“ما فينا نستغني عن الأمبيرات، الكهربا فترة بتتحسن وفترة بتتراجع”، بهذه الكلمات وصفت “مروة” (49 عامًا) لعنب بلدي، عجزها عن تأمين بديل فعلي لدفع اشتراك “الأمبير”، الذي يصل إلى 25 ألف ليرة سورية (4.8 دولار) أسبوعيًا.
حال “مروة” (اسم مستعار) كحال العديد من أهالي حلب الذين يرزحون تحت رحمة أصحاب المولدات الكهربائية، إذ تتفاوت أسعار “الأمبيرات” باختلاف المناطق، وتزداد دون رقابة أو التزام بأسعار مجلس المدينة.
ولاحظ سكان الأحياء التي تصل إليها الكهرباء النظامية، منذ منتصف تشرين الأول الماضي، تحسنًا ملموسًا في عدد ساعات الكهرباء الواصلة إليهم، إذ سجلت ساعتي وصل مقابل أربع ساعات قطع خلال النهار، وأربع ساعات وصل خلال الليل، بينما كانت تصل سابقًا لمدة ساعتين طول اليوم.
وأوضحت صحيفة “البعث” الحكومية، منتصف الشهر الماضي، أن التحسن الكهربائي يرجع إلى اعتدال المناخ، والتراجع الملحوظ في استخدام الكهرباء للاحتياجات المنزلية.
وفرة يقابلها غلاء
وضع تحسن الكهرباء النظامية أرباب الأسر بمعظم مناطق حلب في حيرة بين إلغاء اشتراك “الأمبير”، الذي ازداد بالتوازي مع الوفرة الكهربائية وأرهق جيوب السكان، أو المحافظة على الاشتراك بناء على معرفتهم السابقة بعودة الوضع المتردي للكهرباء بعد كل تحسن.
أفادت “مروة” بأنها لم تتخلَّ عن اشتراك “الأمبير”، ولكنها عوضًا عن ذلك بدّلت نوعية اشتراكها من اشتراك كامل لآخر مسائي فقط، يمتد من الساعة الخامسة بعد العصر حتى الواحدة بعد منتصف الليل، بمبلغ 17 ألف ليرة لتوفير المصروف.
فيما بيّنت أنها لن تلغي الاشتراك بشكل نهائي، خوفًا من عودة الوضع المتردي للكهرباء، وبدأ أصحاب المولدات الكهربائية بتفعيل الاشتراك المسائي بعد تحسن وضع الكهرباء النظامية، مع عودة العنفة الخامسة في المحطة الحرارية للعمل في تموز الماضي.
وازدادت أسعار اشتراك “الأمبيرات” بشكل متفاوت بين مناطق حلب الغربية والشرقية، التي يعاني معظم أحيائها عدم وصول الكهرباء النظامية إلى مناطقهم، وهو ما يجبرهم على دفع مبالغ أكبر لأصحاب “الأمبيرات”، ولا خيار أمامهم للاستغناء عنها.
وقال عبد القادر (37 عامًا) لعنب بلدي، وهو من أبناء حي بستان الباشا، الذي لا تصل إليه الكهرباء النظامية، “ازداد سعر الأمبير هذا الأسبوع إلى 20 ألف ليرة، بينما كان الشهر الماضي 17 ألفًا”.
وعبّر عبد القادر عن معاناته في تأمين قوته مع غلاء المعيشة وارتفاع أسعار “الأمبير” الذي لا يمكن الاستغناء عنه، وخصوصًا في منطقته تفتقد للكهرباء النظامية.
مبررات أصحاب المولدات
ومنذ تشرين الأول 2021، يحدد المكتب التنفيذي في مجلس محافظة حلب سعر ساعة التشغيل اليومية لـ”الأمبير” الواحد، مع إمكانية فرض عقوبات بحق المخالفين، قابله استياء وغضب أصحاب المولدات بحجة أنهم يشترون المازوت بسعر مرتفع، وتُحسب تكاليف الأعطال التي تحدث في المولدات الكهربائية وصيانتها من اشتراك “الأمبير”.
وبرر علاء الدين (45 عامًا) أحد أصحاب المولدات، لعنب بلدي، سبب ازدياد وغلاء أسعار “الأمبير”، بأنه يشتري المازوت بسعر مرتفع بشكل “حر” من بائعي المحروقات، ومع كل زيادة في سعر المازوت ترتفع قيمة الاشتراك.
ووصل سعر ليتر المازوت “الحر” بشكل وسطي في مختلف مناطق سيطرة النظام السوري إلى ستة آلاف ليرة، بحسب تقرير برنامج الغذاء العالمي في تشرين الأول الماضي.
وفيما إذا كانت حركة إلغاء الاشتراكات نشطت من قبل الأهالي بعد تحسن الكهرباء النظامية، ذكر علاء الدين وجود بعض حالات إلغاء الاشتراك، لكنه أكد أن اشتراكات أصحاب العمل والورشات مستمرة دون وجود أي حالة إلغاء، على الرغم من وصول تكلفة تشغيل “الأمبير” الأسبوعي إلى 33 ألف ليرة، في حين كانت تبلغ 28 ألفًا الشهر الماضي.
ويعوّل أصحاب العمل والورشات على الكهرباء في إصدار منتجاتهم، ويزيدون ساعات العمل لتغطية تكاليف المعيشة المرتفعة قدر الإمكان، لذا لا يمكنهم التخلي عن اشتراكاتهم مهما ارتفعت قيمتها، لكن ذلك ينعكس سلبًا على ارتفاع سعر منتجاتهم.
وتعاني مناطق سيطرة النظام السوري شحّ المحروقات، ما رفع سعر البنزين بنحو الضعف في آب الماضي.
في حين حاول النظام السوري عبر عدة قوانين اللجوء للقطاع الخاص والاستثمار في قطاع الكهرباء، في ظل عجزه عن تأمينها للسكان في مناطق سيطرته، وكان أحدثها إصدار رئيس النظام السوري، بشار الأسد، في 29 من تشرين الأول الماضي، قانونًا يمكّن وزارة الكهرباء من الترخيص للمستثمرين الراغبين بتنفيذ مشاريع التوليد التقليدية المستقلة، دون الالتزام بشراء الكهرباء.
“الأمبيرات” اسم متعارف عليه لكهرباء المولدات في سوريا، يعتمد عليها مواطنون في ظل انقطاع الكهرباء بمختلف المناطق السورية، ويرتبط سعرها بسعر المازوت، إذ يعتمد عليه أصحاب المولدات الكهربائية لتشغيلها.