثيرة، كما أن التصريحات غير المسؤولة التي يطلقها البعض باتت مضحكة ومؤلمة في نفس الوقت، وضمن نفس السياق بات بعض المعارضين يسايرون ويتماشون مع مقدمي البرامج على التلفزيون ويدخلون في اللعبة أكثر من المقدم نفسه.
والخلاصة أن التلفزيون وسيلة إعلام جماهيرية تحتاج أن تملأ ساعات بثها الطويلة المحسوبة بالثواني نتيجة طبيعتها، وهذا لا يعني أن يحمل بعض المعارضين السوريين على عاتقهم مسؤولية ملء ساعات البث وكأنهم نجوم إعلانات مدفوعي الأجر.
إلى ذلك الشعب السوري الذي فجر ثورة إعجازية بتضحياتها قادر على الفرز والانتقاء ولا تهمه بالتأكيد متابعة المقابلات النارية والتصريحات التهريجية لأنه كان يستمع لها على مدار أربعين سنة من حكم نظام آل الأسد ودعاياته السياسية الجوفاء، وما تحتاجه المعارضة اليوم والتي تعاني من فجوة تحول بينها وبين الشارع المنتفض هو خطاب عقلاني واضح وجامع يلبي ما يريده السوريون، لا أن تستكمل مسيرة فقدان الخطاب السياسي العقلاني التي حكم بها نظام البعث البلاد لمدة خمسين سنة.
لا يمكن نكران أزمة الخطاب المعارض السوري وهي موضوع هام يجب تداركه ومعالجته، وللمرة الثانية لا بد أن نشير أن من ينتج الخطاب السياسي هو العمل السياسي والأداء السياسي المتوازن والمنطقي ما يعني أن مشكلة المعارضة أعمق من طلّات التلفزيون وبيانات المؤتمرات وعليها تداركها سريعًا وإلا فإنها ستشبه بمكان أو بآخر نظامًا تعارضه وهذا ما لا يريده أحد من السوريين لها.