عنب بلدي – هدى الكليب
شهد قطاع الصحة الخاص في إدلب شمال غربي سوريا ارتفاعًا كبيرًا في تسعيرة المعاينات الطبية وصل إلى الضعف تقريبًا، يقابله دخل منخفض لأغلبية سكان المنطقة، ما يضعف قدرتهم على دفع “الكشفية”.
ودفع غلاء المعاينات الكثيرين إلى البحث عن بدائل، تركزت حول استشارات طبية مجانية، عبر صفحات التواصل الاجتماعي سواء من المختصين أو غيرهم، بالإضافة إلى الاعتماد على الصيدليات كمرجع أولي للتشخيص.
الإنترنت بديل
تلجأ فدوى الصبوح (42 عامًا) إلى وسائل التواصل الاجتماعي ومنصة “يوتيوب” تحديدًا، كخيار بديل مجاني للبحث عن العلاج، مرجعة ذلك للزيادة الحادة في أجور المعاينات، التي تفوق طاقتها مع تردي الأحوال المعيشية.
وقالت فدوى لعنب بلدي، إنها تستعين بخبرات الصيادلة أيضًا لتشخيص أي عارض، والحصول على الدواء مباشرة، لتختصر بذلك “كشفيات” الأطباء وتوجه الدخل للاحتياجات الأساسية كالغذاء وإيجار المنزل.
بلغت تكلفة المعاينات مؤخرًا 60 ليرة تركية، بعد أن كانت 30 ليرة منذ أربعة أشهر، ولا تقف عند هذا الحد، إذ غالبًا ما تصاحبها تحاليل طبية وصور أشعة، تصل تكلفتها هي الأخرى إلى 500 ليرة في بعض الأحيان، بحسب ما قاله أحمد الحسون (34 عامًا) لعنب بلدي.
وتساءل أحمد، الذي قلما يلجأ لمعاينة الأطباء، عن إمكانية تحمل هذه التكاليف في حين أنه يحصل على 50 ليرة تركية فقط لقاء عمله في “المياومة”، أي أن “الكشفية” والتحاليل تعادل ثلث مدخوله الشهري، في حال عمل دون انقطاع.
وأوضح أنه يحاول التداوي بالأعشاب من خلال الاطلاع على خلطات متنوعة من الإنترنت، ليُذهب بها الآلام الأكثر شيوعًا، مثل آلام المفاصل والظهر والكلى والمعدة والبلعوم، مشيرًا إلى أن الحلول على الشبكة العنكبوتية تغني عن الطبيب أحيانًا.
من جهتها، تحاول النازحة صابرين البرهان (33 عامًا) الدخول إلى الإنترنت للحصول على شرح مفصل لأعراض معيّنة، وكيفية طرق العلاج في المنزل دون الحاجة لمراجعة الطبيب في معظم الأحيان.
وقالت إنها تعتمد على الإنترنت في الحصول على علاج لأبنائها في حالات مرضية شائعة، كآلام المغص والبرد والزكام، وغالبًا ما تحصل على نتائج وصفتها بـ”الجيدة”، ما يرفع عنها عبء الذهاب للعيادات الخاصة، المكان الذي لا يميز بين فقير وغني، على حد تعبيرها.
الصيدلاني.. استشارة مجانية
“بوجود الصيدلاني تُحل المشكلة”، هكذا عبرت الخمسينية صبحية راجي عن أهمية عمل الصيدلاني في مخيمات شمال إدلب، إلى جانب بعد المخيمات عن المدن، وصعوبة الوصول إلى الخدمات الطبية التي غالبًا ما تكون عالية التكلفة، مقابل ضعف الإمكانيات المادية.
وتعاني صبحية أمراض الضغط والسكري، بحسب ما قالته لعنب بلدي، لكنها تستغني عن مراجعة الطبيب بمساعدة صيدلاني يصف لها الدواء الذي تحتاج إليه بشكل مستمر.
وأوضحت أن الخدمات الطبية المجانية في المستشفيات العامة تتطلب إجراءات معقدة، تتعلق بالتسجيل المسبق للحصول على المعاينة المجانية، والانتظار لساعات طويلة بين طوابير المرضى.
وفي توصيف لحالة المعاناة التي يعيشها قاطنو المخيمات، قالت صبحية، “يمكن للشخص أن يتصور معاناة المرضى الفقراء، وما يمكن أن يكابدوه للوصول إلى مجرد معاينة طبية، من الانتظار الطويل المرهق، إلى تحملهم عبء دفع مصاريف إضافية لقاء تأمين وسائل النقل من مخيماتهم البعيدة إلى المراكز الطبية المجانية”.
الجهات المسؤولة لا تتدخل
مسؤول الرعاية الصحية الأولية في مديرية الصحة بإدلب، دريد الرحمون، قال لعنب بلدي، إن المديرية لا تتدخل في تحديد أجور المعاينات، إذ تضعها نقابة الأطباء في إدلب.
وأوضح أن الأخيرة تعتمد في تحديد أجور المعاينات على درجة الاختصاص والخبرة، وبموافقة جميع الأطباء كأعلى قيمة، وللطبيب حرية الإنقاص منها.
ورفض نقيب الأطباء، الطبيب مالك عطوة، إعطاء أي تصريح لعنب بلدي حول آلية تحديد أجور المعاينة، وإمكانية تخفيضها بما يتناسب مع مدخول عامة الناس.
تحذير طبي
من منظور طبي، يرى الطبيب حميدو ياسين الحميدو، الاختصاصي في الأمراض العينية والمقيم في سرمدا شمالي إدلب، أن الاكتفاء بالبحث على الأعراض على الإنترنت، واللجوء إلى الصيدليات للحصول على معاينات سطحية، أمر يعود بالضرر على المرضى في كثير من الأحيان، لعدم مقدرة البعض على شرح مشكلاته الطبية بشكل وافٍ.
أشار الطبيب الحميدو لعنب بلدي إلى أن العلاج عبر الإنترنت والصيدليات يمكن أن يكون بديلًا في الحالات المرضية الشائعة التي لا تحتاج إلى مراجعة الطبيب، إلا في الحالات المتداخلة التي تستدعي معاينة دقيقة.
وذكر الحميدو أنه عاين الكثير من الأخطاء الناجمة عن تشخيص صيادلة فنيين غير مختصين، ومنح أدوية غير ملائمة لبعض الحالات، ما زاد وضع المرضى سوءًا.
تحت وطأة الفقر
في أحدث بيان لفريق “منسقو استجابة سوريا” حول مؤشر حد الجوع والفقر والتكاليف الاقتصادية للعائلات في شمال غربي سوريا، بلغت نسبة العائلات الواقعة تحت حد الفقر 84%، وفقًا للأسعار الأساسية وموارد الدخل.
بينما كانت نسب شمال غربي سوريا، ة العائلات الواقعة تحت حد الجوع 36% من إجمالي العائلات الواقعة تحت خط الفقر، وذلك لعدة اعتبارات، أهمها عدد أفراد العائلة العاملين، وأسعار الصرف المتغيرة.
وذكر البيان أن حساب التكلفة المعيشية لأسرة مكوّنة من أربعة أفراد ضمن الحدود الدنيا، دون الاعتماد على المساعدات الإنسانية، هي ثلاثة آلاف و165 ليرة تركية.
وحد الفقر للعائلة الواحدة هو 228 دولارًا أمريكيًا، ما يعادل 4245 ليرة تركية، بالاعتماد على التصنيفات الدولية لحد الفقر، الذي يبلغ 1.9 دولار أمريكي لكل شخص يوميًا.
ويصنّف الفريق جميع القاطنين ضمن المخيمات المنتشرة في المنطقة تحت خط الفقر بشكل كامل، كما يصنف 18% من نازحي المخيمات ضمن حدود الجوع.