عنب بلدي – عروة المنذر
مضت أكثر من أربع سنوات على سيطرة قوات النظام على كامل مدينة حمص، وانتهاء الأعمال العسكرية في المنطقة، إلا أن مخلّفات الحرب لا تزال تحصد أرواح المدنيين، خصوصًا أن فرق الهندسة التابعة لقوات النظام لم تعمل على تمشيط كامل المناطق السكنية، التي شهدت عمليات عسكرية على مدى سنوات منذ 2011.
وتنتشر المخلّفات الحربية من ألغام زُرعت على طول خطوط التماس السابقة، وبقايا القنابل العنقودية التي استخدمتها قوات النظام ضد فصائل المعارضة في ريف حمص الشمالي وسهل الحولة، وفي البادية ضد تنظيم “الدولة الإسلامية”.
تكرر انفجار هذه المخلّفات بأيدي الأطفال أو خلال حراثة الأراضي من قبل المزارعين، وباتت تشكّل هاجسًا أمام السكان بشكل دائم، وتعتبر المدينة الرياضية في وادي الذهب وأحياء حمص القديمة بؤرة لانتشار هذه المخلّفات.
مراسل إذاعة “المدينة إف إم” وحيد يزبيك، نشر على صفحته عبر “فيس بوك”، في 24 من تشرين الأول الماضي، خبرًا عن عثور قوات النظام على عدد كبير من القذائف المحلية الصنع في حي القرابيص، رغم خروج قوات المعارضة منه منذ عام 2014.
أكثر خطرًا على الأطفال
تعتبر المدينة الرياضية في حي وادي الذهب، وأحياء حمص القديمة، من أكثر الأماكن خطورة على الأطفال، خصوصًا أن هذه المناطق لم يجرِ تفتيشها بحثًا عن مخلّفات الحرب، أو إغلاقها على أقل تقدير.
غانم (45 عامًا)، وهو من سكان حي الخالدية في مدينة حمص، قال لعنب بلدي، إن المنطقة مليئة بالمتفجرات على جوانب الطرقات أو داخل البيوت المهجورة، ما يشكّل خطرًا دائمًا على الأطفال الذين يلعبون في شوارعها.
وأضاف أن أكثر من طلب قُدِّم عن طريق مخاتير الأحياء القديمة لفوج الدفاع المدني في حمص لتفتيش الأحياء، وإزالة المتفجرات، ولم تلقَ الطلبات أي استجابة.
بينما نقلت المدينة إف إم“، في 24 من تشرين الأول الماضي، عن مراسلها في حمص، أن انفجارًا لجسم من مخلّفات الحرب في المنشأة الرياضية بحي وادي الذهب بحمص، تسبب ببتر يد طفل يبلغ من العمر 13 عامًا.
مهند اليوسف، من سكان حي ضاحية الوليد المجاور للمدينة الرياضية، قال لعنب بلدي، إن المدينة الرياضية استخدمتها قوات “الدفاع الوطني” مستودعًا للسلاح والذخائر في السابق، وتعرض هذا المستودع لانفجار، في آب 2013، ما أدى إلى دمار هائل في المنشأة.
وتابع مهند، رغم مضي خمس سنوات على الانفجار، وإخلاء المدينة الرياضية من قبل “الدفاع الوطني”، لا تزال بقايا المتفجرات “تملأ المكان”، ولم تعمل فرق الهندسة التابعة لـ”الجيش” على إزالتها.
أراضٍ زراعية “خارج الخدمة”
خلال سيطرة قوات المعارضة على ريف حمص الشمالي وسهل الحولة، عملت قوات النظام والمعارضة على زرع الألغام على طول خطوط التماس، وفي الأراضي القريبة، لتحصين الجبهات ومنع عمليات التسلل.
ومع انسحاب المعارضة من المنطقة، منتصف عام 2018، بقيت هذه الألغام في مكانها مهددة حياة المزارعين بشكل دائم.
“أبو إبراهيم الضيخ”، من سكان قرية الدار الكبيرة بريف حمص الشمالي، قال لعنب بلدي، إن هناك مساحات من الأراضي الزراعية التي كانت قريبة من خطوط الجبهات لم يستطع أصحابها العودة لزراعتها حتى الآن.
ويعود ذلك إلى انتشار الألغام وبقايا القذائف التي يخشون انفجارها، ورغم تقديم عدة طلبات لمجلس المحافظة والدفاع المدني، لم تشهد المنطقة نشاطًا فعليًا لإزالتها.
وتملأ بقايا القنابل العنقودية مزارع ريف حمص الشمالي، حيث استخدمتها قوات النظام في عملياتها العسكرية بغية السيطرة على المنطقة.
عبد الله دلة، وهو صاحب أحد الجرارات الزراعية في مدينة الرستن، قال لعنب بلدي، إن هناك العديد من المزارع يرفضون حراثتها أو العمل فيها، بسبب درايتهم بوجود بقايا القنابل العنقودية فيها، نظرًا إلى تكرار انفجارها، خصوصًا أن أحد أصحاب الجرارات كاد أن يفقد حياته خلال عمله في حراثة أرض زراعية بريف حمص الشمالي، العام الماضي، بسبب انفجار قنبلة عنقودية.
الألغام وفق القانون الدولي
تفرض اتفاقية “أوتاوا” الموقعة عام 1997، ورفضت سوريا التوقيع عليها، حظرًا لاستخدام وتخزين وإنتاج ونقل الألغام المضادة للأفراد، وأوجبت تدمير هذه الألغام، سواء كانت مخزنة أو مزروعة في الأرض، خلال عشر سنوات كحد أقصى، واتخاذ التدابير اللازمة لضمان إبعاد المدنيين فعلًا عن تلك المناطق، عبر تنفيذ برامج للتوعية بخطرها.
ونصت الاتفاقية على محاكمة الأشخاص المشاركين في أنشطة تحظرها المعاهدة ومعاقبتهم، وتقديم تقارير سنوية إلى الأمين العام للأمم المتحدة، حيث تُعرض الخطوات التي اتبعتها الدولة لتنفيذ المعاهدة، والعمل مع دول أخرى من أجل تسهيل الامتثال للمعاهدة، بما في ذلك تسهيل عمل بعثات تقصي الحقائق في جمع المعلومات عن المسائل المتعلقة بالامتثال للمعاهدة، وفقًا لما هو مطلوب.