حمص – أمير الحمصي
رغم إغفال العالم لما يجري في سوريا، وفي حمص بشكل خاص، فإن المتابع لوكالات الأنباء يلاحظ عودة حمص والمجريات التي تحدث فيها إلى الصف الأول، مدفوعة بالكثير من التحليلات والنداءات للوقوف إلى جانب هذه المدينة. ويبدو أن السبب الرئيسي لعودة الاهتمام بالشأن الحمصي هو القتل الهمجي والعمليات العسكرية التي ينفذها النظام بحق أهل المدينة والتي تقف عند أي خطوط حمراء ولا تراعي أبسط أعراف الإنسانية.
الجيش الحر، غياب وشكوك
وإذا أردنا البدء برسم المشهد المتشابك والفوضوي -إذا جاز لنا التعبير- فإن علينا العودة لعملية اقتحام حي دير بعلبة (شمال حمص) بقوات كبيرة من جيش الأسد مدفوعة بأعداد من الشبيحة المتعصبين طائفيًا، وتبقى التفاصيل غير مكتملة في ظل سيطرته عليه حتى هذه اللحظة. وإذا أردنا وضع اليد على الجرح فإننا سنتساءل عن دور كتائب الجيش الحر في حمص وفي ريفها عما جرى هناك. فسكوت العالم بات معلومًا لدى الجميع، لكن سكوت البنادق التي خرجت أصلاً للدفاع عن السوريين في وجه آلة القمع، يبعث على التساؤل والريبة.
فبعد فترة زمنية بسيطة، قامت قوات الأسد بتمشيط منطقة بساتين الميماس الملاصقة والمحيطة بأحياء حمص الشمالية، وخلال هذا التمشيط وثق النشطاء الحقوقيون سقوط عدد كبير من القتلى قارب الـ 100 قتيل، إضافة لعدد كبير من المعتقلين وعمليات واسعة من نهب وإتلاف الممتلكات، وهنا أيضًا يبرز التساؤل مجددًا حول غياب أي تحرك لكتائب الجيش الحر، في ظل فقدان الحمصيين الأمل من أي تحرك دولي لحمايتهم.
وبعيد هذه العملية مباشرة بدأت النظام بقصف عنيف جدًا على أحياء جنوبية مثل السلطانية وجوبر وكفرعايا، باستخدام صواريخ (أرض – أرض) والطائرات الحربية النفاثة، في مشهد يوحي وكأن الحرب قامت ضد جيش يحاول احتلال سوريا وليس ضد أحياء سكنية في وسط البلاد تضم عددًا كبيرًا من المدنيين.
أما الغائب الحاضر فهو الحصار المطبق على عدد كبير من أحياء حمص والتي يسيطر عليها عدد من كتائب الجيش الحر وتتمركز بها منذ تسعة أشهر أو يزيد. والنداءات المتكررة للكتائب الموجودة في الريف الحمصي لكسر هذا الحصار، لكن من دون نتيجة تظهر للمتابعين. وصيحات أخرى تصدرها هذه الكتائب عن شح المؤونة والذخيرة المطلوبة للأسلحة الخفيفة، بعد أن استحال وصول أي سلاح متوسط أو ثقيل إليها.
وتبقى عدة أحياء حمصية وهي أربعة: الوعر، الإنشاءات، الملعب، كرم الشامي خالية من تواجد للجيش الحر فيها، بينما بدأ بعض العناصر بالتواجد في الوعر الجديد بعد حملة الاعتقالات والملاحقات الأمنية للناشطين. لكن اليوم نسمع عن الكثير من الأعمال الصادرة عن هذه العناصر والتي تصب في القتل على خلفية طائفية دون اعتبار أو مراجعة للهدف الأساسي الذي حمل بسببه الثوار السلاح وهو إحدى اثنين، إما لحماية المدنيين أو لإسقاط النظام. بينما بقية الأحياء التي ذكرناها آنفًا فهي تخضع لسيطرة كاملة لقوات الأسد، وبالتالي فهي معرضة بأي لحظة لأعمال انتقامية على أساس طائفي مثلما حصل في عدد من الاعتقالات لعشرات الحمصيين على الحواجز والتي انتهت بالتصفية في السجون أو بالتفجيرين الذين حصلا في حيي الملعب والإنشاءات.
تساؤلات مشروعة
في ظل هذا العرض، يمكن أن نطرح العديد من التساؤلات التي لا نعرف للكثير منها إجابة واضحة، أو تفسير حقيقي.
فما هدف النظام من القيام بعمليات قتل لمدنيين من الطائفة السنية متواجدين في منطقة لم تشهد أي اشتباكات مثلما حصل في منطقة بساتين الميماس؟ لماذا تقوم عناصر قوات بشار الأسد بقتل عشوائي ضد هاربين من الأحياء الحمصية؟ ولماذا تمر مثل هذه العمليات دون أي تعليق من المجتمع الدولي وكأنها إشارة منه للسماح بمزيد من مثل هذه العمليات؟
لماذا تمر عمليات القتل هذه دون أي رد فعل من قبل كتائب الجيش الحر؟ والتي اكتفى بعضها بعمليات اعتقال أو تصفية لعدد من المؤيدين للنظام ولو كان إنسانًا مدنيًا؟ ولماذا أصبح همّ الكثير من الكتائب في حمص هو قتال الطائفة العلوية؟ فهل معاداة الطائفة العلوية سيخدم الهدف الذي أنشده الثوار وهو إسقاط النظام؟ وهل قتل عدد من المارّين على أحد حواجز الكتائب في الأحياء التي يسيطرون عليها يعتبر من الأعمال المشروعة؟.
الكثير من الطائرات الحربية تحوم في سماء حمص، ولم نشهد استهدافًا لأي منها، وهذا يؤكد أيضًا حاجة كتائب الجيش الحر لسلاح نوعي غائب، وإن توفر فسيتوفر بكميات قليلة لن تكون كافية لصد الهجمات والغارات التي لا تتوقف طوال النهار.
حصار حمص، وغياب الرؤية
بعض الحمصيين يتساءلون اليوم عن النتائج التي حصلتها الكتائب الموجودة في حصار سمحت هي به، فأين النظرة العسكرية التي تسمح لكتائب وضع نفسها في حصار خانق لتبحث عن تأمين طلقات للسلاح الفردي لكي تعيق تقدم قوات الأسد؟ ولماذا يغيب حتى اليوم التحرك العسكري والعمليات الاستراتيجية لهذه الكتائب؟ ولماذا يسمع –حتى اليوم- عن غياب رؤية واضحة لهذه الكتائب؟ ولماذا تتكرر النداءات للكتائب الموجودة في الريف الحمصي للتخفيف عن حمص دون أن نرى لهذه النداءات أي أثر وكأنها مشغولة بتأمين مناطقها قبل أي شيء؟
الكثير من القادة السياسيين سواء في المجلس الوطني أو ائتلاف قوى الثورة والمعارضة تحذر من تغيير ديموغرافي يخطط له في حمص، وعن أوضاع إنسانية معقدة للغاية فيها. في غياب لتحرك عسكري من كتائب الجيش الحر، وإن أصبحت الكتائب الثورية تغرق يومًا بعد يوم في الرمل المتحرك الذي أعده النظام وهو الاقتتال الطائفي.
لاشك في أن نظام الأسد يستفيد كثيرًا من الفوضى التي تعم أركان حمص، فهو المستفيد من إذكاء نار الاقتتال الطائفي في المدينة، ولو تبادر للمتابعين تساؤل عن قدرته في لجم حقد العناصر التابعة له في ظل تشكيل اللجان الشعبية فيما سبق، والآن الجيش الشعبي وفي ظل اضطرابات كثيرة نسمع عنها في الأحياء الموالية له مدفوعة بغضب من التضحيات التي تقدمها الطائفة العلوية لبقاء نظام الأسد أو مدفوعة بمليشيات تتبلور أكثر وأكثر هدفها الأول والأخير هو السيطرة والمال.
كما أن نظام الأسد يستفيد أيضًا من التخبط الذي يظهر من مجموع كتائب الجيش الحر، ويتجلى ذلك باستفراد النظام بمنطقة تلو الأخرى في حمص، مما يزيد أيضًا في اضطراب كتائب الجيش الحر، ولربما اتجهت أكثر نحو أعمال الاقتتال الطائفي.
يؤكد تاريخ المدينة وصرخات أهلها التي تتعالى أن أيًا من الطائفتين الموجودتين فيها لن يقتتلا طائفيًا، لكن النظام يعيش اليوم على هذه الأحلام العمياء، بينما تزداد الحاجة يومًا بعد يوم لتدخل سياسي من الائتلاف الوطني لتحقيق نوع من تخفيف الاحتقان وتوجيه الكتائب الثورية نحو الهدف الحقيقي الذي عليها اتباعه.
تبقى الآمال معلقة بعقول السياسيين، لأن السلاح دون توجيه وتوظيف سياسي سيبقى عملاً مهدورًا، وتبقى الأوضاع الإنسانية للكثير من عائلات حمص بحاجة لجهود دولية لوقف القصف والتدمير والقتل قبل أن تبدأ بتأمين المأكل والملبس. وتبقى آمال الحمصيين معلقة بفلذات أكبادهم الذين يحاربون في عدد كبير من الجبهات على طول حمص وعرضها، ولا يختلف اثنان في غياب أي تسليح نوعي لهذه الكتائب، أو دعم وتوجيه سياسي حقيقي.
لعل ما رسمته من فوضى وتساؤلات، تحتاج بالتأكيد للبحث عن إجابات لها، وتحتاج لتدخل من النخب السورية، وهي تهدف أولاً لحماية الحمصيين بجميع تشكيلاتهم الطائفية، وتهدف لعدم الانزلاق أكثر في مستنقع الطائفية المظلم والذي يبعد الثوار عن أهدافهم، ويبعد الموالين لنظام بشار الأسد عن عيش بمستقبل آمن.