القمة العربية ولمّ الشمل
إبراهيم العلوش
انعقدت القمة العربية الـ31 في الجزائر بداية تشرين الثاني الحالي تحت شعار لمّ الشمل، ولم يقصد أصحاب المعالي والسيادة لمّ شمل المهاجرين والنازحين العرب، بل لمّ شمل أجهزة الحكم التي تسير بالشعوب العربية من فشل إلى آخر.
افتتح القمة العربية الرئيس التونسي، قيس سعيد، الذي أمّم القانون، واستحوذ على السلطات جميعها، وألغى مبدأ فصل السلطات الذي كانت تتباهى به الإذاعات العربية عندما تتكلم عن الدستور وقوننة القمع، وحذر القادة العرب من أن الدول مهددة وعلى القادة أن يتساعدوا للحفاظ على مواقعهم، متناسيًا أن معظم الشباب التونسي صار في خضم البحر المتوسط على القوارب المهترئة، وفي صربيا ينتظر المهربين من أجل الوصول إلى دولة تشعره بكرامته وتؤمّن له العمل بدلًا من البطالة التي عمت تونس في عهد الرئيس قيس سعيد، القاضي الذي صادر حرية القضاء.
تسلّمت الجزائر رئاسة القمة في اليوم الأول من الشهر الحالي، وهي تدعو العرب إلى التوحد والتفاهم في الوقت الذي نشرت فيه التلفزة الجزائرية خريطة منقوصة للمغرب، الذي أرسل وزير خارجيته رغم الجفاء الشديد بين البلدين، وكانت الجزائر تأسف لعدم حضور بشار الأسد هذه القمة، خصوصًا أن الجمهورية الجزائرية على تحالف مع نظام الأسد منذ عهد الأسد الأب، وشكّلت معه جبهة الصمود والتصدي، ولا تزال النخب الحاكمة الجزائرية تعتبر أن الثورة السورية مجرد مؤامرة غربية، وكل ما حصل من قتل وتعذيب وتهجير بالنسبة لها مجرد عقوبة للحفاظ على كيان دولة القمع الأسدية.
روسيا بدورها كحليفة للجزائر ونظام الأسد، أرسلت رسالة على لسان رئيسها بوتين تتغنى فيها بحقوق الدول وضرورة الحفاظ عليها، وتنادي بحل القضية السورية وفق القانون الدولي، في الوقت الذي تمارس قواتها أبشع حرب ضد السوريين، مستهدفة المدارس والأسواق والمدنيين مثلما تفعل الآن في أوكرانيا، مضيفة إلى كل ذلك اتهام الشعب السوري بالتآمر على عائلة الأسد، التي هي الدولة السورية وهي التي أعطت لروسيا رخصة التدمير الجماعي للمدن والقرى، مستهدفة التهجير القسري للسوريين نكاية بالغرب وللضغط عليه في ملفات أخرى.
ورغم الفخامة والمظاهر البطولية للرؤساء والملوك العرب، فإنهم فشلوا في الحفاظ على الأمن القومي للعالم العربي، خصوصًا بعد غياب شخصية جمال عبد الناصر، الرئيس المصري الأسبق، رغم كل ما يقال ضده، وصارت كل من إيران وتركيا وإسرائيل أصحاب الشأن الإقليمي في القضايا الفلسطينية، والسورية، والعراقية، والليبية، واليمنية، وحتى في أمن الخليج، بالإضافة إلى الدول الكبرى، أمريكا وروسيا وأوروبا والصين، ولعل استباق القمة في الجزائر باستضافة وشيكة لقمة صينية- عربية في الرياض تعبير عن إرادة دولة مساهمة في التحكم بشؤون المنطقة هي الصين، طبعًا بالإضافة إلى المتحكمين الآخرين بجوقة الدول العربية التي تتلهى أنظمتها ووسائل إعلامها بتدبيج “البروباغندا” حول مناقب الرئيس أو الملك أو الأمير الذي يظهر كمخلّص للشعب والأمة، وليس كمخلّص عليهما.
انقطعت القمة العربية بسبب فيروس “كورونا المستجد” (كوفيد- 19) خلال السنوات الثلاث الماضية، وعادت أخيرًا مع انحسار انتشار المرض، فالرؤساء العرب لم يجدوا طريقة لحماية أنفسهم من الوباء رغم أن كل المؤتمرات العالمية وجدت طرقًا مختلفة للحماية من المرض، وخلال هذه السنوات حدث المزيد من التدخلات في الشأن العربي والمزيد من المآسي على الشعوب العربية، التي جاء ذكرها على هامش الخطاب الأجوف الذي تكرره رئاسة الجامعة العربية وطواقمها الإعلامية.
في هذه القمة، نجحت الضغوط الدولية في إبعاد بشار الأسد عنها رغم ضغط الجزائر وروسيا من أجل إحضاره إليها، لا سيما أن روسيا وقعت في كارثة الحرب الأوكرانية التي زادت موقفها سوءًا بعد تلاعبها بأمن دولة مجاورة والتأثير على خطوط إمداد القمح والمواد الغذائية، التي كان يتم تصديرها من أوكرانيا، الدولة التي تخضع للتدمير اليومي من قبل الآلة العسكرية الروسية، بالإضافة إلى كمّ الادعاءات التي تسوّقها آلة الدعاية الإعلامية الروسية ضد أوكرانيا لتسويغ تشريد الشعب الأوكراني وتدمير بناه التحتية وتهجيره.
كان الغائب الأشهر عن هذه القمة تعليقات معمر القذافي وتحريضاته، وكذلك اسم دولته الطويل (الجماهيرية العربية الليبية الشعبية الاشتراكية العظمى)، الذي لم يعد يجاريه إلا اسم الدولة المضيفة (الجمهورية الجزائرية الديمقراطية الشعبية). كان القذافي يذكّر القادة العرب بسوء المصير، ولكنه لم يذكّر نفسه بذلك المصير الذي حصده بشكل درامي!
التمّ شمل القادة والملوك العرب ولم يأبهوا بلمّ شمل المهاجرين السوريين والعراقيين والتونسيين واليمنيين واللبنانيين، وما زال الأزواج ينتظرون زوجاتهم وأطفالهم ليعبروا البحار والغابات وخطوط التهريب، بالإضافة إلى أكوام الأوراق التي تنتظرهم في حال وصولهم أحياء إلى الدول المضيفة، عدا عن مئات الألوف الذين ينتظرون قرارات السفارات الأجنبية للموافقة على لمّ الشمل الذي ينتظرونه بحرقة وبصبر ثقيل يجثم على صدورهم وعلى حياتهم المعطلة!
كل هؤلاء المنكوبين مواطنون في أوطان القادة والملوك المتنعمين بالرفاهية وبعدم المساءلة عن الكوارث التي يرتكبونها على أمن بلدانهم ولا على حياة ومستقبل شعوبهم!
اذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال يحوي معلومات خاطئة أو لديك تفاصيل إضافية أرسل/أرسلي تصحيحًا
إذا كنت تعتقد/تعتقدين أن المقال ينتهك أيًا من المبادئ الأخلاقية أو المعايير المهنية قدم/قدمي شكوى
-
تابعنا على :