السلام بالشوكولا

  • 2022/11/06
  • 12:39 م

الفنان الراحل حاتم علي والفنانة يارا صبري من فيلم "Peace by Chocolate"

نبيل محمد

قد يكون أول ما تُسأل عنه كسوري مقيم في إحدى مدن إقليم نوفا سكوشا الأطلسية الكندية الصغيرة الباردة، هو معرفتك بشوكولا “السلام بالشوكولا”، على اعتبار أن هذه الماركة تمثّل حالة نجاح تجربة سورية في كندا، دُعمت من قبل المجتمع المحلي، ثم أخذت الدفعة الكبرى بعد حديث رئيس الوزراء الكندي، جاستن ترودو، عن هذه التجربة في الأمم المتحدة، ضاربًا بها المثل عن اندماج اللاجئين في بلاده، إضافة إلى دفعة أخرى من خلال فيلم “Peace by Chocolate”، الذي يروي قصة النجاح تلك. الفيلم الذي أُطلق سنة 2021، وبات مؤخرًا متوفرًا للعرض عبر عدة منصات.

يعتبر الفيلم آخر محطات ظهور المخرج والممثل السوري الراحل حاتم علي، الذي أدى فيه دور البطولة خلال فترة إقامته في كندا، إضافة إلى مجموعة من الفنانين السوريين المقيمين فيها، في مقدمتهم يارا صبري، إضافة إلى أيهم أبو عمار ونجلاء الخمري، الذين تولّوا مهمة تقديم شخصيات أفراد عائلة هدهد السورية التي أسست معمل الشوكولا السوري الذي أصبح واحدًا من معالم المقاطعة الكندية حاليًا، وأوضح نماذج اندماج اللاجئين فيها.

وفق الفيلم، اضطرت عائلة مكوّنة من أب وأم وولدين وحفيدة لمغادرة سوريا تحت وطأة الحرب، التي لا يذهب الفيلم بعيدًا بالحديث عنها، إنما تظهر خلال الدقائق الأولى كنار تلتهم أرزاق الأسرة، وتحرم الأب صانع الشوكولا الماهر من معمله، وتجبره على النزوح مع أسرته إلى لبنان، ومن ثم إلى كندا بعد حصولهم على حق اللجوء فيها. ولسبب إداري ما، تهاجر الأسرة تاركة الابنة والحفيدة وحيدتين في لبنان، بانتظار استكمال أوراقهما، ما يمثّل العقبة الأهم للأسرة في بدء حياة هادئة بالبلد الجديد.

يسير الفيلم بكلاسيكية مطلقة ليقدم قصة العائلة، لا يغوص بعيدًا عن كون تجربتها تمثّل إصرار رجل خمسيني يرفض أن يجلس في البيت دون عمل، ويصر على العمل في المهنة التي لا يعرف سواها، فيبدأ بإنتاج الشوكولا منزليًا، ليقدمها في المناسبات الاجتماعية بالمدينة الصغيرة التي يعيش فيها، ليظهر المجتمع المحلي فيها إعجابه بما يقدّم، ويصر على دعمه، وهو ما أتاح له إنشاء معمل صغير، معتمدًا بالدرجة الأساسية على وجود ابنه الذي يتقن اللغة الإنجليزية، والذي يرفض استمرار العمل مع والده كونه يرتجي استكمال دراسة الطب في كندا.

لا يحمل الفيلم أي ميزات فنية حقيقية يمكن نقاشها، إنه ملتزم كليًا بسرد القصة حرفيًا، بعيدًا عن أي رسائل عميقة، أو بعيدًا عن رؤية سينمائية ترتئي ما هو أبعد من الحكاية البسيطة، وهو ما قد يقيّد طاقم العمل، لتكون ردود فعله وانفعالاته محصورة بحدث واحد، وتكون المشكلة الأساسية بل والوحيدة التي تشغل الأسرة، هي خلاف الأب مع الابن، فالأب يجد نفسه أميًّا إذا لم يعمل ابنه معه في المعمل على اعتبار أنه لا يجيد الإنجليزية، فيما الابن يطمح للدراسة الجامعية.

يحاول الفيلم لمخرجه الكندي جوناثان كيجسير تقديم مشاهد ذات دلالات رمزية، لكنها تبقى عاجزة عن أن تغرّد خارج سرب الحكاية الكلاسيكية، مؤطّرة بسياقها وسياق القصة، كمشهد صلاة الأب في الكنيسة، أو رفع السكين حين خلافه مع العامل لديه عن غير قصد. فيما يبدو الحضور ثانويًا لجميع الممثلين نسبيًا، باستثناء الأب وابنه، الغاضبين في أغلب المشاهد، لتبدو المشكلة بينهما مرتبطة بشكل ما بالمكان الجديد، حيث يرفض الابن التبعية التقليدية لوالده كما اعتاد في سوريا، فيما يرفض الأب خروج الابن عن سلطته وفق تقاليد المجتمع الجديد الذي يعيشون في ظله.

يظهر الفيلم نموذجين من السكان المحليين في التعاطي مع قصة العائلة السورية، النموذج الداعم الذي يتحوّل بشكل من الأشكال إلى جزء من الأسرة، على الرغم من صعوبة التواصل اللغوي، والنموذج الذي يحاول محاربة التجربة من مبدأ المنافسة الاقتصادية، وهو نموذج غير ذي أثر حقيقي وفق ما ينقله الفيلم، بمعنى أن النجاح سيكون حليف التجربة، وكذا سينتهي الفيلم بطريقة نجاح تقليدي مبشّر بإمكانية نجاح تجربة اللاجئ في بلاده الجديدة، بعيدًا عن المشكلات والصعوبات التي يمكن أن تواجهه، والتي لم يكن لها وجود حقيقي في الفيلم، وعلّ تجربة عائلة هدهد صاحبة معمل الشوكولا، وعلّ كندا أيضًا، تحالفتا معًا لتكون القصة ناجحة بهذا الشكل التقليدي البسيط.

مقالات متعلقة

مقالات الرأي

المزيد من مقالات الرأي