خطيب بدلة
ختمتُ حديثي، في العدد قبل الماضي من صحيفة “عنب بلدي”، قائلًا إنني أتوقع من عشاق حذاء الداعية الجهادي إياد القنيبي، أن يسألوني: أين أنت يا بدلة من غبار حذاء هذا المجاهد؟
وهذا حصل، بحذافيره، وبكثرة، ولكن حدوثه ليس دليلًا على أنني ذكي، وأكون كاذبًا لو قلت إن المرحوم أبي كان يعطي كل واحد من أشقائي خرجية ربع ليرة في اليوم، وأنا كان يعطيني نصف ليرة بسبب ذكائي الشديد! فأنْ تكتشف ولعَ بعض الناس بغبار أحذية المجاهدين، في عصرنا هذا، لا يحتاج إلى ما قيمته نصف فرنك سوري من ذكاء، أو فطنة، وأنا أذكر، أننا ذهبنا، في سنة 1994، إلى إحدى قرى محافظة إدلب، لأجل أن نقوم بالدعاية الانتخابية لأحد مرشحي مجلس الشعب، وكان برفقتي رجل شبه أمي، ولكنه ظريف، اسمه عبد الله، قال لي، بمنتهى الثقة بالنفس، إننا سنزور الآن بيوت بعض الرجال البارزين في هذه القرية، ونرجوهم أن ينتخبوا مرشحنا، ولكن انتبه، عندما سنزور مضافة “حسين آغا”، سنلتقي برجل يجلس في المضافة بشكل دائم، سيقول الكلام التالي: مِن كم يوم، يا شباب، كنت في الشام، ومررت على القيادة القطرية، وأردت أن أزور الرفيق توفيق، فوجدت الباب مغلقًا، قلت للحاجب افتح يا ابني، رفض، فدفشت الباب بقدمي، ودخلت، وقلت للرفيق توفيق: يا رفيق علم حاجبك كيف يقدّر قيمة الناس.
ضحكت، يومها، وقلت لعبد الله إن هذه النكتة حلوة، ولكن يستحيل أن يحصل هذا، فالرجل قد يكون قالها أمامك مرة، وانتهى الأمر، ثم إذا كان يجلس في المضافة دائمًا، متى ذهب إلى الشام، ومتى رفس باب الرفيق توفيق؟ ولكن الأمر حصل، والرجل الذي حكى لنا كيف دفع الباب بقدمه في القيادة القطرية لم يزد ولم ينقص حرفًا مما أخبرني به عبد الله، يعني مثل جماعة غبار الحذاء، تمامًا، وقد أكد لي أحدهم، بعدما قارنني بغبار حذاء الداعية القنيبي، أن غبار ذلك الحذاء أشرف مني ومن سلالتي، وأضاف: أنت، يا بدلة، جاهل، لا تعلم أن الشيخ إياد كفّ عن تأييد “داعش”، وهو يكتفي الآن بتأييد الفصائل الجهادية التي تتشكل منها “هيئة تحرير الشام”، ولا تعرف، كذلك، أن الرجل صيدلي، يعني أنه مفيد للمجتمع، وليس مثلك.
لم أقل له: يا ليت لو أنه عمل في الصيدلة، وأفاد المجتمع بعِلم، أو بصحة، أو ببحوث نافعة، فنحن، يا أخا العرب، منذ قرنين من الزمان، نترك دول العالم الكافر تخترع الأدوات، والآلات، والمركبات، والبواخر، والطائرات، والكمبيوترات، والأجهزة الخلوية، والأدوية، واللقاحات، وأجهزة التنظير، والإبر، والكشاتبين، وسيفونات المراحيض، وحتى الشطافة الآلية المخصصة لتنظيف “طيازنا” تُصنع لديهم، ونحن، يا أبا الشباب، نصرف مليارات الدولارات على المؤسسات التي تُخرج الدعاة الذين يختلفون فيما بينهم على كل شاردة وواردة، ويتفقون على قتل المرتد، وتارك الصلاة، وكراهية الغرب الكافر، وحتى الشخص الذي ينفق عليه أهله ليصبح صيدلانيًا نافعًا للمجتمع، مثل إياد القنيبي، يهجر الصيدلة، ويتخصص بتأييد “داعش”، ثم ينقلب لتأييد “النصرة”، وهكذا.