“هيومن رايتس”: تصرفات أطراف النزاع تفاقم “الكوليرا” في سوريا
نشرت منظمة حقوقية دولية تقريرًا يسلّط الضوء على تصرفات تركيا والنظام السوري التي تفاقم من انتشار وباء “الكوليرا” في سوريا، استنادًا إلى شهادات عمال في المجال الإنساني وتقارير أممية.
وجاء في تقرير منظمة “هيومن رايتس ووتش” الصادر اليوم، الاثنين 7 من تشرين الثاني، أن السلطات التركية تفاقم أزمة المياه الحادة التي يُعتقد أنها السبب في انتشار “الكوليرا” بجميع أنحاء سوريا، وانتقاله إلى البلدان المجاورة.
كما اتهم التقرير النظام السوري بتحويل وجهة المساعدات والخدمات الأساسية المتسلّمة من جهات دولية، بشكل تمييزي وغير عادل، بالإضافة إلى استمرار القيود الأمنية من قبل النظام للحصول على المساعدات في جميع أنحاء سوريا، بشكل يمنع الاستجابة الإنسانية والطارئة في الأجزاء المتضررة من البلاد.
وقال نائب مديرة الشرق الأوسط في “هيومن رايتس ووتش”، آدم كوغل، “هذا التفشي المدمر لـ(الكوليرا) لن يكون آخر مرض منقول بالمياه يمسّ السوريين إذا لم تعالَج أزمة المياه الحادة في البلاد فورًا، ولا سيما في الشمال الشرقي، إذ يمكن لتركيا، وينبغي لها، أن تتوقف فورًا عن مفاقمة أزمة المياه في سوريا”.
وأضاف بما يخص حديثه عن النظام السوري، “في 2011، وقف السوريون بوجه حكومة ترتكب الفظائع للنضال من أجل حقوقهم المدنية والسياسية، والآن، بعد أكثر من عقد من الزمن، ها هم يكافحون من أجل تلبية أبسط احتياجاتهم الأساسية”.
وشملت العوامل المساهمة في أزمة المياه شحّ الأمطار، وتعطّل محطة مياه “علوك” القريبة من بلدة رأس العين شمالي سوريا، التي تخدم مئات آلاف الأشخاص في المنطقة.
وبحسب التقرير، فرضت السلطات التركية “قيودًا شديدة” على تدفق المياه إلى الجزء السوري من نهر “الفرات”، الذي يعتبر أهم مصدر للمياه والكهرباء لشمال شرقي سوريا، بأقل من 500 متر مكعب نصت عليها اتفاقية 1987 بين تركيا وسوريا.
وفي تموز 2020، أشار تقرير لمكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية (أوتشا)، إلى انخفاض بنسبة 65% في معدل تدفق المياه إلى الجزء السوري من نهر “الفرات”، بينما نفت تركيا العام الماضي مسؤوليتها عن انخفاض مستويات المياه، مشيرة إلى أنها بدورها تواجه نقصًا في المياه.
كيف بدأت أزمة المياه؟
ترفض تركيا اتفاقية الأمم المتحدة بشأن “قانون استخدام المجاري المائية الدولية في الأغراض غير الملاحية” لعام 1997، الذي ينص على استخدام المياه المشتركة بشكل يشمل التقاسم العادل والمعقول لموارد المياه، والالتزام بعدم التسبب بضرر جسيم للدول التي تتشارك الأنهار، والواجب العام بإخطار الدول والتشاور معها عند التخطيط لأي نشاط اقتصادي ذي صلة، وفق التقرير.
وتقع محطة “علوك” ضمن مناطق سيطرة “الجيش الوطني السوري” المدعوم تركيًا، وتخدم المحطة أكثر من 460 ألف شخص في محافظة الحسكة، وتصفها الأمم المتحدة بأنها “المصدر الموثوق الوحيد” للمياه لمدينة الحسكة وجوارها.
وتضررت المحطة المائية لأول مرة خلال العملية العسكرية التركية عام 2019، ليتقلص ضخ المياه فيها ويتوقف أكثر من مرة، ما دفع بسكان الحسكة إلى الاعتماد على صهاريج خاصة باهظة الثمن وغير موثوقة.
وتكرر فشل الاتفاقات بوساطة روسية بين القوات التركية والسلطات في شمال شرقي سوريا، التي تهدف إلى تزويد المجتمعات المعتمدة على محطة “علوك” بالمياه من خلال هذه المحطة، مقابل توفير الكهرباء إلى بعض المناطق التي تسيطر عليها القوات المدعومة من تركيا.
وفي 25 من تشرين الأول الماضي، قالت مديرة قسم العمليات والمناصرة في “أوتشا”، رينا جيلاني، “إن محطة (علوك) توقفت عن العمل بين 11 من آب و20 من تشرين الأول”.
النظام يعرقل المساعدات
وعدت وكالات الأمم المتحدة بإيصال الإمدادات الطبية، بما فيها المضادات الحيوية والسوائل الوريدية، من دمشق إلى مناطق تفشي الوباء في شمال شرقي سوريا، لكن الإمدادات لم تصل حتى 7 من تشرين الأول الماضي، أي بعد شهر من إعلان تفشي المرض.
وقال أحد عمال الإغاثة للمنظمة الحقوقية، “هناك عائلات بأكملها تمرض، والمراكز الصحية مكتظة، والناس يرقدون على الأرض. كل مرة يقولون الأسبوع المقبل، ولا تصلنا المساعدات”، موضحًا أن التأخير سببه مشكلات في الحصول على موافقة حكومة النظام السوري على نقل الإمدادات.
وأشار العامل إلى الأيام الأولى لجائحة “كورونا المستجد” (كوفيد- 19)، بأنه في إحدى المرات، تأخرت الإمدادات الطبية المنتظرة لعام كامل، وهو ما أدى إلى تبقي شهر واحد من تاريخ انتهاء الصلاحية عند وصولها.
ووثّقت المنظمة الدولية العرقلة المستمرة لحكومة النظام السوري لما يُعرف بالمساعدات “عبر الخطوط”، وهي المساعدات التي تنتقل عبر الخطوط الأمامية من الأجزاء التي يسيطر عليها النظام في البلاد إلى الأراضي غير الخاضعة لسيطرته.
وأعلنت وزارة الصحة في حكومة النظام السوري عن تفشي وباء “الكوليرا” ضمن مناطق سيطرتها في 10 من أيلول الماضي، ووصفه منسق الأمم المتحدة السابق للإغاثة الإنسانية، عمران رضا، بأنه “تهديد خطير للناس في سوريا” ومنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
وحتى 1 من تشرين الثاني الحالي، سجلت منظمة الصحة العالمية 81 حالة وفاة بسبب “الكوليرا” في سوريا، وأكثر من 24 ألف حالة مشتبه بها، حيث انتشر “الكوليرا” إلى لبنان أيضًا، مع وضع قيود صحية من البلدان المجاورة لمنع دخول الوباء إليها.
وبعد أكثر من عشر سنوات على بدء النزاع، دُمرت العديد من مرافق البنية التحتية في سوريا وخدماتها المدنية، بما فيها مرافق الرعاية الصحية وأنظمة المياه والصرف الصحي وشبكات الكهرباء، وتقدّر الأمم المتحدة أن ثلثي محطات معالجة المياه في سوريا، ونصف محطات الضخ، وثلث أبراج المياه، تضررت منذ العام 2011.
–
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :