عنب بلدي – خالد الجرعتلي
تشهد مدينة درعا البلد جنوبي سوريا اشتباكات مستمرة بين تيارين محسوبين على مجموعات المعارضة سابقًا، الأول ينتمي لـ”اللجان المركزية”، وتضم مقاتلين سابقين في فصائل المعارضة، والآخر متهم بالانتماء لتنظيم “الدولة الإسلامية”.
ويتبادل الطرفان الاتهامات بالتبعية للنظام والتنظيم، بينما فضّل النظام السوري أخذ دور المتفرج على الأحداث الأخيرة، بانتظار تجيير انتصارات قد يحققها أحد خصومه لمصلحته.
التنظيم يتشبث بحوران
في تشرين الأول الماضي، هاجم مقاتلون سابقون في المعارضة، بمدينة جاسم، عناصر تنظيم “الدولة”، وتمكنوا من قتل 45 عنصرًا، بينهم 15 قياديًا، في عملية استمرت عشرة أيام، فجروا خلالها منازل ومزارع كان يتحصن مقاتلو التنظيم داخلها.
وشارك في المعارك “اللواء الثامن”، وهو الفصيل الوحيد في درعا الذي يمتلك أسلحة متوسطة وثقيلة ومضادات، إلى جانب مقاتلين من ريف درعا الغربي.
بينما تجري الآن إعادة السيناريو نفسه في درعا البلد بذات الصيغة والمجموعات المهاجمة نفسها، وبالمسوغات نفسها.
اللافت للنظر أن إعلان تنظيم “الدولة” لم يعلق على جميع الحملات الأمنية التي قالت فصائل محلية إنها شنتها ضده في الجنوب السوري، كما لم يعلن مسؤوليته عن أي عملية استهداف منذ أكثر من شهرين.
الباحث في الحركات الجهادية الدكتور عبد الرحمن الحاج قال لعنب بلدي، إن تنظيم “الدولة” لم يصدر أي بيانات حول هذه العمليات، ولكن شكل العملية الانتحارية في درعا البلد تدل على أنها من أفعاله.
وسبق أن أسس تنظيم “الدولة” محكمة شرعية في مدينة جاسم، ما دفع المقاتلين لمحاربة التنظيم قبل إعلان الأخير عن مدينة جاسم كـ”إمارة إسلامية له”، بحسب ما قاله قياديون محليون في فصائل المدينة لعنب بلدي.
وأضاف الحاج أن تنظيم “الدولة” في منطقة الجنوب على صلة بالنظام، وهو نوع من “تبادل المصالح”، خصوصًا أن حركة التنظيم في درعا والسويداء باتت مختلفة عما هي في البادية السورية، وقد استخدم النظام خلايا التنظيم مرارًا “حجة” لإخضاع السويداء، والآن يريد إدخالها كعنصر في عمليات إخضاع درعا.
وحول عمليات الاتهام بين الطرفين بالتبعية للنظام السوري، قال الحاج، إن الفارق بين الجهتين هو أن علاقة “اللواء الثامن” بالنظام عبر الروس واضحة، وكذلك فصائل “المصالحة”، بينما لم تدخل جميع فصائل “التسوية” في خدمة النظام، معتمدة على “مصالحة شكلية” تجنّبت خلالها الصدام معه.
يرى الحاج أن تنظيم “الدولة” يتبادل المصالح، ويجري استخدامه كـ”قوة قمع وإخضاع”، وأن فصائل المعارضة في درعا لم تُستخدم على هذا الأساس.
وأضاف، “من المفترض أن النظام نظريًا يحارب التنظيم، لكنه عمليًا يستخدمه، ويبادله المصالح ضد بقايا المقاومة له في المنطقة”.
فصائل وانتماءات مختلفة
بعد قرار مقاتلي درعا البلد مهاجمة المتهمين بالانتماء للتنظيم، طلب القياديون من “اللواء الثامن” ومن مقاتلين من الريف الغربي المشاركة في العمليات العسكرية، وأرسل “اللواء” أرتالًا تحمل مضادات أرضية، إضافة إلى تعزيزات وصلت من مقاتلي الريف الغربي لمحافظة درعا.
وبمجرد وصول أرتال “اللواء الثامن” إلى محيط درعا البلد، بدأ الحديث عن دور النظام السوري فيها، خصوصًا أن “اللواء” يُعرف بتبعيته الإدارية لـ”الأمن العسكري”.
قيادي في “اللواء الثامن” قال لعنب بلدي، إن “اللواء” شارك في العمليات بدرعا البلد بقرار فردي اتخذته قيادته لمؤازرة فصائل أخرى، معتبرًا أن قضية تبعية “اللواء” لشعبة “المخابرات العسكرية” جاءت في سياق “شكلي”.
وقال قيادي ثانٍ في “اللواء الثامن” لعنب بلدي (تحفظ القياديان على اسميها لأسباب أمنية)، إن صعوبة العمل بدرعا البلد تكمن في “الصبغة العشائرية” التي تحمي بعض القادة الذين يحمون بدورهم عناصر من تنظيم “الدولة”.
واعتبر أن محاربة تنظيم “الدولة” هدف ثابت لـ”اللواء الثامن”، لأن خلايا التنظيم ارتكبت عمليات اغتيال خدمت النظام السوري منذ سنوات طويلة.
بينما تُعتبر المجموعات المحلية (فصائل معارضة سابقًا) في أرياف درعا الغربية والشمالية محسوبة على “اللجان المركزية” المسؤولة عن ملف المفاوضات مع النظام السوري، وهي التي بدأت بالعمليات القتالية في درعا البلد ضد مجموعات يتزعمها الملقبان بـ”هفو” و”حرفوش”.
وسبق أن جمّدت “اللجنة المركزية” في الريف الغربي عملها، في أيار الماضي، على خلفية ارتفاع وتيرة اغتيال أعضائها، وآخرهم القيادي مصعب البردان.
ووجه القيادي “أبو مرشد البردان” حينها، في أثناء عزاء مصعب البردان، أصابع الاتهام لخلايا التنظيم في المنطقة.
وحلّت “اللجنة المركزية” في درعا البلد نفسها في تموز الماضي، بعد طلب النظام السوري إخراج “الغرباء” من المدينة، وتعذر ذلك على اللجنة بسبب حمايتهم من قبل عشائر في المنطقة، بحسب ما قاله أحد وجهاء درعا البلد في حديث سابق لعنب بلدي.
في 24 من كانون الأول 2021، اندلعت اشتباكات مسلحة في حي طريق السد بدرعا البلد، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص، بينهم أحمد حرفوش شقيق مؤيد حرفوش الملقب بـ”أبو طعجة”، والذي استغله النظام السوري سابقًا كذريعة لحصار درعا البلد.
وأفاد مراسل عنب بلدي في درعا حينها، أن أحد القياديين السابقين بفصائل المعارضة الملقب بـ”أبو شلاش”، وهو ممثل “اللجنة المركزية” عن مخيم “درعا”، طوّق منزل “أبو طعجة”، وجرت إثر ذلك اشتباكات استمرت لساعات، أسفرت عن مقتل ثلاثة أشخاص أحدهم مدني.
وتعود أسباب الخلاف حينها إلى عمليات الاغتيال التي يُتهم فيها “أبو طعجة” بدرعا البلد، وطالت شخصيات مقربة من النظام السوري، وأخرى من حملة بطاقات “التسوية”.
تلك الاشتباكات صدّرت كتلتين واضحتين جرى حشدهما بعد انتهاء “التسويات”، واحدة توالي “اللجنة المركزية” المفاوضة للنظام، وأخرى محسوبة على المجموعات التي كانت ترفض “التسوية” بقيادة مؤيد حرفوش، والتي دافعت عن درعا البلد في أثناء الحصار.
اتهامات متبادلة بالتبعية للنظام
أصدر عشائر ووجهاء درعا، في 29 من تشرين الأول الماضي، بيانًا طالبوا فيه شباب المدينة بالابتعاد عن خلايا التنظيم، وألا يكونوا ملاذًا يحتويهم، ويستمع إلى شعاراتهم “الرنانة”.
وجاء في البيان الذي اطلعت عنب بلدي على نسخة منه، أن “في درعا البلد شرذمة من الفاسدين، يترأسهم أمير داعشي يسمى يوسف النابلسي، عاثت هذه المجموعة فسادًا بالأرض من سلب ونهب وقتل، منفذة أجندات مشبوهة لمصلحة ميليشيات إيران و(حزب الله)” بحسب البيان.
وفي المقابل، قال القيادي محمد المسالمة الملقب بـ”هفو” لعنب بلدي، إن المقاتلين المتمركزين في حي طريق السد بدرعا البلد هم من “ثوار عام 2011” ولا صلة لهم بالتنظيم بـ”المطلق”، إذ سبق وتعرضوا للتهميش من قبل الفصائل، بسبب عدم إطاعتهم للأوامر الخارجية، حسب “هفو”.
وأضاف أنهم ثوار داخليون، و”مطبخهم داخلي”، لم يضعوا يدهم بيد النظام بعد “التسوية” كما حصل مع بقية فصائل المنطقة.
واتهم “هفو” القياديين والمجموعات المهاجمة له في درعا البلد بالعلاقة المباشرة مع النظام السوري، زاعمًا أن فصيله هو الذي وقف ضد اقتحام النظام للمدينة في تموز 2021.
“هفو” اتهم المجموعات التي تهاجمه اليوم بأنها كانت ضالعة باقتحام المنطقة إلى جانب النظام السوري عام 2021 أيضًا.
إلا أن قياديًا سابقًا، يوجد في درعا، قال لعنب بلدي، إن لـ”هفو” تاريخًا من النزاع مع فصائل المعارضة في الجنوب السوري، إذ سبق وفجر مستودعات غرفة عمليات “البنيان المرصوص” عام 2017، وبعد كشفه سُجن في مدينة بصرى وأُخرج بكفالة عشائرية.
سوابق “هفو” في درعا
عنب بلدي تواصلت مع خالد أبازيد، قائد العمل العسكري ضد المجموعات المتهمة بالانتماء لتنظيم “الدولة” عبر وسيط، بعد محاولات عديدة للتواصل معه بشكل مباشر.
وأوضح أبازيد أن الحملة التي أطلقتها الفصائل المحلية، تستهدف “العصابات وقاطعي الطرق المنتميين لتنظيم (الدولة)”.
وأكد أن القائمين عليها هم من أبناء درعا البلد، ولا يحملون بطاقات “أمنية”، ولم ينضموا لقوات النظام السوري بعد “تسوية 2018″، وتساندهم فصائل من أرياف درعا، في إشارة منه إلى عدم وجود علاقة للنظام السوري بهذه الحملة.
وأضاف أن هذه “العصابات” لا تشكّل خطرًا على درعا البلد فحسب، وإنما تهدد كامل أنحاء محافظة درعا بعمليات الاستهداف والاغتيال.
خالد أبازيد اعتبر أن الحملة الأمنية ضد “هفو” وحرفوش لا توجهها خلافات شخصية، بل أدت إليها ممارسات الأخيرين من “أعمال النهب والسلب، وتبعيتهما للتنظيم”، مشيرًا إلى أن جذور هذا الخلاف تعود لسنوات سيطرة فصائل المعارضة على الجنوب السوري، عندما فجّر “هفو” معسكرًا لـ”جيش الإسلام”، وقُتل نتيجة ذلك 30 مقاتلًا من الفصيل.
كما فجّر “هفو” مستودعًا يعود لغرفة عمليات “البنيان المرصوص” في أثناء معركة “الموت ولا المذلة” بين فصائل المعارضة والنظام السوري، وأدى التفجير حينها إلى خسارة خمس دبابات لفصائل المعارضة، وخمسة مقاتلين من الفصائل.
وختم أبازيد بالقول، إن القيادي يوسف النابلسي الذي كان يشغل منصب أمني التنظيم في الجنوب السوري، بحماية “هفو” ومجموعته، يتمركزون في حي طريق السد بدرعا البلد.
يُعرف عن محمد المسالمة الملقب بـ”هفو” بأنه ينحدر من مدينة درعا البلد، وهو قيادي سابق في فصيل “جبهة ثوار سوريا” المنضوي تحت “الجيش السوري الحر” في قطّاع الجنوب السوري.
وبعد تعرض “الجبهة” للهجوم في الشمال من قبل “هيئة تحرير الشام” (“جبهة النصرة” آنذاك)، حافظ الفصيل على تشكيلاته في الجنوب، وكان يتلقى دعمه من غرفة تنسيق الدعم الدولية (موك) التي كانت تنظّم دعم المعارضة السورية ومقرها الأردن.
وبينما يتهم النظام السوري محمد المسالمة بتبعيته لتنظيم “الدولة”، لم يعمل المسالمة مع أي فصيل باستثناء “جبهة ثوار سوريا”، حتى دخول قوات النظام إلى المدينة وبسط سيطرتها عليها.
ومع هجوم النظام على درعا البلد، في تموز 2021، تحصن المسالمة مع مقاتلين محليين على أطراف مدينة درعا البلد، وهي النقاط التي تعرضت للهجوم المركّز من قبل قوات النظام، واستمرت المعارك لأكثر من شهر بين الطرفين، انتهت بـ”تسوية” فرضها النظام في كامل درعا.
موقع النظام في التطورات
منذ الساعات الأولى لبداية العمليات العسكرية في المنطقة ضد مجموعات “هفو” وحرفوش، بدأت وسائل إعلام النظام السوري بالترويج لهذه العمليات على أنها بين مجموعات “التسوية” ومسلحين متهمين بانتمائهم لتنظيم “الدولة”.
بينما تحدث مراسل قناة “سما” في درعا فراس الأحمد، عن أن ما يجري في درعا البلد هو “عملية عسكرية محدودة”، أطلقتها أجهزة النظام الأمنية برفقة مقاتلين محليين ضد خلايا التنظيم في المنطقة.
من جانبها، رفضت الفصائل المحلية، وكذلك “اللواء الثامن”، مشاركة فصيل القيادي مصطفى المسالمة، الملقب بـ”الكسم”، لعلاقته المباشرة مع “الأمن العسكري”، خصوصًا أن “الكسم” كان مشاركًا باقتحام درعا البلد في تموز 2021.
وقال قيادي عسكري مشارك بالأعمال القتالية في درعا، إن مشاركة “الكسم” مرفوضة لتبعيته المطلقة للنظام السوري، وفي حال شارك سينسحب معظم المقاتلين من الجبهات.
وأضاف، “حتى قياديو المنطقة رفضوا أن يوضع حاجز أمني بين درعا البلد والمحطة لاعتقال أي هارب من المجموعات المتهمة بمبايعة التنظيم”، في إشارة إلى رفض التعامل مع النظام السوري وفصائله بشكل تام.
في 29 من تموز 2021، شهدت مدينة درعا البلد معارك بين مقاتلين محليين تحصنوا فيها وقوات النظام استمرت على مدار 80 يومًا، خلال محاولات قوات النظام اقتحام المدينة، مع تمهيد بالمدفعية والصواريخ، تزامن مع قطع تام للمياه والكهرباء والطحين والخدمات الطبية عن المدينة.
ماذا حصل في درعا البلد
في 28 من تشرين الأول الماضي، فجّر “انتحاري” نفسه في منزل القيادي غسان الأبازيد، ما أسفر عن مقتل أربعة أشخاص، وإصابة آخرين بينهم الأبازيد نفسه، وسرعان ما بدأ الحديث في المنطقة عن أن المنفذ هو “أبو حمزة سبينة”، أحد عناصر تنظيم “الدولة” الذي كان يقيم في المنطقة بحماية مؤيد حرفوش، بحسب ما قاله القيادي غسان الأبازيد، عبر تسجيل مصوّر جرى تداوله على الإنترنت.
في حين قال مؤيد حرفوش وحليفه محمد المسالمة الملقب بـ”هفو”، في تسجيلات صوتية عبر غرف أخبار محلية، إن أحد الموجودين في مكان الانفجار كان يعد عبوة ناسفة وانفجرت فيه، فيما أفادت مصادر محلية من درعا البلد لعنب بلدي، أن الموجودين في المنزل هم من المدنيين.
وتطورت الاتهامات بين الطرفين حتى بدء العمليات العسكرية ضد “هفو” ومؤيد حرفوش من قبل فصائل المعارضة السابقة في درعا، مدعومة بـ”اللواء الثامن”، في حي طريق السد شرقي مدينة درعا.
شارك في إعداد هذه المادة مراسل عنب بلدي في درعا حليم محمد.